في أيار/مايو، حذر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، يان كوبيس، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أن التقدم في القضية الرئيسية المتمثلة في سحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا قد توقف، وجودهم لا يشكل تهديدا لليبيا فحسب، بل على المنطقة الأفريقية بأكملها.

كانت تركيا، اللاعب الرئيس في نقل “المرتزقة السوريين” من مناطق شمال غرب سوريا إلى ليبيا، ورغم تعهدها في يونيو/حزيران 2021، بإعادتهم إلى سوريا إلا أن مصادر نفت لـ”الحل نت” حدوث ذلك، بل تطور الأمر إلى انشقاق المرتزقة الذين جلبتهم بعقود عسكرية، وانضمامهم إلى مليشيات عسكرية في ليبيا، ما يعني أن أنقرة قد فشلت في تعهداتها أمام المجتمع الدولي.

إعادة تدوير

بعد فشل طرفا النزاع الليبي حتى الآن في الاتفاق على مغادرة المقاتلين الأجانب من ليبيا، كما هو مطلوب في وثيقة التسوية السياسية للبلاد المعروفة باسم خارطة الطريق؛ يبدو أن القضية تقع على عاتق موسكو وأنقرة.

قالت مصادر عسكرية في “قوات دعم الاستقرار” الذراع العسكري، لفتحي باشا آغا، رئيس الحكومة الليبية المدعوم من أنقرة، لـ”الحل نت”، أن العديد من السوريين الذين انتهت عقودهم مع القوات التركية، انضموا إلى مختلف التشكيلات العسكرية الرسيمة وغير الرسمية في طرابلس، مقابل رواتب شهرية.

وأوضحت المصادر، أنه نتيجة النقص الكبير الذي تعرضت له القوات التركية في ليبيا، استأنفت تركيا عمليات نقل المقاتلين من سوريا في تموز/يوليو الفائت، بعد أن كانت موقفة منذ حزيران/يونيو 2021.

وأشارت المصادر، إلى أن السوريون المنضمون إلى الفصائل الليبية، توزعوا بحسب القوة والتشكيل، فمنهم من انخرط مع تشكيلات يدعمها رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، وأخرى يدعمها باشا آغا، الذي كان يشغل سابقا وزير الداخلية في حكومة “الوفاق الوطني”، التي عقدت معها تركيا اتفاق نقل المرتزقة السوريين.

وأكدت المصادر، أن السوريين الذين انضموا إلى هذه التشكيلات، مشتركين في الاشتباكات الداخلية التي تحدث بين الطرفين في طرابلس، وآخرها التي حدثت أمس السبت، حيث ذكرت وسائل إعلام محلية، أن المعارك التي استخدمت فيها أسلحة ثقيلة وخفيفة اندلعت في الجبس في جنوب المدينة، على خلفية الفوضى السياسية ووجود حكومتين تتنافسان على السلطة.

بينما أشارت مصادر محلية مطلعة، إلى وجود حالة من التحشيد العسكري بين التشكيلات المسلحة في المنطقة الغربية، لافتة لوجود حالة من الاستنفار في صفوف عدد كبير من المجموعات المسلحة المنتشرة في المنطقة الغربية.

معضلة المرتزقة في ليبيا

في أعقاب سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، تحولت ليبيا إلى ساحة واسعة لانتشار السلاح والجماعات المسلحة غير النظامية، مما عزز وجودها وقوتها، الاعتماد على مقاتلين من خارج ليبيا كوسيلة لكسب الرزق أو من خلال التجنيد.

وبحسب الباحث والمختص في الشؤون العسكرية في الشرق الأوسط، إياد معلوف، فإن عمليات جلب المرتزقة قائمة على دوافع أيديولوجية وسياسية، والاستفادة من الإمكانات المالية الكبيرة التي سيطروا عليها في ظل ضعف سلطة الدولة المركزية، إذ تشير التقديرات في الوقت الحاضر، بوجود ما لا يقل عن 20 ألف مقاتل ومرتزق أجنبي في البلاد، موزعين حسب الانتماء والتوجه.

ويعتقد معلوف، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن معارضة تركيا لرحيل قواتها ومرتزقتها فضلا عن انشقاقهم وانضمامهم إلى فصائل ليبية، قد تؤدي إلى تعطيل عملية التسوية وتشجع الفصائل الموالية للإسلاميين في طرابلس إلى تأجيل الحل السياسي، وربما اضمحلاله.

وبرأي معلوف، فإن استمرار تواجد مجموعات المرتزقة في ليبيا، عبر تقديم الدعم المالي السخي لهم، سيؤدي إلى اتساع شبكات التهريب والجريمة المنظمة، لا سيما تهريب المخدرات، الذي يشكل العصب المالي للجماعات الإرهابية المتمردة المسلحة في البلاد، ومنطقة الساحل الأفريقي.

لا عودة قريبة

في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020، وقّعت أطراف النزاع الليبي اتفاق وقف إطلاق النار في جنيف، والتزم الطرفان بترحيل جميع المقاتلين والمرتزقة الأجانب بحلول 23 كانون الثاني/يناير 2021. إلا أن ذلك لم يتحقق على النحو المنصوص عليه في الاتفاقية، وبقيت القضية قائمة رغم تنصيب حكومة الوحدة الوطنيةن مطلع عام 2021، الأمر الذي دفع القوى الدولية إلى دق ناقوس الخطر، خشية عودة البلاد إلى دائرة الصراع الأهلي، وانتشار آثار وجود مرتزقة في باقي دول المنطقة، حيث تنذر هذه المعضلة بتداعيات داخلية وإقليمية شديدة التعقيد.

دعت وزيرة الخارجية الليبية، مرارا القوات الأجنبية والمرتزقة إلى مغادرة البلاد، كان آخر تصريح من نجلاء المنجوش، أول وزيرة خارجية للبلاد، في مؤتمر صحفي مع نظيرها التركي الذي زار طرابلس في أيار/مايو الفائت، حيث قالت، إنها تريد من تركيا التعاون مع ليبيا لإنهاء “وجود جميع القوات الأجنبية والمرتزقة “على التراب الليبي. واختتمت تصريحاتها بالقول، إن مثل هذه الخطوة من شأنها أن “تحافظ” على سيادة ليبيا.

ومع ذلك، كان لضيفها وجهة نظر مختلفة للموضوع. ولم يتطرق وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، مباشرة إلى القضية المطروحة. وبدلاً من ذلك، بدا وكأنه يتساءل عمن يجب أن يغادر ليبيا في المقام الأول. وقال جاويش أوغلو، إنه من الخطأ مساواة الوجود العسكري التركي في ليبيا بـ “الجماعات غير الشرعية”، مشيرًا إلى أن بلاده أرسلت قوات للمساعدة في الدفاع عن طرابلس.

أشار تقرير، هو الأول من نوعه قُدم إلى مجلس الأمن الدولي، في أيار/مايو الفائت، أن الحكومة التركية تنشر مقاتلين سوريين في ليبيا، لتحل محل من انتهت عقودهم، بمقاتلين جدد وتزود مختلف الفصائل بالسلاح في انتهاك لحظر الأسلحة.

وأشار التقرير، الذي أعده فريق الخبراء، إلى “استمرار وجود مقاتلين سوريين مدعومين من تركيا في معسكرات عسكرية تابعة لحكومة الوحدة الوطنية” بقيادة عبد الحميد دبيبة، في طرابلس.

وذكر التقرير، أن تركيا دربت 6799 جنديا ليبيا حتى 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2021. كما رصدت لجنة الخبراء 33 رحلة شحن عسكرية من تركيا إلى غرب ليبيا بين أيار/مايو 2021 حتى آذار/مارس 2022، حيث نقلت الرحلات ذهابًا وإيابًا مقاتلين سوريين.

وتضمن التقرير أيضًا، تصريحات العقيد فضل الله حاجي، قائد “الجبهة الشامية” المنخرطة في “الجيش الوطني” المعارض والمدعوم من أنقرة، قال فيها، إن إرسال مقاتلين سوريين إلى ليبيا كان “جزء من خطة استراتيجية للتعاون بين الجيش الوطني والجيش التركي”.

الجدير ذكره، أنه في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وقّعت حكومة طرابلس السابقة مذكرة أمنية مع أنقرة. لم يكشف أي من الجانبين، حتى الآن، عن تفاصيل الصفقة، لكنه منح تركيا بشكل أساسي الحق في إرسال قوات إلى ليبيا للتدريب ومهام أخرى.

البرلمان التركي بدوره صوت في 2 كانون الثاني/يناير 2020، على السماح بالانتشار العسكري للقوات في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا. ومع ذلك، لم ترسل أنقرة قوات نظامية فحسب، بل أرسلت آلاف المقاتلين السوريين من مختلف الجماعات المسلحة السورية الموالية لتركيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.