لم تكد الأوضاع تهدأ في مدينة طفس بريف درعا الغربي، بعد حصار استمر لأسبوعين تخلله قصف مدفعي ونزوح للأهالي، انتهى باتفاق بإخراج عدد من المطلوبين خارج المدينة، حتى اتجهت قوات حكومة دمشق لفرض حصار مماثل على مدينة جاسم في منطقة الجيدور بريف درعا الشمالي.

جاسم أمام سيناريو طفس؟

مصادر محلية أكدت لـ”الحل نت”، أن حكومة دمشق أرسلت تعزيزات جديدة إلى محيط مدينة جاسم في ريف درعا الشمالي، وقامت بإنشاء نقطة عسكرية جديدة في محيط المدينة يوم أمس الأربعاء.

وبحسب المصادر، فإن القوات الجديدة أنشأت النقطة في منطقة تدعى”الصيرة” شمالي مدينة جاسم، وهي أرض فيها عدد من المزارع لأبناء المدينة، كما قامت بعملية تفتيش دقيقة قبل الانتشار استُخدم فيها طائرات مسيرة صغيرة لرصد مكان النقطة الجديدة ومحيطها.

من جهة ثانية، انتشرت قوات عسكرية تابعة لحكومة دمشق، على طريق جاسم – سملين، وأقامت حاجزا للتفتيش، في الوقت الذي أخلى فيه مزارعون عددا من المزارع على مفرق بلدة سملين.

وأيضا أشارت المصادر، إلى أن عددا من الضباط من الجيش السوري، قدموا إلى حاجز يدعى “السهم مئة” على طريق منطقة العالية قرب جاسم، حيث تتمركز في الحاجز قوات تابعة لفرع الأمن العسكري وعناصر من “اللواء 62” التابع للجيش تم استقدامهم من مقر اللواء في تل المحص المجاور للمدينة.

وفي سياق التطورات في محيط المدينة، منعت القوات الحكومية التي انتشرت يوم أمس؛ المزارعين من الوصول إلى الأراضي القريبة من النقاط العسكرية الجديدة، كما منعت المزارعين المتواجدين في المزارع المحيطة بنقاطهم من مغادرتها دون إبداء أي أسباب، فيما أشارت المصادر لـ”الحل نت”، أن هناك تخوفا من أن احتجازهم في أراضيهم ليكونوا دروعا بشرية، خاصة أن هناك احتمالات لتصعيد بين القوات الحكومية ومعارضين في محيط المدينة.

وفي صباح اليوم الخميس؛ بدأت القوات الحكومية بالدخول إلى المزارع والأراضي المزروعة بالخضراوات وسرقة “تعفيش” المحاصيل كالعنب والخضروات المتنوعة، ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة للمزارعين ستضاف إلى خسائرهم نتيجة منعهم من الوصول إلى أراضيهم.

إقرأ:الجنوب السوري.. وفد روسي في السويداء والميليشيات الإيرانية تحاصر درعا

لماذا جاسم؟

مدينة جاسم، تعتبر قلب منطقة الجيدور والتي تضم عدة مدن أبرزها إلى جانبها كل من الحارة وإنخل، بالإضافة إلى قربها من منطقة مثلث الموت الذي تسيطر عليه ميليشيا فاطميون التابعة لإيران، بالإضافة إلى أنها من المدن التي لا تزال تضم عددا من المعارضين لتواجد القوات الحكومية والميليشيات الإيرانية.

وفي آذار/مارس الماضي، جرت اشتباكات بين معارضين محليين من أبناء المدينة، وبين قوات تابعة لفرع أمن الدولة حاولت التقدم في الحي الغربي من المدينة ما أدى لمقتل 6 من عناصر أمن الدولة وتدمير عدد من آلياتهم، وتدخل “اللواء الثامن” المدعوم روسبا في حينه لتهدئة الأوضاع ما أدى لانسحاب القوات الأمنية من المدينة.

ونتيجة لهذا الاشتباك، وضعت القوات الحكومية المدينة على لائحة المدن التي تريد اقتحامها والسيطرة عليها مع طفس ودرعا البلد ونحو 3 مدن وبلدات أخرى.وخلال الأشهر الماضية، نفذت عدة عمليات اغتيال بينها قتل عنصر في القوات الحكومية، بطريقة قطع الرأس التي يستخدمها تنظيم “داعش” الإرهابي وذلك تمهيدا من دمشق لإلصاق تهمة الإرهاب بالمعارضين في المدينة واتهامهم بإيواء عناصر من التنظيم كما حصل في طفس مؤخرا.

وبحسب مصادر محلية لـ”الحل نت”، فحتى الآن لم تحصل أي تحركات من قبل القوات الحكومية باتجاه دخول المدينة، كما لم تجري أي اشتباكات مع المعارضين، ولكن من المتوقع أن يتم تقديم طلبات للوجهاء من المدينة خلال اليومين القادمين تتعلق بإخراج بعض الأشخاص من المدينة وتسليم قطع من السلاح، وهذا ما سيحدد طبيعة ما سيجري خلال الأيام القادمة.

قد يهمك:درعا.. مراوغة من دمشق بعد خروج المطلوبين من طفس

التوتر مستمر منذ أحداث طفس

في مطلع الشهر الماضي، حاصرت قوات عسكرية تابعة للفرقة 15 من القوات الحكومية ترافقها قوات تابعة للواء “العرين” التابع لـ”الحرس الثوري الإيراني” مدينة طفس في ريف درعا الغربي، حيث قامت بإنشاء نقطة عسكرية جديدة جنوبي المدينة.وقامت القوات المتقدمة في ذلك الوقت، باستهداف الأحياء والمزارع المحيطة بالمدينة بقذائف الدبابات والرشاشات الثقيلة، ما تسبب بنزوح عشرات من الأهالي إلى أحياء أخرى وإلى البلدات المجاورة، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

ونتيجة لمفاوضات بين وجهاء مدينة طفس واللجنة الأمنية في درعا وعلى رأسها رئيس فرع الأمن العسكري، اتفاق الجانبين على خروج عدد من المطلوبين من المدينة، بينما تنسحب القوات الحكومية والميليشيات الإيرانية من محيط المدينة.

وصدر بيان في الثامن من الشهر الماضي، عن القيادي المحلي في طفس، خلدون الزعبي، الذي تم اغتياله مؤخرا من قبل مجموعة تابعة للأمن العسكري، يقول فيه أنه تم التوافق في طفس على خروج عدد من الأشخاص من المدينة، والذين تتخذهم حكومة دمشق ذريعة من أجل التصعيد في المنطقة؛ بحسب البيان.

إقرأ:استمرار الاغتيالات في درعا.. التأثيرات والأهداف الحقيقية منها

تصفيات نوعية وقواعد إيرانية

عملية اغتيال القيادي في المعارضة السورية، منتصف ليل الجمعة، 26 آب /أغسطس، خلدون بديوي الزعبي، لم تكن مصادفة، إذ جاءت بعد الاتفاق الذي أبرمه الزعبي مع اللجنة الأمنية لفك الحصار عن مدينة طفس.

وسبق اغتيال الزعبي بعد أيام، اغتيال الشيخ فادي العاسمي أبرز القياديين المعارضين في ريف درعا الغربي وتحديدا في مدينة داعل .

و مع تسارع المشروع الإيراني في السيطرة على محافظة درعا، كان تصاعد عمليات الاغتيال لشخصيات محددة أمرا متوقعا، فعمليتي الاغتيال الأخيريتين، للشيخ فادي العاسمي، وللقيادي خلدون الزعبي تثبت صحة الفرضية التي تقول، أن إيران ترغب بتصفية من تعتقد أنه سيقف في وجه تمددها، وخاصة أنها تدخل مرحلة جديدة من خلال زيادة عدد قواتها والسعي لإنشاء قاعدة عسكرية كبيرة في درعا.

وبحسب معلومات حصل عليها “الحل نت”، فإن عمليات الاغتيال والتصفية النوعية سوف تستمر خلال المرحلة القادمة وقد تأخذ طابعا مكشوفا لجهة الفاعلين.

مؤخرا بدأت إيران بنقل قوات تابعة لها من الميليشيات غير السورية إلى محافظة درعا، وعلى رأسها ميليشيا “فاطميون” الأفغانية، وتعتبر هذه الميليشيا رأس حربة للحرس الثوري وفيلق القدس الإيراني في سوريا، نظرا للشراسة في القتال والقتل التي تتمتع بها.

وفي هذا السياق، نقل تقرير سابق لـ”الحل نت”، عن صحيفة “القبس” الكويتية، نهاية الشهر الماضي، نقلا عن مصادر مطلعة داخل إيران، أن طهران أرسلت أخيرا وحدات جديدة من فيلق القدس “الجناح الخارجي للحرس الثوري” إلى الحدود السورية الأردنية، وهي بصدد إنشاء قاعدة كبيرة بدلا من النقاط الصغيرة التي تستخدم من قبل ميليشياتها في المنطقة.

وبحسب الصحيفة، فإن الحرس الثوري أرسل ثلاث وحدات جديدة من لواء “فاطميون” بزعامة القيادي في الميليشيات الأفغانية “حكمت الله هراتي”، وصلت مؤخرا من طهران إلى دمشق ثم إلى مدينة درعا جنوبي سوريا، وقد أُرسلت تحديدا للاستقرار والانتشار على الحدود السورية – الأردنية بعد أن تم تدريبها، في معسكرات تابعة للحرس الثوري جنوب شرق طهران، على استخدام صواريخ قصيرة المدى والطائرات المسيّرة، وهي مجهزة عسكريا أكثر من الميليشيات الإيرانية المتمركزة في دمشق.

وأشارت المصادر الإيرانية إلى أن الحرس الثوري أنشأ قيادة جديدة لإدارة المنطقة السورية الجنوبية، وتولت هذه القيادة مهامها الأسبوع الماضي بعد أن استكملت الوحدات الأفغانية انتشارها على طول النقاط الحدودية مع الأردن.

وأوضحت المصادر الايرانية، أن “الحرس الثوري” أطلق اسم “مالك الأشتر” على القاعدة الجديدة التي بدأ استكمال بنائها وانشائها في ريف درعا، مبينة أن عدد عناصر ميليشيات “فاطميون” الذين نقلوا إلى الحدود السورية – الأردنية يبلغ نحو 350 عنصرا إضافة إلى ضباط وكوادر لـ”الحرس الثوري”. وتريد إيران الاستقرار لفترة طويلة هناك، وأكدت المصادر أن عائلات عناصر لواء “فاطميون”، التحقت بهم بعد وصولهم إلى درعا.

ونقلت الصحيفة عن المصادر الإيرانية، أن طهران تخطط للاستثمار في المنطقة الجنوبية من سوريا، وإنشاء قاعدة “مالك الأشتر” في درعا هو في جزء حماية الشركات الإيرانية من هجمات قد تشنها فصائل المعارضة السورية، إضافة إلى إنشاء نقطة مركزية ثابتة في الجنوب لإحكام السيطرة على مثلث درعا ـ القنيطرة ـ دمشق.

إقرأ:ماذا وراء تصاعد عمليات الاغتيالات في درعا؟

من الجدير بالذكر أن كل الاحتمالات مفتوحة في درعا، فجاسم لن تكون المحطة الأخيرة خلال الفترة الحالية؛ فقد تتجه عيون دمشق والميليشيات الإيرانية من جديد نحو درعا البلد ومناطق أخرى، والتي قد تشهد تصعيدا وتوترا خلال قادم الأيام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.