يتعقد الموقف التركي بشأن العملية العسكرية في مناطق شمالي سوريا، بحجة إقامة “المنطقة الآمنة“، وذلك مع رفض جميع الأطراف الدولية لأي تحرك عسكري من قبل تركيا في عمق الأراضي السورية، لتلجأ أنقرة إلى المناورة مع روسيا أملا في الحصول على موافقة من شأنها السماح لها بشن هجمات محدودة.

تعاون تركي روسي

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أجرى اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الإثنين، وذلك لبحث سبل التعاون في تحقيق الأهداف التركية للدخول بعمق الأراضي السورية والوصول إلى “المنطقة الآمنة“.

وقال أردوغان بحسب بيان صادر عن الرئاسة التركية، إن: “إنشاء منطقة آمنة في سوريا على الحدود الجنوبية لبلاده بعمق 30 كم بات “ضرورة ملحة“، مشيرا إلى أنه بحث العديد من القضايا مع بوتين في مقدمتها الحرب الدائرة في أوكرانيا.

ويتعقد الموقف التركي فيما يتعلق بالتهديدات التي أطلقها أردوغان قبل أيام، لا سيما وأن التعاون مع الروس لا يبدو أنه سيأتي ثماره مع رفض كافة الأطراف وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي رفضت بشكل صريح ومعلن أي تحرك عسكري للأتراك شمالي سوريا.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي عمر كوش، أن المنطقة الآمنة التي تتحدث عنها تركيا في الشمال السوري “صعبة التحقيق“، وذلك لأسباب عدة في مقدمتها رفض الأطراف الدولية في المرحلة الراهنة للتهديدات التركية.

قد يهمك: “مرتزق” سوري يروي قصة نقله من تركيا للقتال في ليبيا

موافقات دولية مفقودة

ويقول كوش في حديثه لـ“الحل نت“: “هذا الأمر يتطلب، موافقات دولية على المستوى الحقوقي، وتحتاج أيضا إلى موافقة مجلس الأمن وهذا صعب المنال، ليس هناك إجماع دولي على إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري كما تطمح له تركيا“.

وحول تفاصيل التحركات العسكرية في سوريا، يؤكد كوش أن تركيا فيما إذا أرادت الدخول بمعركة غرب الفرات، فتطلب ذلك موافقة روسيا، ولذلك لجأ أردوغان إلى الحديث مع بوتين.

ويضيف: “هذه المنطقة تخضع للنفوذ الروسي، لكن روسيا هي الأخرى في موقف صعب على المستوى الدولي بعد غزو أوكرانيا، أما إذا كانت العملية التركية شرق الفرات، ستطلب موافقة مزدوجة بين أميركا وروسيا، وهذا غير مطروح الآن، أميركا لن تسمح بذلك.. العملية العسكرية ليست في متناول يد تركيا،“.

وحول أسباب لجوء أردوغان لروسيا لدعم موقفه في العملية العسكرية، يعتقد الحقوقي حسان الأسود، أن مناورات أردوغان مع الروس، هي لرفع وتيرة الضغط من قبل تركيا على الأميركيين والأوروبيين.

ويقول  الأسود في رسالة إلى “الحل نت“: “لا أعتقد أنّ الأتراك سيتوقفون عن محاولة الدخول إلى شمال سوريا والاستيلاء على مزيد من الأراضي بحجّة ملاحقة أوكار حزب العمال الكردستاني.. كما أن أردوغان يسعى للفوز بالانتخابات القادمة بأي ثمن، لذلك سيكون التفاهم مع الأمريكيين والأوروبيين هو توجه بعيد المدى، أما مناوراته مع الروس فهي للحصول على أوراق تفاوض أكبر“.

ويختم رسالته بالقول: “مع كل ذلك، لم يفقد الروس وزنهم النوعي في سوريا رغم الأزمة المستفحلة في أوكرانيا، ولذلك سيضغطون بدورهم على الأتراك لتقديم تنازلات تفيدهم هناك، وقد يكون الثمن هو إعادة فتح المجال الجوي التركي أمام الطيران الروسي“.

حكومة دمشق علقت أخيرا على التهديدات التركية بشأن عملية عسكرية شمالي البلاد، حيث قال وزير خارجية دمشق فيصل المقداد الإثنين، إن: “ممارسات النظام التركي الاستعمارية في المنطقة تلحق أضراراً بيئية واقتصادية كبيرة في كل من سوريا والعراق وإيران ودول أخرى” حسب قوله.

وأضاف خلال لقائه بمعاون الرئيس الإيراني، أن: “محاولات إنشاء ما تسمى “منطقة آمنة” في شمالي سوريا سيؤدي إلى إحداث تغييرات ديموغرافية وبيئية خطيرة في دول المنطقة“.

ومنذ 2016 شنت تركيا ثلاث عمليات عسكرية في سوريا، كان أولها “درع الفرات” (بين مدينتي اعزاز وجرابلس) التي قامت ضد تنظيم “داعش” الإرهابي وسيطرت بموجبه تركيا وفصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة على مناطق في شمال غربي سوريا مثل مدن جرابلس والباب التي كانت يسيطر عليها التنظيم الإرهابي، وتلاها ما أسمته تركيا بـ“غصن الزيتون” (عفرين) عام 2018، وعملية “نبع السلام” (بين مدينتي تل أبيض ورأس العين) عام 2019. هذه المناطق كانت تابعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وتشكل فيها “وحدات حماية الشعب” العمود الفقري، والتي تعتبرها أنقرة امتدادا لـ“حزب العمال الكردستاني” في سوريا، وهو الحزب المحظور في تركيا.

ماذا عن المنطقة الآمنة؟

بالتوازي مع التهديدات التركية بشن عمليات عسكرية في الشمال السوري، كان الرئيس التركي قد دعا الدول الأعضاء بـ “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) الحليفة لبلاده إلى دعم جهودها الرامية لإقامة منطقة آمنة على الحدود مع سوريا، لاستيعاب اللاجئين وضمان أمن حدود تركيا الجنوبية، وفق تعبيره.

وتابع خلال حديثه مؤخرا أمام نواب حزب “العدالة والتنمية “الحاكم بالبرلمان التركي “علينا أن نخاطب كل الحلفاء في المنطقة، وأيضا الحلفاء في حلف (الناتو)… فلتقفوا مع تركيا أمام هذه التحديات، ولا تمنعوها من السير قدما في إنشاء هذه المنطقة الآمنة، وإكمالها وتأمين الرفاهية فيها“.

أميركا لن تسمح بذلك

المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، ساميويل وربيرغ، قال في مقابلة صحفية خاصة مع موقع “الحل نت” إن واشنطن تدين أي تصعيد وتدعم الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار الحالية في سوريا، مبديا القلق الشديد للولايات المتحدة بشأن التقارير حول زيادة النشاط العسكري المحتمل في شمال سوريا، لما في ذلك من تأثير على المدنيين السوريين.

وربيرغ بيّن خلال حديثه لـ“الحل نت” حول إمكانات إنشاء “المنطقة الآمنة” بأن الولايات المتحدة تدعو كافة الأطراف إلى وقف إطلاق النار وعدم التصعيد لأن هذا لا يصب في مصلحة الشعب السوري، كما أن وقف إطلاق النار هو الذي سيضمن ويساهم في استقرار المنطقة على المدى الطويل. “نبقى على اتصال بالمسؤولين الأتراك للحديث عن أي مخاوف أمنية، ولكن في الوقت الحالي من المهم جدا المحافظة على خفض التصعيد“.

اقرأ أيضا: صمت روسي أمام “المنطقة الآمنة” التركية في سوريا.. ما الأسباب؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.