تتزايد المخاوف من وقوع الحكومة الانتقالية بسوريا في فخ المديونية والاعتماد على القروض، في ظل التحديات الجمّة التي تواجهها خلال مرحلة إعادة الإعمار بعد أن تم تدمير الاقتصاد الوطني على إثر الحرب التي استمرت ما يقارب العقد ونصف. 

وبعد عزلة خانقة للاقتصاد شهدت سوريا انفتاحًا على المجتمع الدولي ومؤسساته المالية، وفي هذا الإطار تتوجه بعثة من صندوق النقد الدولي إلى دمشق خلال أيام لتقييم الأوضاع المالية والاقتصادية، في سياق جهود دولية لدعم إعادة تأهيل الاقتصاد، بعد إعلان وزارة الخزانة الأميركية رسميًّا رفع العقوبات على سوريا

تساؤلات حول تمويل إعادة الإعمار 

يأتي ذلك في وقت تحتاج فيه الدولة السورية إلى ضخ استثمارات طائلة لبدء مرحلة الإعمار، وهو ما يطرح أسئلة جوهرية حول كيفية تمويل إعادة البناء، وما إذا كانت الحكومة ستعتمد على المساعدات الدولية والديون، على غرار تجارب سابقة لدول مرت بأزمات مماثلة. 

وأثبتت عدّة تجارب أن الاعتماد المفرط على القروض الدولية قد يقيد حرية اتخاذ القرار الاقتصادي، ويثقل كاهل البلاد بالفوائد المرتفعة، كما أن تأثيرها بالغ الخطورة على الواقع المعيشي في المجتمعات، لتسببها في انهيار العملات الوطنية للدول المديونة، وقفز الأسعار ما يؤدي لترشح معدلات التضخم للزيادة. 

وبحسب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور، فإن البعثة المتوجهة إلى سوريا ستطّلع على واقع المؤسسات السورية، بما في ذلك المصرف المركزي ووزارة المالية وهيئات الإحصاء. 

وتستهدف الزيارة تحديد الحاجات المتعلقة بالمؤسسات والدعم التقني المطلوب، لوضع إطار تعاون شامل مع سوريا يحدد الأولويات لتأمين المشورة والدعم التقني وتدريب الكوادر الأساسية، ومن المقرر أن يزور أزعور دمشق أواخر حزيران/يونيو، بعد أن ترفع البعثة تقريرها.  

انفتاح دولي وحيرة حكومية 

أُجري آخر تقييم شامل لصندوق النقد الدولي لحالة الاقتصاد السوري في عام 2009 قبل اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، أي بعد انقطاع دام 16 عاماً، مما أحدث فجوة في البيانات والمعلومات لدى الصندوق عن واقع الاقتصاد السوري.  

وفي تطور لافت وسريع يعبر عن الانفتاح الدولي، أعلن صندوق النقد الدولي عن تعيين رئيس لبعثته في سوريا، وهو الخبير الاقتصادي رون فان. 

يُعد الاقتصاد السوري شبه مدمر، وتشير بعض التقديرات إلى أن كلفة إعادة الإعمار تصل إلى أكثر من 400 مليار دولار، فيما اعتبر تقرير أممي أن الاقتصاد السوري يحتاج 55 عامًا ليعود إلى المستوى الذي كان عليه عام 2010. 

تقف الحكومة السورية الآن حائرة بين الاستفادة من الدعم الدولي عبر صندوق النقد الدولي وبين تجنب الوقوع في فخ المديونية التي قد تقيّد قرارها السيادي وتفاقم معاناة السوريين. 

الوضع السوري وهيمنة الصندوق 

من جهته أوضح، الباحث الاقتصادي سامي عيسى، أن الصندوق مسؤول عن مراقبة السياسات العامة للحكومات، مشيرًا إلى أن البعض يتهمه بالهيمنة على العديد من الدول، خاصة التي وقعت في فخ المديونية، وفق ما نقل عنه موقع “إرم نيوز“. 

ورأى أن المديونية أصبحت استثمارًا اقتصاديًّا وسياسيًّا من قبل الدول الكبرى، وخصوصًا عندما تطبق على الدول العربية التي أصبحت ساحةً للصراعات الدولية والإقليمية، مؤكدًا أن لا مجال للدول الواقعة تحت ثقل الديون، إلا الاستدانة مجددًا لإيفاء الدين. 

وأشار إلى أن الوضع في سوريا يتطلب ضخ مبالغ طائلة للنهوض باقتصادها، موضحًا أنه يمكن توفير تلك الأموال من خلال دول الخليج، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأميركية، إضافة للبنوك الدولية. 

وأكد أنه يفضل الحصول على الدعم المالي من الدول الخليجية أولًا، أما بالنسبة لقروض البنك الدولي، فلا بدَّ من دراستها جيدًا حتى لا تقع سوريا في فخ المديونية. 

تجنب فخ المديونية 

فيما رأى الباحث الاقتصادي عيد العلي، أن حجم الدمار الذي تعرض له الاقتصاد السوري، والأموال المطلوبة لإعادة إحيائه من جديد والنهوض به، يجبران الإدارة السورية الحالية على اللجوء إلى “البنك الدولي” الذي يعد صاحب أكبر كتلة مالية. 

وعن كيفية تجنب الإدارة السورية فخ المديونية، أكد أن اتباع سياسات اقتصادية رشيدة، يمكّن دمشق من الاستفادة من الكتلة المالية للبنك الدولي عبر القروض، إضافة إلى تدريب المهارات وإعداد الكوادر الإدارية الخبيرة التي سيتولى البنك تدريبها. 

وشدد على ضرورة وضع المشاريع الإنتاجية واستثمار الثروات الوطنية، في مقدمة أولويات الحكومة، أما بالنسبة لقروض البنك الدولي فيمكن أن تكون رديفة وليست أساسية في عملية تعافي الاقتصاد السوري، مرجّحًا أن يشهد السوريون سنوات طويلة من التقشف، حال تم الاعتماد بشكل أساس على قروض. 

وأكد أن صندوق النقد الدولي يؤثر بقوة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، ويعتمد مبدأ “لبرلة الاقتصاد” والتقشف لضمان سداد الديون.  

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة