في تصريح جديد، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن العمليات العسكرية ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شمال سوريا ستبدأ بمجرد الانتهاء من الاستعدادات، والذي جاء بعد إعلان وزير الخارجية الإيراني، حسين عبد اللهيان، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو، في أنقرة، أن طهران “تتفهم” ضرورة تنفيذ أنقرة عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا.

وزير الخارجية الإيراني، الذي صرح سابقا بمعارضة بلاده للعملية التركية في شمال سوريا، ذكر أن طهران تتفهم أن عملية خاصة في سوريا قد تكون ضرورية، فيما يبدو أن جاء بعد تقديم أنقرة تنازلا سياسيا في سوريا على لسان وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، والذي شدد على أن استمرار اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، يرجع إلى مسار “أستانا”، مؤكدا استمرار التعاون بهذا الخصوص بين الدول الضامنة (تركيا وروسيا وإيران).

رغم إعلان الرئيس التركي أن العمليات العسكرية في الشمال السوري قد تبدأ في أي لحظة، لكن هذا التأخير الحاصل في ظل الرفض الأميركي والروسي، قد يدل على أن العملية العسكرية ستكون معلقة وفي حكم الملغاة حتى مع الضوء الأخضر الإيراني الأخير، إلا أنه حال إصرار أنقرة على العملية العسكرية، ربما يجر الأخيرة إلى صراع جديد مع الدول الغربية.

هجوم على الديناميكيات السورية والإقليمية؟

على الرغم من مرور أسابيع على إعلان أنقرة لأول مرة عن عزمها شن عملية عسكرية على طول حدودها الجنوبية، مما أدى إلى إدانات وتحذيرات من قبل الدول الإقليمية والعالمية، إلا أن العملية لم تبدأ بعد، كما لا يوجد تغيير واضح في نشاط فصائل “الجيش الوطني” المعارض المدعوم من قبل تركيا والذي يرافقها في عملياتها في شمال سوريا.

تأخر شن العملية، برأي المحلل السياسي الكويتي، عمر الساير، أنه جاء خلافا لحسابات أنقرة، التي كانت تعتقد أنها ستحصل على تنازلات سياسية غربية، بعد تدخلها في الملفات الإقليمية، مثل وقوفها ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، ومعارضتها لدخول السويد وفنلندا إلى حلف الشمال الأطلسي “الناتو”.

ويشير الساير في حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن الدول الغربية، ولا سيما أميركا، تخشى أنه في حال وقوع عملية تركية، يمكن أن يستغل تنظيم “داعش” انشغال أنقرة و”قوات سوريا الديمقراطية” بها لزيادة نشاطها أو مهاجمة السجون التي يحتجز فيها أعضائها، ومن ناحية أخرى، سيزيد الضغط على “التحالف الدولي” الذي تقوده الولايات المتحدة ضد “داعش”، في حين أن واشنطن منشغلة بملفات أكبر مثل الأمن الغذائي والنفوذ الصيني، الذي أججه غزو روسيا لأوكرانيا.

وأوضح الساير، أنه بالنظر إلى التطورات الإقليمية والدولية مثل اشتداد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين والمصالح الأميركية الموجهة نحو بحر الصين الجنوبي وآسيا، بينما روسيا منشغلة بأوكرانيا، فإن أي عملية في شمال شرق سوريا، ستهدد الاستقرار في المنطقة، ومن شأنه أن يؤدي إلى تدهور الوضع في سوريا، ستشتعل المنطقة مجددا بكل القوى، بما في ذلك تنظيم “داعش”.

ولذلك فإن القوى المنخرطة في الشأن السوري، نقلت لتركيا أسباب معارضتها للعملية، الأمر الذي حصرها في تصريحات إعلامية للساسة الأتراك، لجلب انتصارات ثانوية على الصعيد الدولي، وإسكات الشارع المعارض للحزب الحاكم في البلاد، الذي يواجه أزمة بسبب التضخم الحالي، والذي يؤثر على فرصه في الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

هل تغزو تركيا شمال سوريا مرة أخرى؟

خلف الخطوط، سواء حدثت العملية العسكرية التركية في النهاية أم لا، فإن الموقف الدبلوماسي حول هذه القضية هو في حد ذاته يكشف السياسة التركية، إذ في حين أن شعبية الحزب الحاكم بتركيا من خلال استطلاعات الرأي في أدنى مستوياتها، ومع وضع اقتصاد البلاد في حالة سيئة، فإن الرئيس التركي يعتمد على دبلوماسيته من خلال زيادة شروطه لتنفيذ أهدافه سواء داخل بلاده أم خارجها.

التوترات مع اليونان، والتهديد بشن هجوم جديد في شمال سوريا، والعلاقات المضطربة مع روسيا، ورفض إعطاء الضوء الأخضر لعضوية السويد وفنلندا في “الناتو”، يواصل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، دوره في رفع المخاطر في المعسكر الأطلسي.

وبرأي الساير، فإنه من المثير للاهتمام أن الموقف الروسي بشأن الهجوم التركي المحتمل كان أكثر تناقضا إلى حد كبير، إذ أعرب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، متحدثا في 8 حزيران/يونيو الجاري، في أنقرة في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو، عن “تفهم المخاوف الأمنية” لتركيا في شمال سوريا.

وانتقد لافروف صراحة ما أسماه “تغذية” الولايات المتحدة بـ “القوات غير الشرعية” في سوريا (قاصدا قوات سوريا الديمقراطية)، وفي الوقت نفسه، أشار لافروف إلى أهمية الإبقاء على محادثات “أستانا”، التي تجمع تركيا وإيران معا لإجراء مناقشات حول سوريا في إشارة إلى أن موسكو تقف ضد العملية.

وبحسب المحلل السياسي، فإن قمة “الناتو” التي من المزمع عقدها اليوم الثلاثاء، ستكون الأمل الأخير للرئيس التركي في الذهاب نحو هجوم عسكري على شمال سوريا، أو تأجيل مخططاته إلى أجل غير مسمى، نتيجة ما يشهده العالم من توتر، بسبب غزو روسيا لأوكرانيا.

الجدير ذكره، أنه لعدد من السنوات، كانت سوريا مضيفة لصراع مجمّد وتقسيم بحكم الأمر الواقع، فالدولة باتت مقسمة إلى ثلاث مناطق، أكبرها التي تتكون من حوالي 60 بالمئة من البلاد، تخضع لسيطرة دمشق، لكن الحكم الفعلي لإيران وروسيا، وثاني أكبر منطقة، تتكون من شرق الفرات وحوالي 30 بالمئة من أراضي سوريا، تتواجد فيها سيطرة “الإدارة الذاتية”، والمنطقة الثالثة تحكمها تركيا بالتعاون مع عدد من الفصائل التي تشكلت بدعمها، إلى جانب “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا).

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة