بطالة السوريين في فرنسا: هل استمرأ اللاجئون العيش على إعانات البطالة حقاً؟

بطالة السوريين في فرنسا: هل استمرأ اللاجئون العيش على إعانات البطالة حقاً؟

بطالة السوريين في فرنسا باتت أحد أهم أسباب معاناة اللاجئين، الذين يحاولون بناء حياة جديدة في المغترب. بعد أن فرضت عليهم الحرب السورية الهجرة أو النزوح.

وشهد  العالم في عام  2015 واحدة من أكبر موجات النزوح والهجرة، بسبب الأزمة السورية. وقدّرت حينها أعداد اللاجئين بأكثر من مليون شخص. فيما عرف بـ”أزمة اللاجئين في أوروبا”. وبعد مرور أكثر من خمسةِ أعوام على بداية “الأزمة”. يدور الحديث عما حققه اللاجئون السوريون في أوروبا. وسط اتهامات عنصرية لهم بالاعتماد على معونات البطالة الحكومية في الدول الأوروبية.

إلا أن بطالة السوريين في فرنسا، وأوروبا عموماً، لا تتعلق بعدم رغبة الشباب في العمل. بقدر ما تعود لصعوبات الحياة والاندماج في الدول الأوروبية. وطبيعة الحياة ونظم العمل فيها. فرنسا تحديداً لم تكن مقصداً مفضّلا للسوريين، كما كان الحال بالنسبة لألمانيا أو الدول الاسكندنافية، وهي دول قامت بإعداد برامج خاصة للاجئين، من أجل إدماجهم في المجتمع وسوق العمل. فيما ظلت فرنسا، التي وصلت إليها أعداد أقل من السوريين، أقل اهتماماً بالوافدين الجدد إليها. ما جعل الدخول لسوق العمل شديد الصعوبة على السوريين. وخاصة من يحملون شهادات أكاديمية.

بطالة السوريين في فرنسا وازدواجية القيم والواقع

“إبراهيم” شاب سوري يحمل شهادة في مجال الاقتصاد، قدمَ إلى فرنسا في العام 2016، ويقول إنه «هدر سنوات عديدة في محاولة إعادة الانطلاق بحياته المهنية. لكن الأمر لم يكن سهلاً. خاصة مع غياب صورة واضحة عن العمل. وكيفية البداية به. رغم وجود عدة منظمات مختصة بهذا الشأن».

متابعاً، في حديثه لـ«الحل نت»: «هنالك ازدواجية بين القيم والواقع في فرنسا. حيث ترى عشرات المنظمات التابعة للدولة نفسها. تعمل إلى جانب الفرنسيين واللاجئين. إلا أنها في الواقع عبءٌ أكثر من كونها تقدم مساعدة فعلية».

 ويتحدث “إبراهيم”، الذي رفض كشف اسمه الكامل، عما تقدمه تلك المنظمات للاجئين، ومساهمتها الفعلية في حل مشكلة بطالة السوريين في فرنسا: «المهاجر ليس كابن البلد. فهو لايدرك شيئاً بعد عن طبيعة الحياة، وكيفية سير الأمور فيما يتعلّق بالعمل. خاصةً الأعمال ذات التصنيف الأفضل في المجتمع، مثل العمل في البنوك والشركات المالية والصناعية. وحتى المؤسسات الحكومية».

كان “إبراهيم” يعمل مسؤولاً في قسم إدارة المحافظة المالية في دمشق. ويرى أن خبرة السنين تُشكل حافزاً له للاستمرار في هذا الطريق، الذي «أخذ نصف عمره» كما يقول. «واجهت صعوبات في العثور على عمل في سوريا. لكنني استطعت في البداية العمل بـ”البنك العربي”. واكتسبت خبرات أريد استثمارها. لكن الصعوبات هنا تزيد من فترة الانقطاع عن هذا المجال. والانقطاع مصدرَ إحباط بالنسبة للباحثين عن عمل من اللاجئين يوازي عملهم في بلدانهم, وهم يرون أن من حقهم الاستمرار في طريقهم، حتى لو كانوا “لاجئين”».

ومع عدم توفر إحصائية حديثة توضح عدد اللاجئين السوريين في فرنسا إلا أن تقارير تفيد، بأن أعدادهم حوالي 16 ألف و500 لاجئاً سورياً.

«بطالة السوريين في فرنسا سببها التقليل من قدراتهم»

سبب بطالة السوريين في فرنسا هو «التقليل من القدرات»، بحسب “صوفي بيلونج”، وهي واحدة من محرري دراسة، تتعلق بواقع العمل الخاص بالمهاجرين واللاجئين في فرنسا، صدرت بالتعاون مع مرصد الهجرة واللجوء “إيفري”.

وتصف الدراسة حال اللاجئين الباحثين عن العمل في فرنسا بـ«الصعب والقاسي». ما يزيد من معاناتهم، «الأشخاص، الذين كانوا مديرين تنفيذيين، أصبحوا عمالاً في فرنسا. والعاملون المستقلون السابقون أصبحوا موظفين عاديين. مما خلق حالة عدم توازن بين المهنة السابقة والحالية». كما تؤكد “بيلونج”، التي تتابع: «إذا كان 10% من اللاجئين يمارسون مهنة فكرية في بلدهم الأصلي، كالفنانين مثلاً، فإن 2% منهم فقط يستمرون في هذا المجال بعد الحصول على اللجوء. وخاصة مع ضغط مكاتب العمل على اللاجئين، من أجل العثور على وظيفة. وتخفيف عبء الإعانة الاجتماعية الشهرية».

“إبراهيم” يصف الإعانة الشهرية بـ«الضحك على الذقون». مضيفاً: «إنها مبلغ بسيط لايكفي أن تعيش بمستوى آدمي. فضلاً عن كونها عبئاً. لأنها تجعلك ملاحقاً من مكاتب العمل، التي ليست قادرة على إيجاد عمل يتناسب مع خبرتك».

في هذا السياق تقول “بيلونج” إن «ضغط مكاتب العمل دفع بعض المهاجرين واللاجئين للذهاب لمجالات عمل بعيدة كلياً عن اختصاصهم. وهنا تبرز سوق عمل محددة يتم “توجيه” المهاجرين إليها، كالبناء والمطاعم والفنادق. توظّف مجالات الفندقة والتجارة والمطاعم ما يقرب من واحد من كل اثنين من اللاجئين (45%)، ومجالات البناء والصناعات المرتبطة بها 21% منهم».

وتشير “بيلونج” إلى ضعف برامج تجهيز المهاجرين، لإدماجهم في المجتمع وسوق العمل في فرنسا، حيث لا توجد خطط واضحة لتأهليهم بشكل كافٍ في الجانب اللغوي مثلاً، والذي هو بطبيعة الحال متطلب رئيسي وأساسي للحياة في أي بلد، ما يزيد من مشكلة بطالة السوريين في فرنسا. «لا يحصل طالبو اللجوء على أي تدريب لغوي. وهنا يجب اتخاذ قرارات وآليات لتسهيل انتقال اللاجئين إلى سوق العمل، بمجرد حصولهم على الوضع القانوني». تقول الباحثة.

أزمة سكن اللاجئين في فرنسا إلى جانب أزمة البطالة

إلى جانب مشكلة بطالة السوريين في فرنسا يعاني كثير من المهاجرين من النظام الإداري المعقد. في بلد يتمسّك نظامه بالبيروقراطية، التي تثقل حياة مواطنيه أنفسهم. مما يجعل الثقل مضاعفاً على المهاجرين.

“جوني” رسام كاريكاتور سوري، يبحث عن سكن منذ سنين. ولم يحقق هدفه حتى الآن، على الرغم من أنه قدم طلباً من أجل سكن اجتماعي، ما يزال حبيس الروتين الإداري في فرنسا. «أعاني من مشكلة السكن حتى الآن. أستأجر بشكل شخصي غرفة في مكان ما كل فترة. وطبعاً ليس سهلاً أن تجد من يؤجّرك. وأيضاً يثقل هذا النوع من التنقّل كاهلك. كونه لاتوجد مساعدة أجار من الدولة، حين يتعلق الأمر بأجار بلا عقد». يقول “جوني”.

في هذا السياق تقول “جويل موري”، وهي متطوعة في “أمنيستي”:  «في فرنسا نعاني أساساً من مشكلة السكن. علماً أنه توجد بيوت وشقق فارغة، إلا أنه تعقيدات القانون، وارتفاع أسعار الأجارات يصعّب الموضوع. ما يعيق إمكانية اللاجئين في إيجاد سكن».

وتضيف “موري”: «من الصعب جداً أن تعثر على سكن اجتماعي بسهولة في المدن الكبرى. في باريس مثلاً من الطبيعي أن يخبروك أن فترة الانتظار للحصول على هذا النوع من السكن قد تصل لعشر سنوات».

معاناة السكن هذه تتضافر مع مشكلة بطالة السوريين في فرنسا وتعززها. «أنا أعمل في أعمال متعبة. مثل البناء والنقل، من أجل أن أوفر مصروفاً يعيلني في الحياة. ويمكّنني من دفع أجور السكن. لم أعد أملك وقتاً للرسم. فأغلب وقتي أقضية بين العمل والبحث عن سكن». يقول “جوني”.

أرقام البطالة في فرنسا

بطالة السوريين في فرنسا ليست حالة فريدة في البلد الأوروبي، الذي يعاني نسباً مرتفعة نوعاً ما من البطالة. ففي العام 2020 سجلت معدلات البطالة في فرنسا رقماً عالياً. يقارب أربعة ملايين إنسان. إضافة إلى احتلالها أحد المراكز الثلاثة الأخيرة في أوروبا بنسبة الشباب العاملين. بحسب المركز الأوروبي للإحصاء. مما يعني أن هنالك أزمة عمل حقيقية تعصف بالجميع. وهو مايشكل محوراً رئيسياً في برامج الانتخابات الرئاسية الفرنسية، التي ستجرى في الربع الأول من العام القادم.

رغم هذا تزداد الفجوة بين اللاجئين والمجتمع الفرنسي، بسبب ضيق السبل نحو أعمال تناسب خبراتهم. فبحسب تقرير منظمة “إيفري” 22% من اللاجئين في فرنسا عاطلون عن العمل. وحوالي 19% غير ناشطين في سوق العمل أصلاً. وهكذا فإن ظاهرة بطالة السوريين في فرنسا شديدة التركيب والتعقيد.

ويؤكد كثيرون أن شبكات العلاقات الشخصية تلعب الدور الأبرز في إيجاد عمل في فرنسا. ولذلك يجد السوريون أنه لا فرق كبير من هذه الناحية بين الفساد الذي ألفوه في بلدهم والأوضاع في بلد أوروبي متطور مثل فرنسا.

مقالات قد تهمك: السوريون في الدنمارك مُهدّدون بمصيرٍ سيء والسلطات تستعد لترحيلهم إلى رواندا!

بكل الأحوال فإن معضلة بطالة السوريين في فرنسا ستترك أثراً على الجالية السورية هناك. وستعرقل قدرتها على إعادة تكوين نفسها، بعد أن أملت طويلاً في إمكانية إيجاد ملاذ آمن، عقب ما عانته في الحرب السورية.    

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.