الأحداث في منطقة الساحل الإفريقي الغربي ومالي على وجه الخصوص، تتخذ منعطفا خطيرا ومثيرا للقلق، حيث شهدت مالي انقلابين عسكريين في أقل من عام، بينما مرت منطقة الساحل في غرب إفريقيا بأعنف أعوامها حتى الآن. كما لا توجد مؤشرات على تباطؤ وتيرة العنف.

في خضم عدم الاستقرار غير المسبوق، لم تقدم التطورات الأخيرة التي شملت الحكومة الانتقالية في مالي والمجتمع الدولي، أي ضمانات بتحسن الأمور في أي وقت قريب، خصوصا مع استعانة حكومة مالي بمجموعة “فاغنر” الروسية، إذ يؤدي ذلك إلى تعطيل جهود مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في البلاد.

حرب النفوذ بين فرعي تنظيمي “داعش والقاعدة” تصاعدت بولاية ميناكا شمالي مالي، وسط غياب قوات الجيش في المنطقة التي أصبحت تحت نفوذ “الجماعات الإرهابية”، أسباب الصراع وحرب النفوذ بين “داعش” وجماعة “النصرة”، منطقة ميناكا تعد هدفا استراتيجيا وقاعدة لتنظيم “داعش” في مالي ومنطقة الساحل، لتأسيس ولايته، فما هي طبيعة الصراع في المنطقة، وكيف ستؤثر منافسة الجماعات الإرهابية على دول شمال إفريقيا.

تصاعد مناطق العنف في مالي

بعد حصولها على الاستقلال عن فرنسا عام 1960، عانت مالي عقودا من عدم الاستقرار، فبينما يقيم غالبية السكان في الجنوب، تمرد “الطوارق” والجماعات العربية في الشمال على الحكومة في أعوام 1963 و1990 و2006، في محاولة للحصول على حكم ذاتي للمنطقة التي أطلقوا عليها اسم “أزواد”.

استغلت العديد من الجماعات، بما في ذلك الجماعات الإرهابية المتشددة، عجز الحكومة عن فرض سيطرتها على الأراضي في الشمال من خلال التأكيد المستمر على مطالباتها الإقليمية ومهاجمة الحكومة المالية وقوات الأمن الدولية، وتقويض الحكومة والتهديد بزعزعة استقرار البلدان المجاورة.

الخبير في الجماعات المتطرفة، أندرو سيليباك، ذكر في حديثه لـ “الحل نت”، أن الأزمة الحالية في مالي بدأت في أوائل عام 2012 عندما تمردت “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” الانفصالية في الشمال للمرة الرابعة. وكانت الحركة هذه المرة مدعومة من قبل مجموعة من الجماعات الإرهابية المسلحة كـ “أنصار الدين” و”القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، وحركة “الوحدة والجهاد” في غرب إفريقيا، حيث تحركت الجماعات معا للسيطرة على مناطق في الشمال.

في آذار/مارس 2012، أُطيح بالرئيس آنذاك أمادو توماني توري، في انقلاب عسكري نفذه الجيش المالي وسط موجة من الغضب من رد فعل الحكومة على التمرد. وقد أدى الارتباك والاقتتال الداخلي الناجم عن فراغ السلطة في العاصمة باماكو إلى تمكين “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” والجماعات الإرهابية من الاستيلاء على الأراضي بسرعة. وبحلول أبريل/نيسان 2012، سيطرت الجماعات المسلحة على جميع الأراضي في الشمال تقريبا وأعلنت الاستقلال.

كان التحالف بين الحركة والجماعات الإرهابية قصير الأمد، وفقا لحديث سيليباك، ففي حزيران/يونيو 2012، انفصلت الحركة عن “أنصار الدين” وتنظيم “القاعدة” بسبب مساعي الإسلاميين لفرض الشريعة الإسلامية في الشمال. وسيطرت الجماعات الإرهابية على تمبكتو وغاو، ودمروا الأضرحة.

عندما بدأت الجماعات الإرهابية في التقدم نحو وسط البلاد، تدخل الجيش الفرنسي بناء على طلب من الحكومة المالية، ونشر القوات البرية وشن حملة جوية لصد المسلحين من خلال عملية “برخان”، واصلت فرنسا قيادة القتال في مالي وتم نشر ثلاثة آلاف جندي منذ تموز/يوليو 2014 لحماية المدنيين ومساعدة جهود الجيوش المحلية.

أيضا تم إنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي “مينوسما” لمكافحة التطرف في المنطقة في نيسان/أبريل 2013. ولا يزال أكثر من ثلاثة عشر ألفا من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة منتشرين في مالي، وقد وصفت “مينوسما” بأنها أكبر مهمة للأمم المتحدة بسبب العدد الكبير من الهجمات على قوات “حفظ السلام” الدولية من التنظيمات الإرهابية.

حرب النفوذ تشتعل

على الرغم من وجود العديد من قوات مكافحة الإرهاب والعمليات العسكرية المدعومة دوليا، فقد ازدادت الهجمات العنيفة وأعمال القتل الانتقامية في جميع أنحاء مالي منذ العام الماضي، ولا تزال الشبكات الإرهابية الكبرى والجماعات المسلحة الأخرى تشكل تهديدا في مالي.

بحسب تحليل سيليباك، يرجع تدهور البيئة الأمنية في غرب الساحل الإفريقي ومالي بمجموعة من الجهات الفاعلة والدوافع المختلفة، إذ كان وسط مالي معقل جبهة “النصرة” فرع تنظيم “القاعدة” منذ عام 2015، بقيادة المتطرف أمادو كوفا، وأدى عنف الحركة إلى تحويل انعدام الأمن في مالي من المناطق الشمالية النائية إلى المناطق الوسطى في باندياجارا، وبانكاس، وجيني، ودوينتزا، وكورو، وموبتي، والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 1.5 مليون نسمة.

فرض كوفا قائد جبهة تحرير “ماسينا”، المعروفة حاليا باسم كتيبة “ماسينا” التابعة لجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، أحكاما متطرفة من الشريعة الإسلامية لحل النزاعات على الأراضي والموارد وفرض قواعد سلوكية صارمة خاصة على النساء، في وسط مالي.

كما أنه استغل الخلافات بين الطوائف استراتيجيا، ولعب على وتر المظالم كوسيلة لدفع عملية تجنيد الشباب المحليين لصفوفه، وانطلاقا من هذه القاعدة، قاد تنظيم “القاعدة” حربا للسيطرة على غرب مالي وجنوبها ليصبح قادرا بشكل متزايد على تهديد العاصمة باماكو. ويأتي ذلك بعد أن نجحت “ماسينا” في دعم عناصر جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” الذين توغلوا في شمال بوركينا فاسو وبدرجة أقل جنوبا إلى جنوب غرب بوركينا فاسو.

بشكل عام، يشير سيليباك، إلى أن أحداث العنف في هذه المنطقة تمثل 14 بالمئة من جميع الأحداث في منطقة الساحل و40 بالمئة من جميع الحوادث في مالي. فمنذ عام 2019، كانت مستويات العنف في هذه المناطق من بين الأعلى في مالي، زادت أحداث العنف بنسبة الثلث تقريبا في عام 2020، ثم بنسبة 50 بالمئة في عام 2021، وحاليا بنسبة 33 بالمئة في عام 2022.

تنظيم “القاعدة” بشكل عام يستهدف المدنيين، إذ إن جميع أحداث العنف في منطقة وسط مالي في عام 2022 مرتبطة به، إذ حاليا يعمل على طرد تنظيم “داعش” من مالي وإبقاء مناطق شمالي البلاد تحت سيطرته.

فالتنظيم منتشر على الشريط الحدودي مع الجزائر وموريتانيا ومنطقة ماسينا، ويهدف من ذلك لتوسيع نفوذه وسيطرته على مناطق شاسعة من الأراضي المالية، بما يحقق له حلم تأسيس دولة لها على غرار حركة “طالبان” في أفغانستان، منتظرا اللحظة المناسبة لإعلان “إماراته”، خصوصا أن التنظيم الإرهابي يهدف إلى تهجير البدو والمدنيين من مناطق المثلث الحدودي، والاستيلاء على المنطقة الغنية بالنفط والغاز.

أما تنظيم “داعش” المنافس، سيطر على مناطق حدودية بين النيجر ومالي، مما ساهم في دعم عناصره بالسلاح والتمويل، والتي أدت بدورها إلى دخوله في حرب مع تنظيم “القاعدة”، حيث أعلن أنه قتل 40 من عناصر جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” خلال اشتباك في بلدة أغزراغن، في المنطقة الواقعة تحت نفوذ التنظيم الإرهابي منذ أيار/مايو الماضي، والاستيلاء على أسلحة من جماعة “النصرة”.

كما وقعت اشتباكات عنيفة جنوب غربي منطقة إنسنانن، انتهت بانسحاب “داعش” من المنطقة، ودخول عناصر جماعة “النصرة” إلى منطقة أضرنبوكار، التي تقع تحت سيطرة “داعش” منذ آذار/مارس الفائت.

يستهدف تنظيم “داعش” الإبقاء على نفوذه في ميناكا، لأنها تحتوي على المواد الخام، التي يأتي على رأسها تعدين الذهب، وأيضا لتميز موقعها الجغرافي بالقرب من الحدود النيجرية، وليستولي على مئات المواشي ومراعيها في مناطق سيطرته.

أزمة التطرف المتفاقمة

منطقة الساحل الغربي، وفق تقييم سيليباك، شهدت زيادة بنسبة أربعة أضعاف في عدد أحداث العنف بسبب الجماعات الإرهابية منذ عام 2019، حيث بلغ عددها 2800 في عام 2022.

من بين 135 منطقة إدارية في مالي وبوركينا فاسو وغرب النيجر، شهدت 84 مقاطعة، أو ما يقرب من الثلثين، هجمات متطرفة عنيفة في عام 2022. أكثر من 80 بالمئة من جميع الأحداث العنيفة وقعت في 30 مقاطعة في شمال ووسط مالي، ومن المتوقع أن تعاني سبع مناطق إدارية في منطقة الساحل من أكثر من 100 حدث عنيف حتى أواخر عام 2022.

بعيدا عن حرب النفوذ بين الجماعات الإرهابية، يعتقد سيليباك، أن السبب الذي عزز تصاعد أعمال عنف الجماعات الإرهابية في مالي والساحل الإفريقي، هو دخول قادة الانقلاب في مالي في شراكة مع مرتزقة من مجموعة “فاغنر” الروسية، حيث وصل مقاتلون من مجموعة “فاغنر” المرتبطة بـ “الكرملين” إلى مالي أواخر العام الماضي بعد إبرام صفقة مع حكامها العسكريين الجدد.

منذ وصول “فاغنر” إلى مالي، ازدادت حوادث العنف ضد المدنيين من حيث العدد والشدة، حسبما أفاد مركز “الدراسات الاستراتيجية والدولية” في أيار/مايو الفائت، مشيرا إلى أنه “في الربع الأول من عام 2022، كانت الوفيات المدنية في النزاع أكبر مما كانت عليه في عام 2021 بالكامل”.

على الرغم من أن الحكومة العسكرية في مالي زعمت أن عدم إحراز القوة للتقدم في هزيمة “داعش” و”القاعدة” هو الذي حدد في النهاية قرار باماكو بالاستعانة بـ”فاغنر”، إلا أن انسحابهم من المنطقة بعد التدخل الروسي أضعف التنسيق عبر الحدود، وأصبحت حدود جيرانها أكثر عرضة للخطر من قبل الجماعات الإرهابية التي تسعى إلى توسيع نطاق عملياتها.طبقا لحديث سيليباك.

من وجهة نظر سيليباك، فقد أدى رفض مالي لمواصلة علاقتها مع الشركاء الغربيين والإقليميين وكذلك علاقتها بقوات “حفظ السلام” التابعة للأمم المتحدة،  إلى خلق فراغ أمني في جميع أنحاء منطقة الساحل يتم استغلاله بسرعة من قبل روسيا، والتي بدورها ساهمت بشكل أو بآخر في توسيع نفوذ الجماعات الإرهابية هناك.

وعليه يرى سيليباك، إن الدور الروسي المتنامي في القارة الإفريقية، والذي يهدف إلى توسيع نفوذها وتقويض الحكم الديمقراطي، هو تهديد لجهود مكافحة الإرهاب والديمقراطية بشكل عام. لذا يجب على الشركاء الإقليميين والدوليين لبلدان الساحل النظر في استراتيجية روسيا في مبادراتهم المناهضة للجهاديين وجهود تحقيق الاستقرار.

التحولات الاستراتيجية والسياسية في منطقة الساحل وخصوصا في مالي أدت إلى تفاقم التهديد الأمني ​​المستمر منذ عقد من الزمن والذي يمثله التطرف العنيف وعدم الاستقرار السياسي والصراعات الداخلية في المنطقة. إن التحول، يجعل مستقبل مكافحة الإرهاب في المنطقة متزعزع، ولا يبشر بالخير بالنسبة لدول شمال إفريقيا، وللحد من التداعيات المحتملة في البلدان المغاربية، يجب على أصحاب المصلحة الحفاظ على الضغط السياسي والاقتصادي على المجلس العسكري المالي من خلال تعزيز العملية الديمقراطية وكبح نفوذ موسكو والجماعات الإرهابية على حد سواء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.