مع الارتفاع المتواصل في أسعار المواد الغذائية في الأسواق السورية، وفشل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، في ضبط الأسواق وتأمين المواد بأسعار تناسب دخل السوريين، تحاول الوزارة تأمين المواد وبيعها في مراكزها المنتشرة في البلاد عبر ما يُعرف خلال السنوات القليلة الماضية بـ”البطاقة الذكية”.

وزارة التموين تقول إنها تستخدم نظام “البطاقة الذكية” لتأمين المواد الغذائية والمحروقات بأسعار تنافس الأسواق المحلية، لكنها تبيع هذه المواد بكميات محددة للعوائل السورية، وغالبا ما تنعكس هذه الآلية على جودة المواد المقدمة، فضلا عن استمرار فقدانها في الأسواق، وصعوبة الحصول عليها من مؤسسات التجارة الداخلية.

قبل أيام من قدوم شهر رمضان، والتي عادة ما يرافقها ارتفاع كبير في أسعار السلع والمواد الأساسية، أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أنها ستبيع عددا من المواد الغذائية عبر “البطاقة الذكية” بسعر التكلفة، ما يطرح التساؤلات حول قدرة الوزارة على تأمين ما يكفي من حاجة العائلات السورية، ومنافسة التجار ومساعدة العوائل في مواجهة الأعباء الاقتصادية المرافقة لشهر رمضان.

البقوليات إلى البطاقة الذكية

خلال الأشهر القليلة الماضية شهدت أسعار البقوليات قفزة غير مسبوقة، زادت حدتها مع اقتراب شهر رمضان، حيث بلغ سعر كيلو العدس المجروش اليوم إلى نحو 10 آلاف ليرة سورية، والحمص الحب حوالي 6 آلاف ليرة سورية، في وقت حدّدت فيه وزارة التموين أسعار هذه المواد بـ 4600 و5 آلاف ليرة سورية على الترتيب.

نتيجة فشلها في فرض هذه التسعيرات على التجار وأصحاب محال البيع بالتجزئة، عمدت الوزارة لتبرير موقفها بالإعلان أنها ستبيع هذه المواد عبر “البطاقة الذكية”، وبحسب ما نقلت صحيفة “تشرين” المحلية، ستطرح الوزارة عبر صالات “السورية للتجارة” بعض أنواع البقوليات، كالعدس والحمّص، بالإضافة إلى “الفاصولياء الحب”.

التجارة الداخلية اشترطت لطرح هذه المواد، توفر كميات وافرة منها، ما يعني أن المواد مهددة بالفقدان من صالاتها تزامنا مع ارتفاع أسعارها في الأسواق، رغم أن الوزارة أعلنت قبل أسابيع  حاجتها لشراء ألف طن من الفول اليابس، والحمّص، والعدس، والفاصولياء، بالإضافة إلى حاجتها لشراء 1500 طن من مادة العدس “المجروش”، كما أن الوزارة لم تحدد الكميات المخصصة لكل عائلة خلال شهر رمضان.

قد يهمك: بين الفساد والعجز.. لماذا فشلت “التجارة الداخلية” السورية في السيطرة على أسعار السلع؟

إعلان وزارة التجارة الداخلية عن طرح البقوليات بعد ارتفاع أسعارها، يعبّر عن آلية اعتمدتها الوزارة منذ سنوات وهي الهروب من مسؤولية ارتفاع الأسعار وفقدان المواد، فضلا عن أن آلية بيع هذه المواد عبر “البطاقة الذكية”، لم تمكّن في معظم الأحيان العائلات السورية من الحصول على ما يكفيهم من المواد الغذائية الموزعة في صالات التجارة.

حماية المستهلك تنافس التجار؟

أنس الحموي تاجر مواد غذائية يعمل في دمشق، رأى أن وزارة التجارة الداخلية تسعى للهروب من مسؤوليتها في تأمين المواد الغذائية بأسعار مناسبة لتجار التجزئة، عبر توزيع كميات محدود من المواد إلى العائلات السورية، حتى يعتاد الأهالي على الأسعار الجديدة، مشيرا إلى أن تكاليف إنتاج هذه المواد أصبحت أعلى من التسعيرة التي تضعها “التموين” في لائحة الأسعار.

الحموي قال في حديثه مع “الحل نت”، “في كل مرة ترتفع فيه أسعار بعض المواد الغذائية تقوم وزارة التجارة الداخلية بالإعلان عن توزيع هذه المواد عبر البطاقة الذكية وبأسعار مخفّضة، لكنها تعجز في توزيع المواد بالكميات الكافية، فيعود المواطن ويضطر لشرائها من الأسواق بأسعارها الطبيعية”.

وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، تصف هذا التدخل بـ”الإيجابي”، لكنها تتجاهل أنها تساهم في بعض الأحيان بزيادة حدة الأزمة، فلجوء الوزارة إلى شراء المواد التي ترتفع أسعارها بشكل كبيرة وتخزينها، يساهم في زيادة وتيرة رفع الأسعار في الأسواق بسبب الضغط على معدلات الطلب.

هنا أوضح الحموي، أن “البقوليات ارتفعت أسعارها مجددا عندما بدأت وزارة التجارة الداخلية الإعلان عن شرائها بكميات كبيرة، وهذه الكميات لن تغطي حاجة العوائل خلال شهر رمضان، لو كانت الوزارة تستطيع المنافسة لكانت أمنت البضائع بأسعار أقل لتجار التجزئة، أو على الأقل وزعت هذه الكميات بوتيرة مستمرة للأهالي، لكنها تعلم أنه لا يمكنها منافسة السوق أو حتى استمرار توزيع هذه المواد على المواطنين”.

حكومة دمشق، دفعت خلال السنوات القليلة الماضية وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، للترويج بمدى دورها في ضبط الأسعار وتأمين المواد الغذائية الأساسية، وارتبطت الوزارة بالشكاوى المتعلقة بارتفاع أسعار المواد وصعوبة تأمينها واحتكارها، لكن ورغم عشرات الآليات التي أصدرتها الوزارة، فشلت في تأمين سوق مستقر يضمن أسعار مناسبة واستمرارية في تأمين السلع الأساسية.

من ملامح فشل الوزارة في تحقيق أهدافها، محاولاتها الالتفاف على مهامها، عبر تأمين مادة معينة بأسعار أقل مقابل سحب الدعم عن مادة معينة وتخفيض عدد العائلات المستفيدة، للتغطية على عجزها في دعم وتأمين معظم المواد الغذائية، وإيجاد آلية ثابتة تعتمد عليها في إدارتها لتوزيع المواد “المدعومة” وضمان استمرارية توفرها.

ارتفاع آخر في رمضان

حول ارتفاع أسعار البقوليات أوضحت رغد نجدي، أم لعائلة مكونة من خمسة أفراد تعيش في دمشق، أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل يصعب على معظم العوائل تحمله، مشيرة إلى أن قدوم شهر رمضان فاقم من أزمة ارتفاع الأسعار، لا سيما المواد الغذائية، مشيرة إلى أن العوائل الفقيرة لا تقوى على شراء حتى أدنى مقومات مائدة رمضان.

نجدي قالت في حديثها لـ”الحل نت”، “قفزة غير طبيعية شهدتها أسعار اللحوم ومختلف المواد الغذائية مع قدوم شهر رمضان. على سبيل المثال طبخة المجدرة التي هي من أرخص الأكلات أصبحت تزيد تكلفتها عن 25 ألف ليرة، وهنا لم نتحدث عن الطبخات التي تحتاج إلى شراء اللحم في رمضان، دائما ما نسمع عن الاحتكار وجشع التجار، وليست هناك إجراءات عملية لوقف هذا الارتفاع”.

أسعار اللحوم شهدت هي الأخرى ارتفاعات متفاوتة قبل دخول شهر رمضان بأيام قليلة، ما قد يحرم الشريحة الأكبر من السوريين، من إضفاء ما اعتادوه على مائدة رمضان، فوصل سعر كيلو هبرة الخروف في السوق ما بين 80 إلى 90 ألف ليرة سورية، والغنم المسوف تراوح ما بين 60 إلى 65 ألف ليرة، بينما بلغ سعر كيلو شرحات الغنم ما بين 80 إلى 100 ألف ليرة.

إعلان “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” إضافة البقوليات على “البطاقة الذكية”، لا يعدو كونه “إبرة مخدرة” لامتصاص غضب الشارع بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، إذ يتوقع مراقبون أن تنفذ الكميات المخصصة للتوزيع في أول أسابيع شهر رمضان، ومن ثم تكرر الوزارة أسطوانة الاحتكار وجشع التجار وتسيير الدوريات التموينية لمحاسبة المخالفين، في وقت سيضطر المواطن لشراء هذه المواد بأسعارها الطبيعية من الأسواق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.