تسعى الحكومة الانتقالية السورية إلى رفع العقوبات الاقتصادية وإعادة دمج البلاد في النظام المالي العالمي، بما يضمن دعم اقتصاد سوريا، وتهيئة المناخ المناسب لملف إعادة الإعمار، من خلال المشاركة في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين.
تأتي هذه المشاركة والتي تُعد الأولى لسوريا منذ عقدين كخطوة لإعادة تموضع سوريا داخل المجتمع الدولي، بعد سنوات طويلة من العزلة الدولية، فرضتها سياسات النظام المخلوع، لتفتح نافذة أمل جديدة بقرب إزالة العقوبات المفروضة على الشعب السوري.
جهود للعودة إلى النظام المالي العالمي
في السياق، سيحضر وفدٌ رسمي سوري مؤلف من وزير المالية محمد يسر برنية، وحاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
من جهته، أوضح وزير المالية، أن الوفد لديه برنامج حافل بالاجتماعات، متمنيًا أن تُسهم هذه اللقاءات في تعزيز جهود إعادة إعمار سوريا، ومشدداً على تطلعهم لإعادة دمج سوريا في النظام المالي الدولي والعودة الفاعلة إلى المجتمع الدولي.

بينما أعرب حاكم “مصرف سوريا المركزي” عبد القادر الحُصرية، عن سعادته بمرافقة وزير المالية في هذه المهمة، مشدداً على أن إعادة دمج سوريا في النظام المالي الدولي تمثل أولوية قصوى في هذه المرحلة.
وأكد الحُصرية في منشور له، التزام الوفد السوري ببذل كل الجهود الممكنة لتحقيق هذه الغاية، متمنياً أن يعمّ السلام والازدهار الجميع.
دلالات للتوجه نحو تخفيف العقوبات
زيارة الوفد السوري إلى الولايات المتحدة، وإن كان ظاهرها اقتصاديا، لتعزيز فرص إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي، إلا أنها تحمل في طياتها دلالات سياسية قوية، خاصة وأنه تم منح وزير الخارجية أسعد الشيباني، تأشيرة لزيارة نيويورك للمشاركة في اجتماعات مجلس الأمن، وعقد لقاءات سياسية مع مسؤولين أمميين وغربيين، وفق ما ذكرته مصادر مطلعة.
ذلك بعد أن كانت هناك حالة من الغموض تحيط حصول الشيباني على تأشيرة دخول الولايات المتحدة الأميركية، نظرًا لأن اسمه مُدرج ضمن التنظيمات الإرهابية، حيث تصنف واشنطن “هيئة تحرير الشام” وهي جزء من تنظيم القاعدة التي انتمى لها حتى عام 2016 منظمة إرهابية.
وتشير هذه الدلالات في مضمونها إلى أن الولايات المتحدة تسرع خطواتها باتجاه دمشق، والتي من المفترض أن تترافق مع خطوات أخرى على صعيد تخفيف العقوبات، فمن دون هذه الخطوة الضرورية، ستبقى الثقة بين الجانبين مهزوزة، وتشوبها الكثير من الشكوك والتساؤلات، لاسيما وأن تخفيف العقوبات الأميركية، يعتبر البداية الحقيقية لتعافي سوريا، وإعادة شريان الحياة الاقتصادية إليها، خاصة وأنها ستكون كذلك، حافزا قويا للدول الأخرى، ومنها الأوروبية على وجه التحديد، لأن ترفع عقوباتها بشكل كامل.
الدعم الدولي وتحديات العقوبات
في شباط/ فبراير الماضي، أعلنت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، استعداد الصندوق لدعم سوريا، من خلال تفهم حاجة المؤسسات الرئيسية في البلاد كمصرف سوريا المركزي، لبناء قدرات المؤسسات حتى تؤدي بكفاءة بما يفيد الاقتصاد والشعب.
وفي السياق ذاته أكد الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والمدير المساعد لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عبد الله الدردري، مؤخرا عزم صندوق النقد والبنك الدوليين مناقشة إعادة دعم سوريا خلال اجتماع الأسبوع المقبل.

ويوم أمس اختتم عضوان من “الكونغرس” الأميركي زيارتهما إلى سوريا، بعد أن التقيا بالرئيس الانتقالي أحمد الشرع، ووزير الخارجية أسعد الشيباني، وقد وصفا اجتماعاتهما في دمشق بالإيجابية، حيث جرى خلال تلك الاجتماعات بحث مستفيض في تطورات الوضعين الأمني والاقتصادي في سوريا، إضافة إلى آفاق بناء شراكة استراتيجية بين دمشق وواشنطن على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
كما تم التطرق إلى أثر العقوبات الأميركية أحادية الجانب المفروضة على سوريا، والتي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين السوريين وقطاعات حيوية كالصحة والتعليم والطاقة، وأكد الجانب السوري على ضرورة رفع هذه الإجراءات غير القانونية كخطوة أساسية نحو بناء الثقة والانخراط في مسارات تعاون بناء.
خطوات ضرورية
من جهته، أكد المستشار الاقتصادي، أسامة القاضي، أن هناك خطوات ضرورية لابد أن يقوم بها الوفد السوري خلال اجتماعات الربيع، حتى تنجح الزيارة في تحقيق مكاسب لسوريا والسوريين.
هناك ضرورة لإصدار بيان يقوم بكتابته كل من وزير المالية وحاكم المصرف المركزي، من أجل التوقيع عليه من قِبل حكام المصارف المركزية ووزراء المالية حول العالم، يطالب بضرورة رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، بهدف التأثير على وزارة الخزانة الأميركية التي من المرجح أن يتواجد ممثل لها في الاجتماع.
المستشار الاقتصادي أسامة القاضي
وبيّن أن هذا البيان يمثل إجماعًا بضرورة رفع العقوبات عن البنك المركزي السوري من أجل إلحاق سوريا بمنظومة سويفت المالية، متابعًا بأن من الأفضل أن يتم ذلك عن طريق كتابة بيان وليس انتظار المداخلة خاصة وأن جدول أعمال الاجتماعات على مدار يومين لا يشمل حديثًا عن سوريا سوى اجتماع واحد مُدته نصف ساعة عن الوضع الاقتصادي في سوريا ولبنان مجتمعين، وأن الشأن السوري ليس حاضرًا بزخم خلال الاجتماعات، لذلك لابد أن يصنع هذا الزخم الوفد السوري واستغلاله في التواصل مع الدول المؤثرة.
جهد كبير مع ممثلي الاتحاد الأوروبي
أضاف المستشار الاقتصادي، أنه في حال إصدار بيان ختامي للاجتماعات يجب العمل على إدخال بند هام ضمن مخرجاته وهو رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، على أن يكون ذلك بخلاف البيان المنفصل السوري الذي يكتبه السوريين، فبذلك يصدر من طرفين أحدهما سوري والآخر دولي.
وأكد أن هناك ضرورة لأن يبذل الوفد جهدًا كبيرًا مع ممثلي الدول الأوروبية المشاركة وعددها سبعة وعشرين، إضافة إلى ممثل الاتحاد الأوروبي، للمطالبة بدخول سوريا ولو بصورة مؤقتة إلى منظومة “سيبا” SEBA وهي منظومة أوروبية تضم 40 دولة، موضحًا أن بدخول سوريا تلك المنظومة التي تشبه كثيرًا منظومة سويفت ستكون التحويلات المالية باليورو، لحين سماح واشنطن بعودة دمشق إلى منظومة سويفت حتى تتمكن من إعادة إعمار البلاد.

يذكر أن مشاركة سوريا في هذه الاجتماعات تتيح فرصة للانفتاح وتعزيز العلاقات مع الدول الأخرى، مما قد يسهم في تحسين الوضع الاقتصادي والسياسي للبلاد، كما يمكن أن تساهم المشاركة في فتح أبواب للحصول على مساعدات مالية أو قروض ميسّرة من صندوق النقد الدولي، مما يساعد في دعم الاقتصاد السوري المتعثر.
وتبلغ قيمة حقوق السحب الخاصة التي تملكها سوريا لدى صندوق النقد الدولي، 563 مليون دولار، لكن استخدام هذه الأموال يتطلب موافقة أعضاء بالصندوق يملكون 85 بالمئة من إجمالي الأصوات، مما يمنح الولايات المتحدة، التي تملك 16.5 بالمئة من الأصوات، حق النقض الفعلي.
- الخطر الذي يتسلل مجدداً.. عن احتمالات عودة “داعش” إلى سوريا
- هيئتان لـ العدالة الانتقالية والمفقودين… ما المطلوب لضمان عمل مستقل؟
- “الليرة الجديدة”.. هل تنقذ الاقتصاد السوري أم تعمّق أزمته؟
- هل أصبحت سوريا مؤهلة لتلقي التمويلات الجديدة؟.. البنك الدولي يجيب
- وزير الدفاع يعلن دمج كافة الوحدات العسكرية.. ما دور بريطانيا بإعادة هيكلة الجيش؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة
الأكثر قراءة

هل تكون العملة الجديدة حلا سحريًا لاستعادة الثقة في الليرة السورية؟.. خبير يوضح

هل تستطيع سوريا النجاة من نيران الطائفية؟

نتائج زيارة الوزير الشيباني إلى نيويورك: بين الخلط والفشل!

محمد رمضان يتجاهل محاكمته بتُهمة إهانة العَلم المصري بأسلوب استفزازي!

ماهر مروان: سيرة مشبوهة وقرابة نافذة بالشرع.. ما أهليّته لقيادة دمشق؟

لا قرار رسمي.. نقل مراكز الامتحانات يثير مخاوف طلبة الحسكة
المزيد من مقالات حول اقتصاد

“الليرة الجديدة”.. هل تنقذ الاقتصاد السوري أم تعمّق أزمته؟

هل أصبحت سوريا مؤهلة لتلقي التمويلات الجديدة؟.. البنك الدولي يجيب

العقوبات تُرفع والمراقبة تبدأ.. هل ينجح “الشرع” في تنفيذ الشروط الأميركية؟

مع دخول الصيف.. أزمة الكهرباء تفاقم الأوضاع في الحسكة ومطالب بالرقابة على “المولدات”

الوجود الأميركي في سوريا: فصل اقتصادي جديد؟

عملة سورية جديدة تطبع في النمسا: ما الفئات والرموز؟

من الرياض إلى أبوظبي.. حصيلة مكاسب “ترامب” الاقتصادية خلال جولته الخليجية
