ثمار رفع العقوبات عن سوريا.. ماذا يعني الإعلان عن استئناف التداول في البورصة؟

بدأت الحكومة السورية جني ثمار رفع الحصار الاقتصادي والعقوبات الأميركية والأوروبية الخانقة للاقتصاد السوري، حيث أعلن وزير المالية في الحكومة الانتقالية، محمد يسر برنية، أن إعادة افتتاح سوق دمشق ‏للأوراق ‏المالية ستتم في يوم الاثنين الموافق 2 حزيران/ يونيو المقبل. 

ويأتي استئناف التداول في بورصة دمشق بعد أشهر من التوقف، وهو ما يُعدّ فرصة حقيقية لاستعادة الاقتصاد السوري وتنشيطه، كما يُعد أيضًا إشارة إلى أنه في طريقه نحو الاستقرار. 

خطة إعادة التداول 

بحسب برنية، تم اتخاذ الإجراءات اللازمة ‏للتأكد ‏من سلامة الامتثال لمواجهة عمليات غسل الأموال واستغلال المجرمين ‏للسوق، مبيناً أن التداول سيقتصر في البداية على ثلاثة أيام في الأسبوع، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء السورية “سانا”. 

وحُدد الهدف من إعادة افتتاح السوق، وهو المساهمة في ‏تنشيط ‏الاقتصاد، وتحريك المعاملات المالية، موضحاً أنه تم البدء أيضاً ‏بالإعداد لتطويرٍ ‏شامل لقطاع الأوراق المالية في سوريا، يشمل منظومة ‏التداول، والمقاصة، ‏والتسوية الإلكترونية، وتطوير الخدمات الرقمية، وتوسيع ‏الأدوات الاستثمارية، ‏وتحفيز جانبي العرض والطلب على الأوراق المالية، ‏إضافة للاهتمام بالتوعية. 

وأوضح أنه ستكون هناك مراجعة ‏شاملة ‏للتشريعات المالية القائمة، وتحديثها، لتنسجم مع الاتجاهات الحديثة، ‏والمعايير ‏العالمية، والممارسات العالمية السليمة، وتعزز دور السوق في دعم ‏تمويل ‏الاقتصاد والتنمية، بما يخدم أغراض التوسع في الاقتصاد السوري في ‏السنوات ‏القادمة. 

تساؤلات حول مستقبل السوق 

تم إيقاف التداول في سوق دمشق للأوراق المالية في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، وبعد يومين، أدى قصف إسرائيلي استهدف مركز البحوث القريب إلى تعطل بعض أنظمة السوق، ما دفع بالإدارة إلى وقف التداول بشكل كامل، خصوصاً مع عدم استقرار النظام المصرفي بعد سقوط نظام بشار الأسد. 

جاء الإعلان عن موعد استئناف التداولات، بعد ترقب من المستثمرين والمتعاملين في سوق دمشق للأوراق المالية، وسط تساؤلات حول مستقبل السوق، ذلك بعد أن دفعت العقوبات على سوريا على مدار سنوات معظم المستثمرين بالبنوك نحو الامتناع عن المشاركة الفعالة خوفا من تطبيق العقوبات عليهم. 

 تتزايد التوقعات بعودة المستثمرين خاصة بعد أن تم رفع العقوبات ما يعزز أداء القطاع، ويمكن للبورصة السورية أن تشكل جسراً لاندماج الاقتصاد السوري مع الأسواق العربية والعالمية، مما يعزز الثقة في قدرته على التعافي وإعادة بناء نفسه. 

وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال جولة خليجية في وقت سابق من هذا الشهر، رفع العقوبات قبيل اجتماع تاريخي مع الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع في الرياض، وسارع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ الخطوة نفسها. 

وأصدرت واشنطن رخصة عامة تُتيح تخفيفًا جزئيًا للعقوبات المفروضة على دمشق، في إطار الوفاء بتعهد الرئيس الأميركي، أصدرت واشنطن رخصة عامة تُتيح تخفيفًا جزئيًا للعقوبات المفروضة على دمشق، في إطار الوفاء بتعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال جولة له في الشرق الأوسط، منذ نحو أسبوعين، عزمه إصدار قرار بإنهاء العقوبات المفروضة على الحكومة الانتقالية السورية. 

شركات سوق دمشق للأوراق المالية 

تضمّ السوق التي يهيمن عليها قطاع المصارف، 27 شركة مدرجة، وتبلغ قيمتها السوقية نحو 17.6 تريليون ليرة سورية، ما يعادل نحو 1.6 مليار دولار وفق سعر الصرف الرسمي المحدد من قبل المصرف المركزي بحوالي 11 ألف ليرة للدولار.  

بحسب الموقع الرسمي، تضم بورصة دمشق 15 بنكاً مدرجاً، و6 شركات تأمين، بالإضافة إلى 6 شركات تعمل في قطاعات الخدمات والصناعة والاتصالات، بواقع شركتين في كل قطاع. 

ويسيطر قطاع البنوك على 86 بالمئة من إجمالي الأسهم، عبر 15 بنك (11 بنك تقليدي و4 بنوك إسلامية)، يليه قطاع التأمين من خلال 6 شركات مدرجة. 

المستثمرون والقيمة السوقية 

فيما بلغ عدد المستثمرين القابلين للتداول 23,130 مستثمر حتى نهاية نوفمبر 2024، معظمهم من الجنسية السورية وبعض الأجانب من البلاد التي أبقت العلاقات مع سوريا، في حين أن عدد حسابات التداول المفتوحة لدى السوق حتى نهاية نوفمبر 2024 زاد عن 30 ألف. 

تراجعت القيمة السوقية للسوق من 2.6 مليار دولار في آذار/ مارس 2020 إلى حوالي 680 مليون دولار في تموز/يوليو 2021، نتيجة انهيار سعر صرف الليرة السورية الرسمي من 434 ليرة سورية للدولار إلى 2,500 ليرة سورية للدولار بين الفترتين. 

وتخطت قيمة التداول خلال العام 2023 الـ 30.3 مليون دولار، منخفضة بنحو 85 بالمئة من عام 2010 حين قاربت الـ 200 مليون دولار. 

وتستحوذ 5 شركات مدرجة على أكثر من 50 بالمئة من القيمة السوقية الإجمالية لسوق دمشق للأوراق المالية، وفق آخر الأرقام الرسمية الصادرة عن نهاية العام 2023. 

تأثيرات متوقعة بعد عودة التداول 

من جهته، رأى رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريح سابق لموقع “الحل نت” أن إجراء عودة سوق دمشق للأوراق المالية للتداول من شأنه أن يعطي دفعة قوية للاقتصاد السوري الذي يواجه تحديات كبرى وإعادة الثقة فيه. 

وبيّن يرق خلال تصريحه أن وجود قطاع مصرفي وسوق أوراق مالية جيد، من شأنه أن يساعد على تنشيط جميع القطاعات الاقتصادية بالبلاد، موضحًا أن جميع المعاملات الاقتصادية تمرّ من خلال هذا القطاع المصرفي. 

وأضاف أن وجود سوق أوراق مالية ذو شفافية ونشط بإمكانه أن يوفر اقتصادًا نشطًا لديه القدرة على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، خاصة وأنه يوفر مصداقية بشأن الوضع الاقتصادي بالبلاد. 

تحديات كبرى

قال رئيس قسم الأسواق العالمية في “Cedra Markets”، إن سوريا عانت خلال حرب مطولة استمرت أكثر من عقد، أنهكت اقتصادها، مشيرًا إلى أن النظام الجديد يواجه الكثير من التحديات الاقتصادية الكبيرة على رأسها دمار البنية التحتية. 

بحسب بعض التقديرات، تتطلب إعادة البناء مئات المليارات من الدولارات، فحتى يناير 2022، قُدِّرَ إجمالي الأضرار في عدد من المدن والقطاعات السورية التي تم تقييمها (البنية التحتية الرئيسية، والقطاعات الاجتماعية، والبيئة والمؤسسات العامة) بما يتراوح من 8.7 إلى 11.4 مليار دولار. 

وذكر يرق، أن الإدارة السورية الجديدة عليها أن تبدأ ببناء الاقتصاد الذي وصف حالته بالضعيفة، من خلال إعادة الإعمار، عبر الاعتماد على الدعم الخارجي والمساعدات العربية والدولية، مؤكدًا أن هذا هو الحل الوحيد للعبور من هذه المرحلة. 

وأكد أن تقارب النظام السوري الجديد مع الدول المختلفة سواء كانت العربية منها أو الغربية، سيكون له تأثيرًا ملموسًا على الاقتصاد السوري خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها، مشيرًا إلى أن سوريا لديها ثروة من الموارد الأولية والطبيعية التي يمكن استغلالها بعد مرحلة الإنهاك لكنها تحتاج إلى وقت طويل لالتقاط الأنفاس. 

عودة الثقة 

جدير بالذكر أن “سوق دمشق للأوراق المالية” والتي مقرها دمشق تأسست في عام 2006. 

ويتداول في السوق الشركات المساهمة السورية، وسندات الدين التي تصدرها تلك الشركات، إضافة إلى سندات الخزينة الصادرة عن الحكومة السورية، والوحدات الاستثمارية السورية الصادرة عن صناديق وشركات الاستثمار، إضافة إلى أي أوراق مالية أخرى يتم اعتمادها من قبل مجلس مفوضي هيئة الأوراق المالية والسوق المالية السورية. 

من شأن عودة التداول في سوق دمشق للأوراق المالية أن يعيد الثقة بالاقتصاد السوري، لكن هذه الثقة قد تكون محدودة حال عدم مرافقتها إصلاحات نقدية في القطاع المصرفي وتحقيق الاستقرار الأمني. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات