مع دخول الغزو الروسي لأوكرانيا شهره الثالث، ازدادت الضغوط الاقتصادية والسياسية على موسكو وكذا خسائر القوات الروسية بعد تحول هذا الغزو لمأزق كبير أدخلت موسكو نفسها فيه. في حين فإن مسألة زعزعة الاستقرار من قبل روسيا، بات من الصعب التعايش معها من قبل المجتمع الدولي، بعد غزو موسكو لأوكرانيا، حيث تعمل القوى الدولية على وضع خطة تهدف في عزل وإضعاف روسيا إلى أجل غير مسمى وطويل الأمد.

عزل روسيا؟

تشير تقارير غربية، إلى أنه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وحلفاؤها الأوروبيون التخطيط لعالم مختلف تماما، حيث يسعون بنشاط لعزل وإضعاف روسيا ضمن استراتيجية طويلة الأمد.

وفي هذا الإطار، يسعى الغرب إلى وضع خطة تهدف إلى عزل روسيا وإضعافها لفترة طويلة وغير محددة، حيث استبعدوا خيارات التعايش مستقبلا مع روسيا أو التعاون معها، كما أن الإجراءات الاقتصادية التي تم اتخاذها من قبل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ضد روسيا ستؤدي في النهاية إلى عزل روسيا اقتصاديا وتجاريا ودوليا.

في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية بعد مأزق غزو أوكرانيا، يجدر التساؤل حول موعد وشكل الآلية التي قد تتجه لها موسكو من أجل إحداث تسوية مع القوى الدولية، بحيث تُخرِج هذه التسوية موسكو من مأزق غزوها لأوكرانيا مقابل تخفيف/تحجيم الدور الروسي في سوريا على حساب هذه التسوية، مقابل حضور أقل لروسيا وحضور أكبر للقوى الدولية بما يسمح بإنجاز حل سياسي متوازن وشامل للملف السوري.

وضمن هذا السياق، يرى سامر إلياس، الباحث في الشأن الروسي، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن موضوع أوكرانيا هو موضوع وجودي بالنسبة لروسيا، وأن المعركة حول أوكرانيا هي معركة حول نظام عالمي جديد تريده روسيا مختلفا عن النظام السابق التي كانت تعاني فيه روسيا من تحجيم وجودها، وتسعى لأن تكون طرفا فاعلا في المعادلات الدولية، وهذا أساس التفكير في أي صفقة من الممكن أن تتم بين روسيا والولايات المتحدة.

في حين يرى الباحث السياسي الروسي، ديمتري بريجع خلال حديثه لـ”الحل نت”، بأن “موقف روسيا ليس قويا، ولكن بوتين لا يريد التراجع عما بدأه في أوكرانيا، ويريد إنجازا عسكريا على الأرض ليتمكن من استخدامه كورقة في أي مفاوضات”.

إقرأ:روسيا بين فكيّ كماشة في أوكرانيا

سوريا صفقة ضائعة والدول الإقليمية مستفيدة؟

يقول سامر إلياس، أن روسيا منذ العام 2018 تقريبا، وبعد ترسيخ وتثبيت خطوط التماس في سوريا بين الأطراف المتصارعة، والقوى المسيطرة على الأرض في 2020 وحتى الآن، سعت إلى صفقة مع الولايات المتحدة، لكن الأخيرة لم تقدم لها أي عرض مناسب لصفقة في سوريا، بل على العكس شددت من قانون قيصر، وغيره من الإجراءات، كما أنها لم تنسحب من سوريا كما لوحت في السابق، وفق إلياس.

وأضاف بأن “القوى الإقليمية المحيطة بسوريا، استفادت من هذه المعادلة التي أوجدها الروس والأمريكان، وعرفت أن الموضوع السوري هامشي في هذه المرحلة، خاصة مع احتدام الصراع في أوكرانيا”.وبين إلياس، أن تركيا استغلت هذا الوضع وبدأت بتنفيذ مخططاتها على الأرض، وكذلك إيران بدأت بتوسيع نفوذها، أي أن كل طرف في المعادلات الإقليمية فيما يعرف بمجموعة “مسار أستانا” يسعى لتغيير الواقع على الأرض لصالحه، وهذا ما يعقد الوضع بشكل أو بآخر.

كذلك يرى إلياس بأن سوريا ستكون في ظل التصعيد العالمي في أوكرانيا صندوق بريد رسائل بين هذه الأطراف، “من الممكن أن تزيد روسيا ضغوطها على تركيا أو إيران ومن الممكن العكس، ولكن تركيا وإيران هم المستفيدون حاليا والخاسر الوحيد هو الشعب السوري”.

قد يهمك:هل ضعفت قبضة روسيا على الأسد بعد غزو أوكرانيا؟

سوريا ورقة روسيا واحتمالات مفتوحة

رغم أن سوريا من الناحية الإعلامية باتت على هامش جدول الأعمال العالمي، وعلى الرغم من  المعارك المحتدمة في أوكرانيا، فإن سوريا بالنسبة للروس مهمة من أجل تثبيت قواعدهم فيها، كواحدة من القضايا الرئيسية في سياق المواجهة الغربية- الروسية المشتدة حاليا، لذلك سوريا لم تخرج من دائرة الاهتمامات، وإن كان ذكرها قد غاب عن الإعلام، بحسب مختصين لموقع “الحل نت”.

وبرى سامر إلياس، أنه ما دام ليس هناك ضغوط من الغرب في موضوع سوريا، فلن تتراجع روسيا عن هذه الورقة، بحسب تقديره، “سوريا ورقة بيد روسيا حاليا لا ينافسها فيها أحد من الأطراف الدولية، والحل السياسي لسوريا ملف مؤجل لفترة طويلة، على الأقل في الأجندة الغربية، أما روسيا فتضع معظم تركيزها في حربها في أوكرانيا، محاولة أن تبقي على وجودها قدر الإمكان في سوريا”.

إقرأ:الصراع بين روسيا والناتو: هل تصبح سوريا إحدى ساحات المواجهة؟

من جهته، يرى ديمتري بريجع، أن الملفان السوري والأوكراني مرتبطان، والتطورات الأخيرة تثبت ذلك، حيث أن تركيا منعت الطائرات المدنية والعسكرية التي تقل جنودا روس من المرور إلى سوريا، وهي خطوة مهمة لفهم ما يجري في الملف السوري.وفي حال استمرار الوضع في أوكرانيا على ما هو عليه، من الممكن أن يفتح الغرب جبهة ثانية ضد روسيا في سوريا، لإنهاك قدراتها العسكرية والاقتصادية، أو يمكن تحريك الساحة السياسية والعسكرية داخل سوريا ضد روسيا على الأراضي السورية، وبذلك يمكن الضغط على روسيا في الملف الأوكراني، وفق رأي محللين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.