اشتباكات جرت بين القوات الهندية والصينية على حدودهما المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، في أول حادث مُعلن بين القوتين الآسيويتين منذ ما يقرب من عامين، في الوقت الذي أعلنت الخارجية الصينية أن الوضع الحدودي “مستقر بالمجمل” في الوقت الراهن.

بحسب بيان للجيش الهندي، فإن جنودا من جيش “التحرير الشعبي” الصيني اقتربوا في التاسع من الشهر الجاري، من الحدود الافتراضية في قطاع تاوانغ في أروناتشال براديش، وهي ولاية تقع في أقصى شمال شرق الهند تطالب بها الصين، وأدى هذا الاشتباك إلى إصابات طفيفة لعدد قليل من الأفراد من كلا الجانبين، لكن سرعان ما انسحب الجانبان من المنطقة واجتمع القادة المحليون لبحث الخلاف.

الخلافات بين الطرفين متعددة وكثيرة، بحيث تدفع للتساؤل حول الأسباب، وطبيعة العلاقة بين الطرفين ومآلاتها المستقبلية.

أسباب الخلاف بين الصين والهند

تُعد الخلافات الحدودية بين الجانبين هي الأبرز والأكثر تداولا من الناحية الإعلامية، لكن في حقيقة الأمر هناك خلافات أخرى تعصف بهذه العلاقة بين الجانبين.

عامر تمام، الكاتب والباحث في الشأن الآسيوي، يوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن الخلافات بين الجانبين عديدة وكثيرة ومن أبرزها الجزء الحدودي، فهناك نحو 3800 كم بين الطرفين، وهي أطول حدود في العالم لم يتم ترسيمها بشكل رسمي ولا تزال محلا للنزاع.

الحدود الصينية الهندية “وكالات”

بحسب تمام، فإن أزمة الحدود تعود إلى فترة استقلال الهند عن بريطانية، حيث منحت بريطانية الهند هضبة على حدودها الشمالية الشرقية، والصين تعتبر أن هذه الهضبة مُلك لها، وتتنازعها مع الهند، ومن هنا بدأ الصراع حتى قامت الصين في عام 1962 بعملية عسكرية خاطفة استولت خلالها على جزء من هذه الهضبة، وحاليا الصين تدّعي أن لها 90 ألف كيلومتر مربع داخل الأراضي الهندية، والهند تدّعي أن لها نحو 39 ألف كيلومتر مربع داخل الأراضي الصينية.

في عم 1996 توصل الطرفان لاتفاق لإبقاء الأمور على ما هي عليه لحين التوصل إلى اتفاق نهائي، وبهذا الاتفاق تم الاعتراف بالأمر الواقع وأن هذه الحدود المؤقتة سيتم احترامها ويجب ألا تكون قوات الطرفين على جانبي الحدود مسلحة، لذلك يُلاحظ أنه عند حصول أي اشتباك بين الطرفين فإنه يتم باستخدام العصي والحجارة ولا يتم بالأسلحة النارية.

التوتر الثاني بين الجانبين، جاء في عام 2017 عندما بدأت الصين بشق الطرق على تلة استراتيجية قرب حدودها تُعرف بهضبة “دوكلام” والتي تربط بين أراض صينية وهندية وبوتانية، إلا أن تلك الواقعة انتهت بتراجع القوات من كافة الأطراف.

أيضا هناك قضايا أخرى تُعتبر أسبابا للخلافات بين الجانبين، من بينها قضية التيبت والدلاي لاما، الذي غادر الصين إلى الهند وهذا ما تعتبره الصين تدخلا في شؤونها الداخلية، وتتهم الهند بالسعي لخلق حالة من عدم الاستقرار، أضافة لذلك فهناك العلاقات الجيدة التي تربط الصين بباكستان العدو التقليدي للهند خاصة بعد أن مدّت الصين طريقا عبر باكستان في مبادرة “الحزام والطريق” في الجزء الباكستاني من كشمير، وهو ما تعتبره الهند مساسا بسيادتها بحسب تمام.

إقرأ:مستقبل تحالف “كواد”.. عدوان صيني محتمل على الهند؟

من جهة ثانية، فإن المنافسة التي تقوم بها الهند في مواجهة الصين تثير الأخيرة، فالهند تسعى لأن تكون الدولة الأكبر من حيث عدد السكان، وتسعى لجذب الاستثمارات الغربية في ظل التوتر ما بين الصين والغرب، فالهند تسعى لأن تكون البديل للصين.

الهند تهديد للصين؟

العلاقات بين الصين والهند تشهد توترا بسبب محاولات الصين احتواء الهند والحد من طموحاتها، كما تعارض الصين فكرة قيام الهند بدور أكبر في منطقة المحيط الهندي.

تمام يرى أن الصين تنظر إلى الطموحات الهندية على أنها تهديد لها، ولكن طبيعة التعامل الصينية عادة ما تكون غير ساعية للنزاع، وترغب الصين بحل النزاعات دون الدخول في أزمات أو صراعات كبيرة، لذلك تحاول إبقاء الأمور على ما هي عليه دون أن تتنازل ودون أن ينفجر الوضع ليحدث أزمة كبيرة.

الصين منذ قدوم الحزب “الشيوعي” الحاكم للسلطة تعمل وفق نهج التنمية السلمية، ولا ترغب بصدامات وحروب حتى على صعيد قضية بحر الصين الجنوبي وحتى بالنسبة للأزمة الأكبر بالنسبة لها وهي تايوان، فالصين تدير ملفاتها مع الهند بشكل لا يؤدي للدخول بحرب مع دولة نووية تُستنزف فيها قوتها واقتصادها، حسب تمام.

العوائق بين الصين والهند ومستقبل العلاقات بينهما

الهند تعتبر أن العلاقات بينها وبين الصين يجب أن تُبنى على مراعاة المصالح المشتركة وحل الخلافات العالقة منذ سنوات بينهما، ولا تعتبر اللقاءات السياسية مع المسؤولين الصينيين وعلى رأسهم الرئيس الصيني نموذجا كاملا لتطبيع العلاقات بينهما.

الحدود الصينية الهندية “وكالات”

في هذا السياق، يوضح تمام أن هناك علاقات بين الجانبين، وهي علاقات اقتصادية ودبلوماسية وتبادل للسفراء، وهناك مفاوضات مستمرة حول أزمة الحدود، ولكن في الوقت نفسه هناك خلافات كبرى بينهما على رأسها الأزمة الحدودية وكيفية حلها، وقضية كشمير وعدم اعتراف الصين بمبدأ الهند الواحدة أي الاعتراف بأن الجزء الباكستاني من كشمير هو تابع للهند، فالصين تعتبر باكستان شريكا استراتيجيا خاصة في مشروع “الحزام والطريق”، إضافة لأزمة التبت والدلاي لاما، فالأزمات بين الطرفين عصية على الحل، لكن الأمور الأخرى بين البلدين والخاصة بالتنافس، فهي أمور يمكن حلها من خلال إدارة هذا التنافس بشكل يضمن حقوق الطرفين.

أما حول مستقبل التوتر بين الجانبين، فالجانبان لا يرغبان بمزيد من التصعيد حتى على مستوى التوتر بين الصين والغرب، حتى أن الهند لم تدخل بمواجهة الصين في طرف الغرب، فالهند لها استراتيجيتها وسياستها المستقلة، فالطرفين يدركان بشكل كبير أن التوتر والتصعيد ليس في مصلحتهما، وأن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر ويجب التوصل لحلول حول المسائل الخلافية بشكل أو بآخر.

إذا سيستمر الوضع بين الجانبين وفق مبدأ إدارة الخلافات وتوتر من حين لآخر إذا ما تم التصعيد في أحد الملفات، لكنه لن يصل إلى مستوى صدام مباشر أو اندلاع حرب، والتنافس مستمر في أفغانستان وبحر الصين الجنوبي والممرات المائية وبعض دول “الآسيان” وغير ذلك، بحسب تمام.

تنافس كبير وصراع استراتيجي بين كبرى دول آسيا، وسط خلافات عميقة بينهما تتراوح بين التوتر والتصعيد حينا والهدوء حينا آخر، لكن الجانبين باتا يبرعان في إدارة ملفاتهما الخلافية بشكل يضمن مصالح كل منهما ولا يؤدي لأي تصعيد قد يؤدي لدمار البلدين.

إقرأ أيضا:أزمة سياسية بين الصين والهند.. ما علاقة سريلانكا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة