يكرر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إطلاق تعهدات بشن توغل عسكري جديد في شمال شرق سوريا، مبررا ذلك لإنشاء “منطقة آمنة” على عمق 30 كيلومترا، لكن القلق من التهديدات التركية الجديدة، التي تشكل مخاطر كبيرة على شمال سوريا، ينبع من كونها ستؤدي إلى انقسام السوريين وخلق أزمة إنسانية جديدة وتشريد السكان الأصليين.

تهديد الرئيس التركي أمس الأربعاء، هي إشارة واضحة إلى أنه يعتزم المضي قدما في عملية عسكرية في غرب الفرات – وتحديدا منطقة تل رفعت ومنبج – على الرغم من المعارضة الدولية للتوغل التركي الجديد، الذي سيضر بالاستقرار الإقليمي ويجعل أردوغان في مرمى النيران لجملة من النتائج السلبية، بسبب الاحتجاجات الدولية الصاخبة فهل أنقرة قادرة على تنفيذ العملية العسكرية بمفردها.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، حذّر أمس الأربعاء تركيا، وهي دولة حليفة للولايات المتحدة في “حلف شمال الأطلسي” (الناتو)، من هجوم عسكري في سوريا، قائلا إنه سيعرض المنطقة للخطر.

وقال بلينكن خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لـ”الناتو” ينس ستولتنبرغ “القلق الكبير الذي يساورنا هو أن أي هجوم جديد من شأنه أن يقوض الاستقرار الإقليمي، وأن يوفر للأطراف الفاعلة الخبيثة إمكانية لاستغلال عدم الاستقرار”.

المنطقة الآمنة.. زعزعة لاستقرار دول جوار سوريا

تعهدات أردوغان، بتنفيذ عملية عسكرية جديدة على الحدود الجنوبية لتركيا، أثارت تكهنات بشأن الأهداف المحتملة، والتي قد تشمل بلدات مثل تل رفعت ومنبج وكوباني، حيث يراها المحلل السياسي، عامر السبايلة، أنها مناورة لتركيا، بعد أن تغيرت الأولويات لديها نتيجة الحرب في أوكرانيا والانشغال الروسي، وثانيا حاجة الولايات المتحدة لأن يكون حلف الشمال الأطلسي (الناتو) متحدا، وخصوصا تركيا في ما يتعلق في قضية البحر الأسود.

وأضاف السبايلة، في حديثه لـ”الحل نت”، أنه “من الصعب اليوم التفكير بالقيام بمثل هذه العملية وتغيير الأولويات، حيث تضعف مثل هذه الخطوات سياسة الولايات المتحدة، الداعمة أولا للأكراد في مواجهة تنظيم داعش، وثانيا في عدم رغبة الولايات المتحدة بخلق مكان صراع جديد”.

وأوضح السبايلة، أن الانخراط في مثل هذه المواجهات، تؤثر على الاستقرار في العراق وسوريا وليس فقط في سوريا، في ظل كل العوامل التي تشير إلى عودة قوية لتنظيم داعش في هذه المرحلة.

وبين المحلل السياسي الأردني، أن ما يتحدث به أردوغان ملائم لحالة البراجماتية السياسية، لكن التطبيق الواقعي لن يكون بهذه السهولة، فقد يرغب الرئيس التركي بالاستفادة الكبرى اقتصاديا وسياسيا في هذه المرحلة عبر هذا التصعيد، لكن عمليات تغيير الأولويات بهذه الصورة يبقى أمرا صعبا.

رهان تركي على موسكو

بعد يومين من إعلان رئيس تركيا عن خطة لعملية عسكرية، أفادت صحيفة “يني شفق” التركية، الأسبوع الفائت، أنه “تم التحضير لمناورة عسكرية تهدف إلى توسيع المناطق الآمنة التي أقيمت بالفعل في شمال سوريا، مع عدة أهداف محددة”.

لكن بحسب الصحفي، عقيل حسين، الذي يراقب التطورات في سوريا، فإن العملية التركية من حيث المبدأ، تصطدم بتحفظ أمريكي واضح على فكرة شن عملية عسكرية جديدة، ليس من قبل تركيا وحسب، بل من أي طرف كان، لكن برأيه لا يبدو أن هناك رفض حاسم لهذه العمليات حتى الآن.

حسين، أوضح لـ”الحل نت”، أن تركيا فاجأت الجميع بحديثها عن هذه العملية، والذي كان واضحا أنه استثمار في الوقائع والظروف الإيجابية التي أتيحت لأنقرة، كطلب السويد وفنلندا الانضمام لحلف “الناتو”، وتزايد حدة التنافس الروسي الغربي على كسب أنقرة في المعركة الدائرة بين الطرفين في أوكرانيا.

ويضيف حسين، أنه منذ إطلاق المسؤولين الأتراك تهديداتهم الأخيرة، وتحديد الرئيس رجب طيب أردوغان الهدف بمنبج وتل رفعت، كان واضحا أن مناطق النفوذ الروسي الواقعة تحت سيطرة قوات “قسد” هي الوجهة الأرجح، مبينا أن “لروسيا مصلحة في ذلك من أجل الضغط أكثر على (قسد) لدفعها إلى حضن النظام، ولكسب تركيا في مسألة توسيع حلف الشمال الأطلسي والعقوبات الغربية المفروضة عليها”.

ويتابع الصحفي السوري، “لكن بالفعل وأيا كانت وجهة وهدف العملية التركية المحتملة، إلا أن أنقرة لا يمكن أن تكرر هجومها بدون موافقة من جانب واشنطن، سيما بعد الأثمان الباهظة التي دفعتها بعد عمليتي غصن الزيتون ونبع السلام، حيث فرض الغرب عليها عقوبات قاسية، وطبق بحقها إجراءات ألحقت أضرارا بالغة بها”.

تعاون تركي روسي

تلجأ أنقرة إلى المناورة مع روسيا أملا في الحصول على موافقة من شأنها السماح لها بشن هجمات محدودة، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أجرى اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الإثنين الفائت، وذلك لبحث سبل التعاون في تحقيق الأهداف التركية للدخول بعمق الأراضي السورية والوصول إلى “المنطقة الآمنة“.

وقال أردوغان بحسب بيان صادر عن الرئاسة التركية، إن: “إنشاء منطقة آمنة في سوريا على الحدود الجنوبية لبلاده بعمق 30 كم بات “ضرورة ملحة“، مشيرا إلى أنه بحث العديد من القضايا مع بوتين في مقدمتها الحرب الدائرة في أوكرانيا.

ويتعقد الموقف التركي فيما يتعلق بالتهديدات التي أطلقها أردوغان قبل أيام، لا سيما وأن التعاون مع الروس لا يبدو أنه سيأتي ثماره مع رفض كافة الأطراف وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي رفضت بشكل صريح ومعلن أي تحرك عسكري للأتراك شمالي سوريا.

شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش التركي والفصائل السورية الموالية له والمعروفة بفصائل “الجيش الوطني” في ريف حلب حالة من عدم الاستقرار الأمني ​​وفوضى كبيرة، ولا يزال القتال المسلح بين الفصائل متقطعا، بالإضافة إلى القصف والانتهاكات بحق أهالي هذه المناطق الذين يعانون من السرقة والقيود على الحركة والاعتقالات، ضمن انتهاكات أخرى.

من جهتها، حذرت الولايات المتحدة، الثلاثاء الماضي، تركيا من شن أي هجوم عسكري جديد على شمال سوريا، مؤكدة أن مثل هذا التصعيد سيعرض الاستقرار الإقليمي وانتشار القوات الأميركية في المنطقة للخطر.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، للصحفيين إن واشنطن “قلقة للغاية” بشأن تقارير عن زيادة محتملة في النشاط العسكري في شمال سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.