بين انتشار المخدرات وانسداد الأفق السياسي: العراق بالمرتبة الرابعة عالمياً في حالات الانتحار

بين انتشار المخدرات وانسداد الأفق السياسي: العراق بالمرتبة الرابعة عالمياً في حالات الانتحار

تنشر المؤسسات الحكومية العراقية أرقاماً مخيفة حول الارتفاع الملحوظ في حالات الانتحار داخل المجتمع العراقي، فلا يكاد يمر شهر دون تسجيل حالة انتحار في مدن العراق المختلفة، في وقت تشهد فيه البلاد احتجاجات شعبية تنديداً بالفساد المستشري، وتفاقم الأزمات على مختلف الأصعدة.

 

مركز متقدم عالمياً!

بحسب خبراء في علم الاجتماع فإن «الاضطرابات النفسية تُعدّ أهم أسباب ظاهرة الانتحار، وتلعب دورا كبيراً في تشجيع أفراد من الجنسين على الإقدام على هذه الخطوة. وتؤدي الظروف السياسية والاقتصادية السيئة إلى زيادة هذه الاضطرابات».

الخبير النفسي “ناهض الحجامي” يشدّد على هذا بالقول: «تدهور الأوضاع المعيشية للفرد العراقي، وانعدام وسائل الترفيه وقلّة الخيارات، والشعور باليأس والاحباط من الواقع، أسباب رئيسية لزيادة حالات الانتحار».

ويعتقد “الحجامي”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «تراخي الدولة العراقية، وعدم قيامها بواجباتها تجاه الشباب، وعدم حرصها على وضع برامج لإيجاد فرص عمل لهم، وإشراكهم في القرار السياسي، عوامل أسهمت في ازدياد حالات الانتحار واستفحالها»، لافتاً إلى أن «مسؤولية الدولة تكمن في تأهيل الأفراد كي لا يصلوا لمرحلة اليأس الأخيرة، ويصبح الموت الخيار الوحيد المتبقي أمامهم».

وليس بعيداً عما يقوله الخبير النفسي عن ظاهرة الانتحار، يقرُّ “قصي عباس”، عضو لجنة الصحة النيابية، بـ«ارتفاع ملحوظ في أعداد المراجعين للعيادات النفسية، بسبب العوامل الاقتصادية والنفسية وعدم الاستقرار الأمني»، كاشفاً لموقع «الحل نت» أن العراق «يحتل المرتبة الرابعة عالمياً في معدلات الانتحار».

ويوضح النائب البرلماني أن «ازدياد حالات الانتحار يأتي بالتزامن مع أزمة #كورونا وتداعيات الحظر المفروض على الأهالي»، معتبراً أن ذلك «يعقّد مهمة #الحكومة_العراقية في مواجهة الوباء».

وكانت “الشرطة المجتمعية العراقية” قد أعلنت، في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، عن «ارتفاع في حالات الانتحار والعنف الأسري خلال النصف الأول من عام 2020»، كاشفة أنها «رصدت مئة حالة عنف وانتحار، وقعت في العاصمة #بغداد لوحدها، فيما تمكنت من منع ثلاثة وعشرين شخصاً من الانتحار».

 

إحصاءات مخيفة

وفقاً لبيان صحفي، صدر في العام 2019، عن “مفوضية حقوق الإنسان العراقية”، فقد تم تسجيل «725 حالة ومحاولة انتحار في جميع المحافظات العراقية، وتركّز العدد الأكبر من الوفيات في محافظة ذي قار، بواقع 109 حالات، تلتها محافظة #كركوك بواقع 106، ثم بغداد التي شهدت 102 حالة، فيما توزعت حالات ومحاولات الانتحار بين 346 حالة لدى الذكور، و379 لدى الإناث».

وأوضح البيان أن «الفئة العمرية، التي مثّلت النسبة الأكبر في حالات ومحاولات الانتحار، هي الفئة بين 19 و27 عاماً، ، تلتها الفئة بين 33 و40 عاماً».

ووثّق “المرصد العراقي لحقوق الانسان”، خلال الربع الأول من العام الحالي، «أكثر من 132 حالة انتحار، سُجلت فقط في العاصمة العراقية بغداد»، وفقاً لمدير المرصد “مصطفى سعدون”، الذي يؤكد بدوره لموقع «الحل نت» أن «محافظة ذي قار تحتل المرتبة الأولى في أعداد المنتحرين».

 

لماذا الناصرية؟

تشير مختلف المصادر إذاً إلى أن محافظة ذي قار، ومركزها #الناصرية، تعدّ الأولى في معدلات الانتحار من بين كل محافظات البلاد، فقد سجّلت المدينة، بعد العام 2003، أكثر من 2000 حالة انتحار في صفوف الشباب والشابات، بينها 210 حالة انتحار خلال عامي 2017 و2018 وحدهما.

ورغم ارتفاع أعداد المنتحرين في مدينة الناصرية إلا أن «كثيراً من حوادث الانتحار لم تُسجّل رسمياً لدى الدوائر المعنية، بسبب عدم قيام ذوي المنتحر بتقديم بلاغ رسمي للحكومة»، بحسب “سعدون”، الذي يؤكد أن «غالبية الأهالي لا يرغبون بتسجيل مثل هذه الحالات، منطلقين من ثقافة اجتماعية رافضة للانتحار».

ووفقاً لما يقوله مصدر إعلامي في دائرة صحة المحافظة فإن «عدداً من حوادث الانتحار تأتي بدافع القتل العمد، الذي قد يكون نتيجة خلافات عائلية، أو ما يُعرف في الأوساط المحلية بـ”غسل الشرف”، وتُسجل هذه الحالات تحت بند الانتحار»، ويشير المصدر، في تصريحاته لموقع «الحل نت»، إلى أن «ما يجري نتيجة طبيعية للضغوط الاجتماعية التي يعانيها العراقيون بفعل الحروب والنزاعات».

ارتفاع نسب الانتحار في الناصرية يجده “أسعد البدري”، عضو مجلس محافظة ذي قار السابق، «أمراً مقلقاً ومدعاة لتدخل حكومي سريع»، منوهاً بأن «جائحة كورونا ساهمت في ارتفاع نسب المنتحرين».

“البدري” قال لموقع «الحل نت» إنه «من الطبيعي أن تحتل الناصرية المرتبة الأولى في نسب المنتحرين، فهي من المدن التي يعيش أبناؤها حرماناً واضحاً منذ زمن بعيد، على الرغم من كونها من المحافظات الغنية بالنفط والثروات المعدنية».

وخلص “البدري” إلى القول: «إذا لم تتدخل الحكومة العراقية، وتُسخّر مواردها للنهوض بمتطلبات معيشة الأفراد، سترتفع معدلات الانتحار، بعدما يفقد الشباب بشكل نهائي أي فرصة لتحقيق ذواتهم».

 

تفشي المخدرات

برلمانيون عراقيون أرجعوا ازدياد حالات الانتحار إلى «انتشار المخدرات بشكل لافت، وغياب البرامج الحكومية والخطط الاستراتيجية، وعدم معالجة حالات الفقر والبطالة».

وبحسب النائب البرلماني “ديار برواري” فإن «العراق تحوّل من ممر لتصدير المخدرات إلى ساحة لتجارتها»، معتقداً بأن «مكافحة ظاهرة تعاطي الشباب هي مسؤولية تكاملية بين الحكومة والمجتمع، ويجب على الجميع تحمّلها».

ويقول “برواري”، في اتصال هاتفي مع موقع «الحل نت»، إن «المخدرات انتشرت في العراق بشكل كبير بعد عام 2003، بسبب حدوده الخارجية المفتوحة على مصرعيها، وتقصير الجهات الأمنية العراقية في متابعة المتعاطين وسوقهم إلى العدالة»، معتبراً أن «تصاعد حالات الانتحار نتيجة طبيعية لشيوع ثقافة تعاطي المخدرات، وتدهور الأحوال، وانعدام الامل بتغييرها، وغياب دور المؤسسات الحكومية».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.