مناورات سياسية وتصعيد عسكري ومحاولات ابتزاز متعددة استثمرتها أنقرة خلال السنوات الماضية بالملف السوري لن يكون على ما يبدو آخرها التهديدات التركية المعلنة يوم أمس بقرب حدوث عملية عسكرية في الشمال السوري تفرض منطقة آمنة تركية هناك.

مع دخول الغزو الروسي لأوكرانيا شهره الثالث، وبعد أن طلبت فنلندا والسويد الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، حتى بدأت تركيا بالتحرك وابتزاز الحلف من أجل تحقيق بعض المصالح والحصول على بعض المكتسبات.

مؤخرا وبعد طرح أنقرة لمشروع إعادة أكثر من مليون لاجئ سوري في تركيا إلى الأراضي السورية خلال الشهور المقبلة، وإثر طلب الأتراك من “الناتو” المساعدة بإنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري مقابل الموافقة على انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف، صدرت مساء يوم أمس الاثنين تصريحات رسمية تركية تشير إلى قرب انطلاق عملية عسكرية جديدة لها في الشمال السوري، على غرار آخر العمليات التركية هناك (نبع السلام أواخر عام 2019).

وحيال ما سبق يجدر التساؤل الأبرز حول مدى إمكانية نجاح أردوغان بابتزاز “الناتو”، وكذلك ماهية خيارات “الناتو” للرد على تهديدات ومساومات أردوغان سواء بعد التلويح بالعمل العسكري أو حتى بعد طلبه الدعم لإقامة منطقة آمنة مقابل إدخال فنلندا والسويد إلى حلف “الناتو”.

توقيت “براغماتي” بامتياز

تسعى تركيا إلى استكمال ما بدأته عام 2013 بإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا رغم الضغوط الدولية، معتمدة على النهج العسكري والدبلوماسي في إنشائها، وعلى الرغم من ادعاءاتها بأن الهدف الأساسي للمنطقة هو تحقيق الأمن لشمال سوريا وعودة آمنة لمليون لاجئ سوري من تركيا، إلا أن هدفها يبدو هو التوغل في سوريا وضمها لتركيا للتخلص من القوات الكردية، لمنع أي تواجد لهم قرب الحدود التركية. كذلك فالمنطقة الآمنة المزعومة هي محاولة تركية لتوسيع نفوذها الإقليمي والحظي بمكانة دولية لها، لا سيما في ظل الاستقطاب الدولي، وفقا لـ”المركز العربي للبحوث والدراسات”.

في حين استبعدت مصادر ديبلوماسية خاصة اليوم الثلاثاء، لـ”الحل نت” إمكانية حدوث عمل عسكري تركي في الشمال السوري، عازية ذلك لتأثيرات التوتر الدولي بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. كما أشارت المصادر إلى أن أي خيار عسكري لتركيا لا بد أن يمر عبر القنوات الدولية مع مراعاة عدم رفض “الناتو” وقوات “التحالف الدولي”، وهو أمر غير وارد في الوقت الحالي بحسب تعبير المصادر.

وفيما يتعلق بفرص نجاح أردوغان في ابتزاز “الناتو”، وماهية خيارات “الناتو” للرد على تهديدات أردوغان وتسوياته، يرى الأكاديمي والخبير في الشؤون الاستراتيجية عامر السبايلة، أن توقيت تصريح أردوغان هو توقيت “براغماتي” بامتياز في مرحلة تسعى فيها الولايات المتحدة الأميركية إلى إعادة ترتيب حلف شمال الأطلسي ” الناتو” وتوسعها وخلق حالة من التناغم داخل “حلف الناتو”.

وأردف في حديثه مع موقع “الحل نت”، “يعلم أردوغان جيدا أن تركيا تلعب اليوم الدور الأبرز في موضوع مواجهة روسيا وأهمية الدور التركي سواء في البحر الأبيض المتوسط ​​وسط آسيا أو البحر الأسود”.

وبالتالي، يحاول أردوغان اليوم أن يستفيد أو يستغل كل الملفات سياسيا لاغتنام اللحظة الحالية. والمناخات متشكلة لأردوغان لتحقيق كافة هذه الإنجازات، ولكن يبدو السيناريو الأقرب والأكثر ترجيحا هو أن لا يتم دعمه من قبل “الناتو” لخلق هذه “المنطقة الآمنة”، “لكن أعتقد أيضا أن مساحة الاعتراض على تحركات أنقرة في هذه المرحلة تضيق بشكل كبير مما يعطيه فرصة لهذه المناورات”.

من جهته يشير الأستاذ في القانون الدولي والمستشار القانوني السابق لحلف” الناتو”، أيمن سلامة، إلى أن أردوغان والساسة والمستشارين الأتراك يدركون كيف يعزفون على الأوتار الحساسة، عندما يكونون نافذين في مرحلة ما، وأنهم سيكونون محل الاستماع، “يدرك أردوغان أن رسالته المتضمنة العديد من الركائز من الرسائل الجيوسياسية والتي تتمتع به تركيا عن سائر دول حلف “الناتو”، يمكن أن تستجاب من قبل حلف “الناتو” وعلى رأسهم واشنطن”.

وأضاف “إلى اللحظة لا تزال ترفض أنقرة دخول فنلندا والسويد إلى حلف “الناتو”، والرئيس التركي لا يزال يسعى لتحقيق بعض المصالح السياسية التركية. سياسة أردوغان معروفة، وذلك ظهر جليا عندما سلم قضية مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، إلى السعودية مقابل تبادل المصالح السياسية مع الرياض”.

قد يهمك: تصعيد تركي في شمال شرق سوريا.. ما احتمالات ذلك؟

لا عملية عسكرية تركية بسوريا

وفق محللين سياسيين فإن الإعلان عن بدء عملية عسكرية قريبا في هذا الوقت رغم عدم إمكانية حدوثه إلا أنه يأتي من باب المساومة السياسية في محاولة لنيل أكبر قدر من المكاسب السياسية وربما العسكرية لاحقا.

كما أن شروط شن تصعيد عسكري تركي جديد غير متوفرة حتى اليوم، على عكس التهديدات التي سبقت العملية العسكرية على عفرين وسري كانيه/رأس العين، عامي 2019-2018، أما التهديد الذي أطلقه أردوغان اليوم تهديد “تحدي” وليس اتفاق مع أي من القوتين الكبيرتين في سوريا. خاصة وأن كلا من روسيا وأميركا غير مهتمتين حاليا باتفاقيات صغيرة في ضوء الحرب الوجودية الطاحنة في أوكرانيا التي افتعلتها موسكو.

ويتوقع مراقبون، إذا ما شنت تركيا حقا عملية عسكرية جديدة على سوريا، فتستهدف عدة مواقع فقط وستكون محدودة، ولعل من أبرز تلك المناطق مدينة تل رفعت بريف حلب الشمالي، ومدينة كوباني/عين العرب بريف حلب الشرقي، ومدينة تل تمر بريف الحسكة، وبلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي.

تداعيات العملية الروسية في أوكرانيا وانعكاساتها على دول أوروبا ومحاولة دول جديدة للانضمام إلى حلف “الناتو” خوفا من توسع روسيا في عملياتها العسكرية في العمق الأوروبي، يلقي بظلاله على الوضع السوري ويجلب لتركيا ما كانت تطمح إليه منذ سنوات من خلال إقامة منطقة آمنة بدعم من “الناتو” أو “الاتحاد الأوروبي”، وكذلك التخلص من أزماتها السياسية الداخلية؛ الاقتصادية على وجه الخصوص، فضلا عن مشكلة اللاجئين المتزايدة في البلاد التي تستغلها المعارضة قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية عام 2023.


قد يهمك: “المنطقة الآمنة التركية” في الشمال السوري.. عودة للواجهة بعد 3سنوات؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة