من جديد تظهر التحركات الروسية السلبية في الملف السوري، لكن هذه المرة في مناطق جديدة من سوريا وبالتحديد بالقرب من “قاعدة التنف” على الحدود السورية الأردنية العراقية، والتي يتواجد فيها قوات أميركية تتبع “التحالف الدولي”. فبعد القصف الروسي الذي استهدف مقرات لفصيل “مغاوير الثورة” المعارض المدعوم من واشنطن في منطقة الـ55 التابعة للقاعدة، شرعت القوات الحكومية السورية مؤخرا إلى حفر أنفاق في محيط تلك المنطقة وتسعى لزرع ألغام فيها.

التطورات الأخيرة تدفع للتساؤل حول طبيعة الدور الروسي هناك لا سيما وأن الجنرال مايكل إريك كوريلا، الذي تولى رئاسة القيادة المركزية الأميركية في أواخر حزيران/يونيو الفائت، صرح يوم أمس الأحد بأن روسيا تضغط في تلك المنطقة من أجل إعادة رسم بعض الخطوط الحمراء، مشيرا إلى أن “آخر شيء تريد واشنطن القيام به حاليا هو بدء نزاع مع روسيا”. إلا أنه أكد أن قوات بلاده ستدافع عن نفسها … ولن تتردد في الرد”.

ماذا يجري في منطقة الـ 55؟

الناطق باسم المكتب الإعلامي، لفصيل “مغاوير الثورة” المعارض المدعوم من واشنطن، قال لـ”الحل نت”، أن قوات الحكومة السورية قامت مؤخرا، بجلب معدات وآليات حفر ثقيلة إلى محيط منطقة الـ55 كم، وعملت على رفع سواتر ترابية في المناطق التي لا يوجد فيها سواتر، وذلك في محاولة منها لإطباق حصار على المنطقة، وعلى مخيم “الركبان” (المجاور للمنطقة).

وأوضح، أن الخنادق والأنفاق والسواتر هي خارج منطقة الـ55 كم، مشيرا أن زراعة الألغام في المنطقة ليست جديدة، ودائما ما يروح ضحيتها المدنيون وخاصة رعاة الأغنام.

من جهته، الصحفي المقيم في مخيم الركبان، محمد العبد، أكد خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن حفر الأنفاق وإنشاء السواتر عمل تقوم به القوات الحكومية منذ عدة سنوات، إلا أنه نشط بشكل كبير مؤخرا.

وأشار إلى أن دمشق تسعى لحصار منطقة الـ55، حيث يوجد نحو 350 نقطة عسكرية للقوات الحكومية تمتد ما بين الحدود الأردنية والحدود العراقية، وهي ما كانت تعرف بنقاط “الهجانة” وهي خارج المنطقة.

إقرأ:حقيقة انسحاب القوات الأمريكية من قاعدة التنف.. ما علاقة إيران؟

الـ55 كم تخيف الروس؟

الأكاديمي والخبير في الشأن الروسي، عبد الكريم الحريري، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن منطقة الـ55 كم، وخاصة قاعدة “التنف”، تشكل هاجسا مخيفا للروس، إذ يعتقدون أنها قاعدة دائمة، ولن تخرج منها قوات “التحالف الدولي”، كما أنها ستكون منطلقا لمخططات في المستقبل، لذلك يحاول الروس في كل مرة اتهام الأميركيين بعدم مشروعية تواجدهم في المنطقة، وأن الحق بالتحرك والتصرف فيها لحكومة دمشق، وحلفائها الروس والإيرانيين.

من جهته، محمد العبد، أوضح أن قوات “التحالف الدولي”، تفرض سيطرتها بشكل كامل على المنطقة، وهناك زيارات مستمرة لقادة أميركيين وبريطانيين للقاعدة، ولن يسمحوا بالمساس بها من قبل أي جهة، خاصة في ظل حديث عن محاولات القوات الحكومية التقدم عسكريا نحو مخيم “الركبان” والمنطقة المحيطة فيه.

قد يهمك:الفصائل السورية المدعومة أميركيا: هل تجهّز واشنطن مقاتلين في التنف لمواجهة إيران؟

ماذا بعد التوترات الروسية المفتعلة؟

صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، قالت يوم أمس الأحد، بأن الولايات المتحدة تعتقد أن قواتها المسلحة في الشرق الأوسط تصطدم مؤخرا بتواتر متزايد من الأعمال الاستفزازية وغير الآمنة من قبل روسيا وإيران.

ونقلت الصحيفة، عن مسؤولين في البيت الأبيض لم تذكر أسماءهم، أن السلطات الأميركية قلقة فعلا من تطور الأحداث بهذا الشكل، مشيرة إلى أن إلى أن السلطات الأميركية سجلت في حزيران/يونيو، عدة حوادث وصفها مسؤولو البنتاغون بأنها أعمال استفزازية وتصعيدية أوغير آمنة وغير مهنية من جانب روسيا وإيران في المنطقة.

ومن جهته، أشار رئيس القيادة المركزية الأميركية في الجيش الأميركي، الجنرال مايكل إريك كوريلا، يوم أمس الأحد، إلى تبجح موسكو المتزايد في سوريا، والذي ازداد بعد عودة العقيد ألكسندر تشايكو، إلى الشرق الأوسط بعد فترة توقف فيها عن قيادة القوات الروسية في أوكرانيا، متسائلا، “لا نعرف إن كان رجلا متفلتا يحاول إعادة تأسيس وفرض نفسه”، وأيضا “ما سبب بعض هذا السلوك الأكثر عدوانية”.

وفي هذا السياق، أوضح الحريري، أن القوات الأميركية في منطقة الـ55، لم تتخذ أي خطوة استفزازية في تلك المنطقة منذ العام 2018، لكنهم يؤكدون دائما على حقهم بالدفاع عن أنفسهم، مشيرا إلى عدم إمكانية حدوث تصادم عسكري مباشر بين الولايات المتحدة وروسيا في المنطقة، وأن أي صدام سيحدث فسيكون بين وكلاء الطرفين، أي “مغاوير الثورة” من جهة، والقوات السورية من جهة أخرى.

من ناحيته، أشار محمد العبد، إلى أنه على الرغم من التوتر بين الأميركيين والروس، فمن المستبعد حدوث تصادم مباشر بين الطرفين في المنطقة، مؤكدا أن أي مواجهة سوف تنحصر بين فصيل “مغاوير الثورة” المعارض المدعوم من واشنطن، وبين القوات الحكومية والميليشيات الإيرانية.

أما الحريري، فأشار إلى أنه سيكون هناك قرارات حاسمة، حول منطقة الشريط الحدودي السوري الأردني، ومنطقة الـ55، بالكامل، بعد القمة الأميركية العربية المزمع عقدها في جدة في السعودية منتصف الشهر الحالي، والتي لن يتمكن الروس من مجابهتها بسبب تواجدهم الضئيل في المنطقة، وانشغالهم بالملف الأوكراني الذي يعتبر الأكثر استراتيجية بالنسبة لهم.

إقرأ:قاعدة التنف الأميركية: هل ستتدخل واشنطن ضد الميليشيات الإيرانية في الجنوب السوري؟

وكانت إحدى النقاط التابعة لفصيل “مغاوير الثورة” في منطقة “حوش مطرود” المجاورة لقاعدة “التنف” تعرضت منتصف الشهر الماضي لهجوم من قبل طائرات حربية روسية، بعد إبلاغ الروس للأميركيين بموعد الهجوم قبل وقوعه.
ولكن مع تطور الأوضاع في المنطقة، وخاصة بتواجد الميليشيات الإيرانية التي تحاول تحويل المنطقة لمعابر لتهريب المخدرات، وظهور بعض العناصر الإرهابية البعيدة نسبيا عن الحدود الأردنية ومنطقة الـ55، تبقى كل الاحتمالات مفتوحة للتصعيد وحسم بعض الملفات خلال المرحلة القادمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.