بينما يستعد بنيامين نتنياهو لإحياء مسيرته السياسية والعودة الدراماتيكية كرئيس وزراء إسرائيل مجددا، وفق ما أظهرت نتائج الانتخابات الجزئية، الأربعاء الماضي، أن كتلة زعيم حزب “الليكود” ستفوز بأغلبية مريحة تبلغ 65 مقعدا في البرلمان المكوّن من 120 مقعدا (الكنيست)، الخميس الماضي، هنأ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم أمس الخميس، نتنياهو بفوزه في الانتخابات الإسرائيلية، متوقعا أنه يأمل في “فتح صفحة جديدة من التعاون” مع الحكومة الجديدة. وقال زيلينسكي، إن أوكرانيا “تشارك إسرائيل القيم والتحديات، الأمر الذي يتطلب الآن تعاونا فعّالا”، وسط استمرار أوكرانيا بطلب إسرائيل لتزويدها بأنظمة دفاع جوي.

من هنا تبرز عدة تساؤلات، حول احتمالية تغيير سياسة إسرائيل تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا بعد فوز نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية، بحسب النتائج الجزئية واستطلاعات الرأي، بالإضافة إلى تساؤلات حول اتجاه إسرائيل للدفاع عن أوكرانيا وتزويد كييف بالأسلحة الفتاكة على غرار دعم إيران لروسيا بالأسلحة، وأخيرا إذا ما دعمت إسرائيل أوكرانيا بالأسلحة بالفعل، فما هو مصير العلاقات الإسرائيلية الروسية، وتبعات ذلك على المنطقة ككل وسوريا على وجه الخصوص.

لا تغيير في السياسة؟

بحسب تقرير لموقع “بلومبيرغ” الأميركي، تنفتح إسرائيل بعد أشهر من التردد، على تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا، لأن الدعم الإيراني المتزايد للغزو الروسي يتطور إلى تهديد للأمن الإسرائيلي. كما والتزمت إسرائيل بمساعدة أوكرانيا على تطوير نظام إنذار مبكر مشابه للنظام الذي ينبه الإسرائيليين إلى النيران الواردة من قطاع غزة.

ضمن هذا الإطار، شرح مسؤول كبير سابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية يوسي كوبرواسر، “أوكرانيا يمكن أن تكون ساحة اختبار لإجراءاتنا المضادة”، بحسب ما ورد في تقرير “بلومبيرغ”.

غير أن كوبرواسر اعتبر أنه، “بينما يستعد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو للعودة إلى السلطة بعد فوزه في الانتخابات، لن تكون للحكومة الإسرائيلية التي يقودها، أولويات أمنية مختلفة بشكل كبير عن الإدارة الحالية”.

كما أنه في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، قال زيلينسكي، إنه “في تطور جديد، بدأت إسرائيل تبادل معلوماتها الاستخباراتية”، ورحب بما وصفه بالاتجاه “الإيجابي”، وقال حينها زيلينسكي في تصريحات صحفية “أنا سعيد أننا خلال الأيام القليلة الماضية بدأنا العمل”.

سفير أوكرانيا لدى إسرائيل، يفجن كورنيتشوك، أفاد من سفارة بلاده في تل أبيب الأسبوع الماضي، إن “التعاون الإيراني مع روسيا نعتبره تحولا كبيرا بالنسبة لنا”، مشيرا أنه يأمل بأن “تختار إسرائيل أن تكون في الجانب الصحيح من الحرب كدولة ديمقراطية”، قائلا إنه “في النهاية حدث ذلك لأن لدينا نفس العدو، وهو إيران”.

في هذا الإطار يرى المحلل السياسي والخبير في الشأن الروسي سامر إلياس، أن هناك مُحددات أساسية للطريقة التي تتعامل بها دولة إسرائيل مع الغزو الروسي لأوكرانيا، وأول وأهم محدد لها هو أمن إسرائيل، بأن لا تتأثر بعواقب هذه الحرب فيما يتعلق بالتنسيق مع الجانب الروسي في الملف السوري، خاصة بعد التدخل الروسي في سوريا عام 2015.

المُحدد الثاني وفق ما تحدث به إلياس لموقع “الحل نت”، هو قضية تتعلق بموقف إسرائيل من الحرب في أوكرانيا وعلاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الغربية، وبشكل عام تُصور إسرائيل نفسها على أنها جزء من دول “العالم المتحضر”، وهذا يملي عليها لأن تكون في مواقف أقرب للرؤية الغربية.

مسيرة إيرانية

أما المُحدد الثالث، فمن الأرجح أن الناطقين بالروسية ومن أصول الاتحاد السوفييتي السابق داخل روسيا منقسمون فيما بينهم، وليسوا جميعا يدعمون الغزو الروسي لأوكرانيا. وبحسب إلياس، أنه “في بداية الغزو رأينا صراعات وخلافات بين الناطقين باللغة الروسية، وبالتالي فإن التركيبة العرقية والناطقين باللغة الروسية منقسمون بين دعم روسيا وأوكرانيا. وعليه، وبناءً على هذه المحددات، فإن السياسة الإسرائيلية التي انتهجتها الفترة الماضية لن تتغير بشكل كبير. وقد نشهد بعض التصريحات الصحفية هنا وهناك تخفف من هذا الموقف”.

قد يهمك: مستقبل تحالف “كواد”.. عدوان صيني محتمل على الهند؟

لا دعم لأوكرانيا؟

في المقابل، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، يوم أمس الخميس، إن خطط إيران لتزويد روسيا أسلحة بينها طائرات مسيّرة وصواريخ بالستية في حربها ضد أوكرانيا هو أمر “غير مقبول”. وفي حين تتهم كييف والغرب، طهران بتزويد موسكو طائرات بلا طيار، وهو ما ينفيه البَلَدان.

ستولتنبرغ أفاد في مؤتمر صحافي في إسطنبول، “نرى إيران تعرض طائرات مسيّرة وتفكر في تسليم صواريخ بالستية لروسيا”، مضيفا “هذا غير مقبول. لا ينبغي لأي دولة أن تقدم الدعم لموسكو في هذه الحرب غير الشرعية”، مضيفا “في الأسابيع الأخيرة، شاهدنا العشرات من الطائرات بلا طيار والضربات الصاروخية في أنحاء أوكرانيا بما في ذلك على البنية التحتية الحيوية”.

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ “إنترنت”

كييف من جانبها تقول، إن نحو 400 طائرة إيرانية بلا طيار استُخدمت بالفعل ضد سكان مدنيين في أوكرانيا، وإن موسكو طلبت نحو ألفي طائرة. ورفضت طهران هذا القول.

في سياق احتمال دعم إسرائيل لأوكرانيا بالأسلحة التي طلبتها الأخيرة، يعتقد إلياس أنه لن يكون هناك دعم بالأسلحة الفتاكة وأن إسرائيل ستكتفي بسياستها الحالية، حتى لا تُغضب روسيا، ولكن يمكن أن تقوم تل أبيب بإقناع الغرب والولايات المتحدة، بأنها تفضل البقاء على الحياد لأسباب تتعلق بالوضع الداخلي لإسرائيل وخوفا على الجالية اليهودية في روسيا وأوكرانيا وعدم التّأثر بمواقفها.

قد يهمك: سيرغي لافروف في عمّان.. ما المصالح المشتركة بين روسيا والأردن؟

العلاقات بين إسرائيل وروسيا

مستشار وزير الدفاع الأوكراني يوري ساك قال، إن “أوكرانيا بحاجة إلى المساعدة في أقرب وقت ممكن لمواجهة الأسلحة الإيرانية”، وخلال الأسابيع الماضية صعّدت روسيا، هجماتها على أوكرانيا بعد تعرضها لسلسلة من الانتكاسات في ساحة المعركة في هجومها الذي استمر ثمانية أشهر، ما أدى إلى شن هجوم خاطف يهدف إلى تعطيل الكهرباء والتدفئة والبنية التحتية الأوكرانية قبل أشهر الشتاء.

بينما تنفي روسيا استخدام معدات إيرانية، ومن جانبها، تنفي إيران تزويد روسيا بها، كان المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي أكثر غموضا، فقد أقر في خطاب ألقاه الشهر الماضي بأن العالم كان قلقا بشأن بيع إيران للطائرات من دون طيار، وتفاخر بأن يُنظر إليها على أنها “خطيرة”.

أما إسرائيل فقد كانت مترددة من المشاركة بشكل أكبر بسبب الخوف من أن يكون لاستعداء موسكو تداعيات أمنية مباشرة في الشرق الأوسط وعلى اليهود الروس.

بالعودة إلى المحلل السياسي سامر إلياس، يرى أن الجانب المهم الذي يجب أن ينطلق الحديث منه، هو العلاقات القوية والتنسيق القوي الذي تمكّن نتنياهو من بنائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال الفترة الماضية، والإنجازات التي يتحدث عنها نتنياهو، حتى الآن تتلخص في أنه كان قادرا على بناء علاقات مهمة مع بوتين، وكيف تصدرت صورته مع بوتين الشوارع، لكنه اليوم لا يستطيع الكشف عن كل ذلك بوضوح، في ظل الخلافات والانقسامات الموجودة بين رأي الناطقين باللغة الروسية في روسيا تجاه الغزو الأخير لكييف.

لكنه يريد أيضا، وفق تقدير إلياس الحفاظ على هذه العلاقات، خاصة فيما يتعلق بالتنسيق الإسرائيلي الروسي تجاه الملف السوري، وعدم تمدد إيران نحو الجنوب والحدود السورية الإسرائيلية. كذلك، روسيا مهتمة أيضا بهذا التنسيق، لسببين هما العلاقة مع إسرائيل والأردن، حيث كانت هناك زيارة لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قبل نحو يومين إلى الأردن، وبالتأكيد كان هناك حديث حول الملف السوري ومسألة الضمانات الروسية بعدم امتداد إيران جنوبا على الحدود السورية الأردنية، وفق تعبير إلياس.

افتراضا وفي حال دعمت إسرائيل أوكرانيا بالسلاح المطلوب، فهذا يعني وفق تقدير إلياس، أن الجانب الروسي سيوقف التنسيق الإسرائيلي الروسي بشأن الضربات الجوية الإسرائيلية على سوريا، وكذلك دعم الحكومة السورية بدمشق في صد الغارات الإسرائيلية، ويمكن لموسكو أيضا إحداث تصعيد ضد إسرائيل في الأمم المتحدة، لكن مستبعدا أن تسمح روسيا بالتوسع الإيراني في سوريا.

هذا وتشن إسرائيل بشكل روتيني ضربات على سوريا في المناطق التي تسيطر فيها روسيا على المجال الجوي، لمنع إيران من إمداد وكلائها هناك. كما وهناك ما يُقدر بمليون يهودي يعيشون في روسيا والذين تشكل سلامتهم مصدر قلق أيضا، خاصة وأن العلاقات الروسية الإسرائيلية في أسوأ حالاتها منذ سنوات، بحسب “بلومبيرغ”.

إن الضربات الجماعية على أهداف أوكرانية بالطائرات من دون طيار الإيرانية، والتزويد المتوقع بصواريخ باليستية إيرانية لروسيا غيرت حسابات إسرائيل، وذلك مع تزايد القلق من أن التجربة الأوكرانية قد تسمح لإيران بصقل قدرتها على مهاجمة المدن الإسرائيلية. في حين أن إسرائيل لم تزوّد أوكرانيا، حتى الآن، إلا بالمساعدات الإنسانية والمعدات الدفاعية مثل الخوذات والسترات الواقية. وفقا لمسؤولين إسرائيليين سابقين وحاليين، فإنه بالنسبة لنظام إنذار مبكر يعتمد على التصميمات الإسرائيلية، يجب استخدام تكنولوجيا الرادار وبرمجياته. ويتطلب بيع مثل هذه التقنيات تصريح تصدير، وهي عملية معقدة تشمل عددا من الوزارات، بما في ذلك وزارة الدفاع.

الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف، وهو الآن مسؤول أمني كبير، حذر إسرائيل الشهر الماضي من تزويد أوكرانيا بالسلاح، قائلا إن مثل هذه الخطوة ستكون “طائشة” و”تدمر” العلاقات بين روسيا وإسرائيل.

بدوره، قال الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات التي تضغط من أجل اتخاذ تدابير أقوى لمواجهة إيران، ومقرها واشنطن، مارك دوبويتز في مقابلة في تل أبيب، إن “السؤال الحقيقي هو كيفية تقديم المساعدة لأوكرانيا بوجه الطائرات الإيرانية بطريقة لا تستفز الروس”.

غير أن العميد السابق في الجيش الإسرائيلي أمير أفيفي، أشار إلى أن “إسرائيل يمكن أن تزوّد الدول الأخرى التي تساعد أوكرانيا بالمعدات المضادة للطائرات من دون طيار والمضادة للصواريخ، ما يسمح بدوره لتلك الدول الثالثة بتقديم المزيد من ترساناتها الخاصة إلى كييف”، وقد أعطى أفيفي حلا على سبيل المثال، “وهو أن تقوم إسرائيل ببيع الأسلحة إلى ألمانيا ثم تقوم ألمانيا بتسليم مجموعة أخرى من الأسلحة لأوكرانيا، ففي هذه الحالة الأسلحة ليست إسرائيلية، ولن يكون هناك مشكلة مع روسيا”.

بنيامين نتنياهو “Getty”

على الرغم من كل هذه التوترات، إلا أن إسرائيل قالت إنها “لن تزوّد أوكرانيا بالأسلحة”، ولكنها عرضت في الآونة الأخيرة مساعدة الأوكرانيين في تطوير أجهزة إنذار من الضربات الجوية للمدنيين. واقتصرت مساعدتها لكييف على الإغاثة الإنسانية، مشيرة إلى رغبتها في استمرار التعاون مع موسكو بشأن جارتها سوريا التي مزقتها الحرب، وضمان رفاهية يهود روسيا. وعليه، وبناءً على كل ما ورد، فإن سياسة نتنياهو لن تتغير تجاه المعركة الدائرة في أوكرانيا منذ شهور، خاصة فيما يتعلق بتزويد كييف بالأسلحة الفتاكة، لكن إذا طرأت تغييرات في المشهد السياسي والميداني العام. قد تغيّر إسرائيل استراتيجيتها وتؤدي إلى تصعيد إسرائيلي ضد إيران وأذرعها بأساليب أخرى.

قد يهمك: ما وراء إعادة منصب نائب رئيس الجمهورية في العراق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.