في مناورة روسية جديدة داخل الملف السوري على إثر الفشل الذي منيت به موسكو بعد غزو أوكرانيا، لا سيما الأضرار التي لحقت باقتصادها إزاء ذلك، تسعى موسكو لاستغلال تواجدها العسكري في سوريا من خلال الإدعاء بانسحابها من هناك مقابل ملء ذلك الفراغ من خلال توسيع نفوذ الميليشيات الإيرانية على الأراضي السورية، وهي (طهران) التي تشكل تهديدا أمنيا لدول المنطقة.

وحيال ما سبق يجدر التساؤل الأبرز حول عزم روسيا من الخطوة آنفة الذكر للتوجه نحو تأزيم الملف السوري وتأجيجه من خلال منح حلفائهم الإيرانيين نفوذا أكبر فيه. فإلى أين يتجه مستقبل التواجدين الروسي والإيراني في سوريا على ضوء التوترات الأخيرة المتمثلة بالغزو الروسي لأوكرانيا، وكذلك تزايد الغارات الإسرائيلية على مواقع النفوذ الإيراني بسوريا.

مؤخرا كثفت إسرائيل من غاراتها الجوية على سوريا، فـ تل أبيب قلقة حاليا أكثر من أي وقت مضى بشأن احتمالية تمدد النفوذ الإيراني في سوريا خلال الفترة القادمة، جراء الانسحاب الروسي المزعوم.

ليست مسألة ملء الفراغ الروسي بالنفوذ الإيراني في سوريا، بالأمر السهل فلا بد أن القوى الدولية تتحسب لها وتضعها في حسبانها. ما يعني أننا قد نشهد تغييرات جديدة في الواقع السوري. بما قد يؤدي إلى تحرك أوروبي وأميركي جديد في سوريا لمواجهة الرؤية الروسية في سوريا.

روسيا تبتز الغرب بالإيرانيين؟

أفادت تقارير سابقة نشرت مؤخرا بأن هناك انسحاب روسي من سوريا يقابله ملء فراغ إيراني بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. حيث شهدت بعض المناطق السورية مؤخرا، لا سيما في البادية السورية، تغييرات في الآونة الأخيرة لصالح تعزيز نفوذ المليشيات المرتبطة بطهران، فقد أعادت القوات الروسية والإيرانية الانتشار في موقعين بريف حمص الشرقي، وفق تفاهمات، وفق ما أفادت به مصادر محلية.

ضمن هذا السياق، يعتقد الكاتب والباحث السياسي أحمد الرمح، أن الجميع يعلم أن روسيا تعاني من مشكلة عسكرية كبيرة في أوكرانيا، أي مشكلة غوص الجيش الروسي في الوحل الأوكراني، وربما هناك حاجة ما لإضافة قوات عسكرية في أوكرانيا، ولهذا السبب يأخذ الروس من فائض قواته في سوريا، والسبب في ذلك يعود إلى عدم الحاجة لوجود القوات الروسية بهذه الكمية في سوريا بسبب تراجع مستوى الحرب والعمليات العسكرية في البلاد، بحسب الرمح.

بينما رأى الباحث السياسي في مركز “الحوار السوري”، محمد سالم، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن “ما نشهده هو إعادة انتشار وتموضع للنفوذ الروسي، وهو يخدم هدفين للروس؛ تخفيف أعبائهم للتركيز على الحرب في أوكرانيا خاصة بعد كثرة العقوبات الدولية على موسكو، وكذلك لإرسال رسائل للإسرائيليين بالدرجة الأولى، بأن التراجع والضعف الروسي يعني استغلاله من قبل إيران وأن ثمن الضغط على روسيا سيكون مليء الفراغ من قبل الطرف الأسوأ، خاصة وأن الموقف الإسرائيلي من الغزو الروسي لأوكرانيا تردد وتراوح بين الحياد والإدانة اللفظية”.

ويرى محللون أن إيران تريد الإسراع بتنفيذ مشاريعها المعلقة مع حكومة دمشق، لزيادة توغلها في الاقتصاد السوري، مستغلة بذلك انشغال المنافس الأول وهو الجانب الروسي، بغزوه للأراضي الأوكرانية.

ويشكل توسع الميليشيات الإيرانية في سوريا، خطرا على استقرار المنطقة، لا سيما وأن انتشار الميليشيات سيستفز إسرائيل، التي بدورها ستسعى لزيادة وتيرة الهجمات الصاروخية على المواقع الإيرانية، حسبما يعتقد الكاتب الصحفي فراس علاوي.

وعن سبل مواجهة هذا التمدد لمنع ضرب استقرار المنطقة لفت علاوي في حديث سابق لموقع “الحل نت”: “ربما يكون هناك تحالف أميركي إسرائيلي، لا بد أيضا من مشروع عربي حقيقي لدعم بعض القوى المحلية، من أجل الوقوف بوجه الميليشيات الإيرانية، إضافة للتنسيق الإقليمي من أجل ضمان عدم تمدد إيراني في سبيل استقرار المنطقة.. الحل السياسي في سوريا بقرار دولي هو أيضا أهم شروط منع التوسع الإيراني“.

قد يهمك: تخوف إسرائيلي من الدور الروسي في سوريا

مستقبل التواجدين الروسي والإيراني

في سياق موازٍ، وحول مستقبل التواجدين الروسي والإيراني في سوريا، يضيف الكاتب السوري الرمح، بأن “كل القوات الأجنبية ستغادر من سوريا في النهاية، لكن ليس في الوقت الحالي. يحتاج ذلك إلى أمد طويل جدا، حيث أن الوجود الروسي في سوريا مهم للمصالح الاستراتيجية السياسية الروسية، لذلك لن يكون هناك انسحابا عسكريا روسيا كاملا من سوريا، إلا في حالة حدوث تغيير في القيادة الروسية، حيث أن الحالة الصحية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين غير مستقرة ويمكن استبداله في حال تدهور صحته أكثر في الفترة القادمة”.

ويرجح الرمح في حديثه، أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا كانت بمثابة “حوار عسكري” وبأدوات خشنة بين إسرائيل وإيران وروسيا على الأراضي السورية.

أما في رأي الباحث السياسي سالم، فإن الأمور تميل إلى التراجع وتقليص النفوذ الروسي وملء الفراغ الناتج عنه من قبل الميليشيات الموالية لإيران، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من الغارات الإسرائيلية ضد المليشيات الإيرانية، بحسب حديثه لـ “الحل نت”.

قد يهمك: مخاطر إيرانية في الشرق السوري.. ما علاقة روسيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.