في ظل التحولات الإقليمية والعالمية الشاملة وموجة المشاكل الاقتصادية الكبيرة التي يمر بها الاقتصاد العالمي، والتي تسببت في اندلاع احتجاجات لم تقتصر على الدول الفقيرة فحسب، بل امتدت إلى عديد من دول العالم الأول، أثار الحضور الصيني مؤخرا في قمة مجلس التعاون الخليجي عدة تساؤلات حول هذا الحضور، وتداعياته في الوقت الذي تحاول فيه بكين التي تعاني من تراجع في النمو الاقتصادي. إقامة شراكات استراتيجية شاملة مع العالم العربي.

العاصمة السعودية الرياض، استضافت الأربعاء الفائت، أعمال القمة 43 لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، بحضور عدد من القادة العرب والرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث جاءت لمناقشة “سبل تعزيز العلاقات المشتركة في المجالات كافة، وبحث آفاق التعاون الاقتصادي والتنموي” مع بكين، وتوقيع اتفاقيات مع شركات تقنية صينية، حيث يطرح ذلك مزيدا من التساؤلات والشكوك حول قدرة بكين عل تنفيذ المتطلبات التي تم مناقشتها.

الشراكات الصينية الخليجية

لا يوجد  فرق في أن بكين، تهتم بدول مجلس التعاون الخليجي بشكل أكبر من إيران، حتى لو كان هناك اختلاف في الرؤى السياسية والأيديولوجية، هي تدرك أن أسواقها مهمة جدا على صعيد الطاقة، وأيضا على قدرة استهلاك المنتجات الصينية، وخاصة أن بكين  تعاني من أزمات اقتصادية متلاحقة مؤخرا وتسعى إلى تحسين وضعها بكافة الطرق، بحسب حديث الصحفي والمحلل الاقتصادي علي قيسية لـ”الحل نت”،  فالصين دولة براغماتية، تتعامل مع مختلف الأنظمة السياسية، فيما يخدم مصالحها، وهي تسعى في نهاية المطاف لتصريف سلعها، فضلا عن إحداث اختراق في مسائل تتعلق بخطوط التجارة العالمية، كما هو الحال بـ”حزام طريق الحرير الاقتصادي”، وهذه المبادرة لن تنجح إلا من خلال بناء علاقات واسعة مع دول مجلس التعاون الخليجي ودول المنطقة.

لكن في المقابل دول الخليج أصبحت أكثر خبرة في فهم التشابكات على صعيد العلاقات الدولية، وبالتالي هي لن تضع كل البيض في سلة الصين، بحسب قيسية،  فهي تقوم بتسيير علاقاتها مع الصين ضن حدود خدمة مصالحها أيضا، وهي تدرك بأن الصين أيضا لها تطلعات في المنطقة استراتيجيا ومستقبليا، ولديها أيضا رؤية معينة، لربما الخارجية الصينية تقوم على مبدأ “أن تغير الأوضاع هو من يخدم مستقبل الصين”، من خلال ترك الامور على حالها، ولربما يسقط النفوذ الغربي في المنطقة وما إلى ذلك، وبالتالي تصبح الصين هي القوة الرديفة الجاهزة، ولكنها في ذات الوقت لا تريد أن تنافس الولايات المتحدة الأميركية في هذا الشأن على الأقل، هي تنحوا باتجاه تدريجيا، بدون إحداث أي  نوع من الضجيج.

دول مجلس التعاون الخليجي، تنظر إلى دول آسيا، ليس إلى الصين فحسب إنما إلى الهند واليابان وغيرهما، على أنها مفتاح لمستقبلها الاقتصادي، حتى مع استمرارها في الاعتماد على الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى في الأمور ذات الصلة بالأمن والدفاع.

اقرأ أيضا: الصين والتوجه إلى الخليج عبر السعودية.. دور مثير للتساؤلات والشكوك؟

دول الخليج ترغب في تنويع علاقاتها تجنبا للاعتماد المطلق على الولايات المتحدة، واستكمال علاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن من خلال تطوير العلاقات مع القوى المتنافسة. فقد تمكنت دول الخليج حتى الآن من اتباع سياسة خارجية تتسم بالتوازن الدقيق، أي سياسة تطوير علاقاتها الاقتصادية مع الصين مع الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، بحسب موقع “اندبندنت عربية”.

فيما يتعلق بملف الطاقة والتأثير العربي الخليجي ولا سيما السعودي، يقول الخبير في قضايا جيوبوليتيك العالم المعاصر وليد الأيوبي، خلال حديثه لـ”الحل نت”، إن موقف السعودية التاريخي لطالما كان مائزا وراديكاليا من الغرب الذي احتكرت شركاته مدة طويلة هذا القطاع انتاجيا وتكريرا وتسويقا، ومن أبرز الدلالات سياسة التأميم التي سادت على أوسع نطاق ممكن في السعودية والكويت وغيرها من دول الخليج، إذا هناك تقاطع موضوعي بين السعودية والصين في هذا المضمار، تقاطع يتخذ تدريجيا شكلا استراتيجيا كلما ازداد الضغط الاميركي على الرياض.

الحضور الصيني في الخليج، بحسب الأيوبي، يحمل بُعدا استراتيجيا، في ظل حماوة الصراع بين الغرب بقيادة واشنطن والشرق بقيادة الصين، حيث أن الخليج على وجه التحديد، والشرق الأوسط عموما يشكلان مجالا حيويا في هذا الصراع، تتقاتل للسيطرة عليه القوى العظمى. لكن الموقف الأميركي من الرياض، يتحرك وفقا لموازين القوى الداخلية في الولايات المتحدة، في ظل الجمهوريين قد يتغير الموقف بعض الشيء، وتتبدد الضغوط.

اعتماد الصين على الطاقة من الخليج ليس جديدا، ففي السنوات ما بين 1993 و1998 كان شركاء الصين الرئيسين في استيراد النفط، هم عمان واليمن وإيران والسعودية إلى جانب روسيا وإندونيسيا. لكن منذ عام 2000، ازدادت الحاجة الصينية إلى النفط وارتفعت أهمية دول الخليج بالنسبة إلى أمن الطاقة في الصين، إذ تستورد بكين 70 في المئة من استهلاكها النفطي من الخليج.

الشركات الصينية والسعودية وقّعت الأربعاء الفائت، 34 اتفاقية استثمارية في الطاقة الخضراء، وتكنولوجيا المعلومات، والخدمات السحابية، والنقل والبناء، وقطاعات أخرى بقيمة حوالي 30 مليار دولار، حيث تسعى الصين إلى النهوض باقتصادها الذي تضرر بفعل جائحة “كوفيد – 19″، بينما تتطلع الرياض إلى تنويع تحالفاتها الاقتصادية والسياسية، بحسب وكالة الأنباء السعودية “واس”.

في ضوء المشاركة السياسية المتزايدة للصين في الشرق الأوسط، ربما يثير ذلك تحديات مرتبطة بعلاقة كل من الصين بإيران وعلاقة الخليج بالولايات المتحدة.

العلاقات الصينية الإيرانية

العلاقات بين بكين وطهران، ملتبسة وغير واضحة رغم اجتهاد الطرفين في توضيحها دائما، بحسب حديث الصحفي والمهتم بالشأن الاقتصادي، محمود جمعة، لـ”الحل نت”، حيث أن الصين تنظر إلى إيران بوصفها شركةً أمنيةً في المنطقة وصالحةً للاستثمار، وطالما أنها تقف ندّاً لأميركا فلا مشكلة للصين معها.

قد يهمك: أسوأ انكماش منذ سنوات.. هل يستمر هبوط التجارة الصينية؟

إيران تمر بأشرس جولة من الاحتجاجات، وقد تنتهي أو تطول، لكن نظام طهران تعرض إلى هزات عنيفة، ويعاني كثيرا من المشاكل التي لا وقت لذكرها، لكن بالمجمل، الصين ماضية في مشاريعها مع العرب بقيادة السعودية، ونجاح هذه المشاريع، هو الذي سيحدد شكل العلاقة الصينية الخليجية الإيرانية، وفق جمعة، لأن الأمر برمته متعلق بمعادلات اقتصادية وسياسية وأمنية، إيران طرف لم يعد قويا في المنطقة، فقد أنهكتها العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية، بالتالي، هي مجرد رقم أمام الصين، يمكن التخلي عنه في حال ضمان مورد عربي خليجي جديد.

الصين تنظر إلى الخليج كسوق محتملة للاستثمار، نظرا لمركزية دول الخليج بالنسبة إلى المصالح الصينية في الشرق الأوسط، في المقابل، ترى دول الخليج فائدة في ربط مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، بإصلاحاتها الهيكلية، مثل رؤية السعودية 2030، وبالتالي مفتاح لمستقبلها الاقتصادي، إلا أن مراقبون يشككون بشأن نوايا بكين، فيما إذا ستبقى شريكا موثوقا لدول الخليج.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.