ثلاثة أشهر مرت على مقتل زعيم تنظيم “القاعدة” الإرهابي، أيمن الظواهري، في كابل بأفغانستان، دون أن يتم اختيار بديل له من قِبل التنظيم، كعادة الإعلان بسرعة عن القيادات، ما يشير بحسب باحثين في الجماعات الأصولية إلى خلاف تنظيمي قد يؤدي إلى تفكك التنظيم وتشرذمه والذي قد يؤدي إلى نهايته.

خلاف وصعوبة باختيار بديل للظواهري

 باحثون في الشأن الأصولي أشاروا إلى أن عدم الإعلان عن الزعيم الجديد للتنظيم يكشف عن صعوبات في اختيار “البديل”، الذي يصلح لقيادة التنظيم، لافتينَ إلى وجود خلاف تنظيمي يُلقي بظلاله على هيكل التنظيم، ويُعزز فرص استقلال الأفرع.

القيادي في تنظيم القاعدة سيف العدل “وكالات”

على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أشهر على مقتل الظواهري، فإن التنظيم لم يستقر حتى الآن على خليفته، في إشارة واضحة إلى وجود صعوبات في اختيار “البديل” الذي يصلح لقيادة التنظيم خلال تلك الفترة الدقيقة من عمره.

في عام 2014 ظهرت وثيقة حددت الشخصيات المرشحة لخلافة الظواهري، وتضمنت أبو الخير المصري، وأبو محمد المصري، وسيف العدل، وأبو بصير الوحيشي؛ إلا أن المتغير الذي طرأ على هذه الوثيقة، هو أنه لم يبق على قيد الحياة من هذه الأسماء إلا سيف العدل، لكن هذا لا يعني حسم الأمر له، لأنه يقيم في إيران.

الباحث المصري في الجماعات الأصولية، أحمد زغلول، يوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه من المتوقع مع زيادة الوقت دون وجود قيادة للتنظيم أن يجعل الخلافات فيه مستمرة، فمن الناحية النظرية يمكن أن تكون هناك قيادة غير مُعلنة بشكل أو بآخر، لأن من عقيدة هذه التنظيمات أن تكون هناك قيادة وفق مبدأ “إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم”.

زغلول يضيف، أن الأزمة في التنظيم أساسها غياب الشخصية الكاريزمية التي يمكن أن تسد فراغ القيادة بدءا من أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، وحتى الآن لا يوجد من يملأ هذا الفراغ القيادي من ناحية تاريخية وكاريزمية، مبينا أن هناك قيادات من جيل ما يُعرف بـ”مجاهدي أفغانستان”، لكنهم لا يملكون المؤهلات اللازمة في إدارة التنظيم والعلوم الشرعية، كما ليس لهم خلفية عسكرية كبيرة، فإذا توافرت إحدى الصفات بشخص فلا تتوافر فيه بقية الصفات المطلوبة فالأمر يحتاج لمهارات إدارية وشرعية، وهي ترتبط بالتاريخ.

من جهته، حسن أبو هنية، الباحث الأردني في شؤون الجماعات الإسلامية الأصولية، يؤكد لـ”الحل نت”، كان من المتوقع أن تكون هناك مشاكل في إعلان قيادة جديدة لتنظيم “القاعدة”، وهذا الأمر كان واضحا من قبل، لأن هناك 3 احتمالات قائمة لخلافة الظواهري، وهي أن يتولى زعامة التنظيم، سيف العدل وهو من بقي من القيادات التاريخية بعد مقتل أبو محمد المصري وناصر الوحيشي ومجموعة أخرى، وبالتالي فإن المرشحينَ حاليا هم سيف العدل وعبدالرحمن المغربي، وهما متواجدان في إيران وهذه إشكالية تتعلق بهما وبفروع التنظيم.

إقرأ:ما دور إيران الجديد داخل تنظيم “القاعدة“؟

التفكك واللامركزية للتنظيم

الخلاف يبدو واضحا بين سيف العدل والمغربي، بحسب باحثين منذ أكثر من عام على تزعم التنظيم، فسيف العدل (محمد صلاح زيدان) غادر إلى أفغانستان في عام 1989، وانضم إلى “القاعدة”، ولعب دورا محوريا في تطوير القدرات العسكرية للتنظيم، في ضوء خبراته السابقة، فضلا عن مشاركته في تأسيس كثير من الأفرع الإقليمية للتنظيم، وصنّفه مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي واحدا من أكثر “الإرهابيين” المطلوبين في العالم بمكافأة تبلغ قيمتها 10 ملايين دولار.

لكن علاقة سيف العدل بإيران، يعتبرها البعض من أتباع هذا التيار قد تنال من مكانة “القاعدة” إذا تم تنصيبه زعيما للتنظيم، خاصة لدى أفرعه التي ما زالت تقر بالتبعية للتنظيم، أو الأفرع الأخرى المستقلة، وقد يُقلص قدرة التنظيم على استقطاب عناصر جُدد.

أما المغربي، فكان الشخصية الأقرب للظواهري، كما أنه كان مسؤولا عن تأمين اتصالات الظواهري والإشراف على إرسال الرسائل “المشفرة” إلى القواعد التنظيمية حول العالم، وكذلك كان مسؤولا عن مؤسسة “السحاب” الإعلامية الخاصة بالتنظيم.

الخلاف بين هذين الشخصَين يُلقي بظلاله على هيكل التنظيم ككل، ويُعزز من فرص استقلال أفرعه، التي يرى قادتها الفرصة سانحة لهم للبعد عن القيادة المركزية، التي لا يعلمون من هي منذ ثلاثة أشهر.

أحمد زغلول، يرى أن هناك عدة عوامل ترتبط بفكرة اللامركزية وفروع تنظيم “القاعدة”، فالفروع شهدت استقلالية منذ أيام الظواهري؛ لكنها تفاقمت بعد مقتله، وهذا ما سبب خللا في التنظيم، إضافة لذلك فهناك منافس لـ”القاعدة” وهو تنظيم “داعش” الذي يعتمد على المركزية بشكل كبير.

فكرة المركزية واللامركزية مهمة وتحدث فرقا في التنظيمات الأصولية، فـ”القاعدة” تنظيم لا مركزي، ولامركزيته ضعفت كثيرا خلال العقد الماضي، ولم يعد قادرا على امتلاك أسباب القوة التي كانت متوفرة في أوقات سابقة، في مقابل أن “داعش” ينافسه من خلال المركزية الصارمة لدى قيادته.

زغلول يشير إلى أن الفروع العاملة في تنظيم “القاعدة” بشكل لامركزي كانت موجودة في الأصل، لكن اللامركزية الحالية لم تكن موجودة في السابق، لذلك فإن تفكك التنظيم من الناحية النظرية ممكن، لكن هناك مؤثرات دولية وأخرى إقليمية تساعد على اختفاء أو بقاء هذا التنظيم والتنظيمات المماثلة.

بحسب زغلول، فإن تنظيم “القاعدة” الأم، وإن كان ما زال قائما لكنه ضعيف، لأنه يرتبط بالسياقات الإقليمية التي يتواجد فيها، كالوضع السياسي في أفغانستان “مركز التنظيم” وغيرها، فأي خلل ينعكس على التنظيم، وعموما فإن التنظيمات من هذا النوع تقوم على أفكار بشكل رئيسي، ومن الممكن أن تظهر أو تختفي أو يُقضى عليها لكن أفكارها موجودة.

من جهته، حسن أبو هنية، لا يعتقد أن تفكك التنظيم وارد، أي أن تعود فروع التنظيم إلى حركات مستقلة كما كانت في السابق، لأنها في الأصل كانت حركات جهادية محلية ثم أخذت هذا الطابع العالمي من خلال غطاء تنظيم “القاعدة”، لكن أعمالها بقيت ذات طابع محلي، باستثناء الفرع اليمني.

فالتنظيم لن يتفكك وستبقى هذه المجموعات مستمرة بالتنسيق فيما بينها تحت مسمى “القاعدة” أي الغطاء، ولكنها ستأخذ طابعا أكثر استقلالية مما كانت عليه في السابق، حسب أبو هنية.

أزمة القاعدة بعد الظواهري

بحسب مختصين بالجماعات الأصولية، فإن مقتل الظواهري في كابل، كشف الاختراق الأمني للقاعدة، ومستقبل غامض للتنظيم الذي تراجع ودخل في حرب نفوذ مع تنظيم “داعش” الإرهابي.

الهيكل التنظيمي “للقاعدة”، يعتمد على مجلس شورى لإدارة التنظيم، ومن أبرز قياداته محمد صلاح الدين زيدان المعروف بـ “سيف العدل”، وعبدالرحمن المغربي، صهر الظواهري، رئيس اللجنة الإعلامية بـ”القاعدة”.

فالرجل الثاني في “القاعدة”، هو سيف العدل، من أبرز المرشحين لزعامة التنظيم، ولكن تشارلز ليستر، في تقديره أن هناك أزمة ثقة تواجه سيف العدل، لدى معظم منتسبي “القاعدة”، نظرا لإقامته في إيران لسنوات طويلة، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

المركز الدولي لمكافحة الإرهاب “آي سي سي تي”، أشار أنه في حالة تولى سيف العدل، قيادة التنظيم سيكون أميرا صوريا، فهو لا يعرف الكثير عن أنشطته الحالية، فيما تشير تقارير “الأمم المتحدة” إلى أنه إذا حاول الانتقال علنا لأفغانستان قد يواجه مقاومة من حكومة “طالبان” بسبب الضغوط الدولية.

المركز الدولي لفت أيضا إلى مرشحَين آخرين، منهم أبو إخلاص المصري، قائد عمليات في “القاعدة”، ومحمد أمين الحق، أفغاني الجنسية، مسؤول أمن زعيم التنظيم السابق أسامة بن لادن، وعلي البكري، المعروف باسم عبد العزيز المصري، عضو مجلس شورى “القاعدة”، وهو خبير المتفجرات والأسلحة الكيميائية، ووضعت واشنطن مكافأة 5 ملايين دولار للإدلاء بمعلومة عنه.

أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة “وكالات”

هذا إلى جانب أبو تراب الأردني، ومصطفى حامد المعروف بأبو الوليد المصري، صهر سيف العدل، وأبو الخير المصري (الذي انتقل إلى سوريا ما بعد عام 2012)، وقاري سيف الله أختار، وعبد الله أحمد عبد الله عضو في مجلس شورى “القاعدة”، ويعمل كمسؤول مالي وميسّر ومخطط عمليات.

في حين أشارت دراسة لـ”مركز ويلسون” بواشنطن، أن الظواهري اعتمد في قيادة التنظيم طريقة غير هرمية، أدت لعدم وجود سيطرة مباشرة على فروع التنظيم في الشرق الأوسط وإفريقيا وأسيا.

الباحث في الحركات الإسلامية والإرهاب، أحمد سلطان، رأى أن قتل زعيم “القاعدة”، يمثل ضربة معنوية للتنظيم، حيث سيؤثر مقتله على معنويات عناصر “القاعدة” وقياداتها الفرعية، فضلا عن فقدان التنظيم لجزء من زخمه.

سلطان قال في حديث سابق مع “الحل نت” إن، “القاعدة تنظيم مأزوم، يعاني من موت سريري منذ فترة طويلة، وهو غير قادر على شن هجمات خارج المناطق التي ينشط فيها، ببساطة لديه مشكلات كبيرة، وليس مقتل الظاهري إلا إحدى هذه المشكلات”.

حول مستقبل التنظيم بعد مقتل زعيمه، رأى سلطان، أن “القاعدة” في اتجاه متراجع حول العالم، وأضاف، “هناك تحولات عديدة، القاعدة في اتجاهه للتحول إلى نمط إطار تنسيقي لا أكثر، ليكون مجرد واجهة، تجمع التنظيمات الجهادية المرتبطة بالتنظيم، وكل منها يتحرك وفق أولوياته الذاتية”.

سلطان، قال حديثه، “أظن أن التنظيم سيستمر على الأداء بنفس الوضع الحالي، سيحاول ترميم قدراته، وسيحاول استقطاب مقاتلين جدد، ليعود إلى صدارة الحركة الجهادية العالمية، لكن لا أظن أنه سينجح في المدى المنظور، أظن أن القاعدة لديه مشكلات كبيرة. الظروف الآن مختلفة عن الوقت التي نشأ فيه التنظيم”.

أزمات محتملة تواجه “القاعدة”

بحسب تقرير سابق لـ”مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية”، فإن هناك العديد من الأزمات التي يمكن أن يواجهها “القاعدة” في مرحلة ما بعد الظواهري، وتتمثل أبرزها في، “العلاقة بين “القاعدة” و”طالبان”، فهناك احتمال أن تتجه الأخيرة إلى تقييد مستوى التعاون المتبادل مع الأول، خاصة في مرحلة ما بعد اتفاق الدوحة، على نحو قد يتحول إلى أحد أهم التحديات التي سيواجهها خليفة الظواهري.

أيضا، أزمة “المقر المركزي”، فخلال السنوات الثلاث الماضية، سعت “طالبان” إلى نفي أي علاقة ارتباطية مع “القاعدة”، مع توقف شبه كامل لنشاط الأخير في الداخل الأفغاني. وقد لا يمكن استبعاد انتقال قيادة التنظيم المركزي من أفغانستان إلى دولة أخرى مع تولي خليفة الظواهري.

قد يهمك:أزمة جديدة داخل تنظيم “القاعدة” بعد مقتل الظواهري

من الممكن أن تكون هناك قيادة لـ”القاعدة” غير معلنة حتى الآن، أي قائم بأعمال التنظيم، وهو ما يدل على عمق الخلافات حول خليفة الظواهري، وهذا ما تسبب بمنع الإعلان عن هذه القيادة وإن كانت مؤقتة لأن الإعلان عنها قد يكون تهديدا للتنظيم من قِبل الأفرع، وقد ينذر بتلاشي التنظيم الأم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.