بات من اللافت خلال السنوات الأخيرة الاستخدام المفرط والمتزايد، للطائرات المسيرة أو ما يطلق عليها طائرات من دون طيار، حيث أضحى استخدامها لأكثر من مجال، ورغم أن الاستخدامات الأولى لها اقتصرت على الأغراض البحثية والعلمية والبيئية، إلا أنه ومع مرور الوقت ومع كل ما جرى من تطورات على الساحة الدولية خلال السنوات العشر الأخيرة، تطور استخدام هذه الطائرات لأغراض أخرى وصلت إلى حد استخدامها في تهريب المخدرات.

بحسب تقرير لـ”الإنتربول” الدولي تزايد استخدام الطائرات المسيرة في السنوات الأخيرة، ووظفها البعض في القيام بأعمال غير مشروعة مثل انتهاك الخصوصية والعمليات الإرهابية وتعطيل البنى التحتية الحيوية، ومن الأمثلة الشائعة على ذلك نقل بضائع مهربة إلى داخل مناطق محظورة، مثل السجون، وكذلك استخدامها لجمع معلومات استخبارية، أو تهريب المخدرات، ما ينذر بتحديات جديدة للمستجيبين في أجهزة إنفاذ القانون وصولا إلى الخبراء في مجال التحقيق الرقمي.

إذ أصبح تهريب المخدرات بواسطة الطائرات المسيرة مؤخرا، يشكل تهديدا كبيرا لدول المنطقة وخاصة للخليج العربي، حيث يمكن لهذه الطائرات بعد إجراء بعض التعديلات عليها تجاوز أجهزة الأمن والرقابة، ونقل كميات كبيرة من المخدرات بسرعة وسهولة، مما يؤثر سلبا على الصحة العامة والأمن الوطني للدول المتأثرة. كما يزيد أيضا من التحديات التي تواجهها الدول في مكافحة المخدرات، حيث يصعب كشف وملاحقة هذه الطائرات والتصدي لها بسهولة، بسبب سرعتها وارتفاعها، مما يتطلب تكثيف الجهود الأمنية والتعاون الدولي لمواجهة هذه التهديدات.

لذلك، يرى مراقبون بأنه يتعين على دول الخليج العربي وعلى مستوى العالم بشكل عام، تكثيف الجهود لمنع تهريب المخدرات بواسطة الطائرات المسيرة، وتعزيز التعاون الدولي في مكافحة الجريمة المنظمة وتطوير التقنيات اللازمة لرصد وتتبع هذه الطائرات.

عمليات تهريب متتالية

منذ سنوات تخوض السلطات الأردنية مواجهات مع عصابات تهريب المخدرات القادمة عبر الحدود السورية، حيث أصبحت الأردن معبرا للمخدرات باتجاه دول الخليج وغيرها، وتعلن عمان بين فينة وأخرى نجاحها في إحباط محاولات تهريب وتجارة المخدرات من خلال منع حالات التسلل، ورصد أوكار التخزين والتوزيع داخل أراضيها عبر مداهمات أمنية واعتقالات.

الحدود الأردنية السورية/getty- AFP
الحدود الأردنية السورية/getty- AFP

في تشرين الأول/أكتوبر 2021، أعلن الأردن إحباط محاولة تهريب مخدرات بواسطة طائرة مسيرة “درون” قادمة من الأراضي السورية، لتتوالى بعدها بيانات إسقاط مزيد من تلك المسيّرات، وصرّح مصدر مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، بأنه “من خلال الرصد والمتابعة تمت السيطرة على الطائرة وإسقاطها، وبعد تفتيش المنطقة عثر على كميات من المواد المخدرة”، بحسب موقع “الخليج أونلاين”.

على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، استطاع الجيش الأردني إحباط مئات عمليات تهريب المخدرات، وصادر مئات آلاف المواد المخدرة، معظمها من حبوب “الكبتاغون”، التي تعد سوريا وحلفاؤها أبرز مصدّريها، وحذّر الجيش الأردني من أن عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود السورية الأردنية باتت منظمة؛ بعدما أضحت تستعين بالطائرات المسيرة وتحظى بحماية المليشيات المسلحة.

بدوره يقول الصحفي عبد الغني العريان في حديثه لـ”الحل نت” بأن المهربون يستخدمون وسائل متنوعة وكثيرة لتهريب المخدرات منها ما اكتشف ومنها ما تزال مجهولة إلى الآن، لكن أنجحها كانت الطائرات المسيرة، لسببين السبب الأول أنها لا تتواجه مع حرس الحدود الأردني وجها لوجه أي أنها لا تمر بحواجزهم.

 السبب الثاني أنها الأقل تكلفة أي أن ثمنها يدفع مرة واحدة فقط بخلاف طرق التهريب الأخرى سواء بالحلويات أو الحيوانات أو الفواكه، وفق العريان، إضافة لأنها الأسرع أي خلال دقائق قليلة تصبح آلاف الغرامات أو الحبوب ضمن الأراضي الأردنية، أي يمكن أن تتكرر عملية التهريب بالطائرات المسيرة باليوم الواحد عشرات المرات.

العريان يضيف هنا، بأن الطائرات المسيرة التي يتم التعديل عليها لتصبح غير مرئية للرادارات أو أجهزة الاستطلاع وتجهز لتهريب المخدرات، ستغزو الخليج العربي وربما العالم حتى، إذ إن المهربين يأخذون مراكز متنقلة من سوريا إلى الأردن ومن الأردن إلى دولة مجاورة أخرى، وفق تعبيره.

استهداف الخليج

السلطات الأردنية تؤكد بأنها تعمل على منع تحويل أراضيها إلى ممر لعبور المواد المخدّرة، حيث إن 85 بالمئة من المخدرات التي تضبط معدة للتهريب إلى خارج البلاد، ويؤكد مراقبون أن معظم المواد المخدرة التي تضبط في الأردن هي مهيأة لإعادة التصدير إلى دول الخليج وغيرها، بحسب ما نقله موقع “فرانس 24”.

حول ذلك يقول رئيس الجمعية الأردنية لمكافحة المخدرات موسى الطريفي في حديثه لـ”الحل نت” إن هناك تعاون دولي و استخباراتي متواصل بين الأردن والسعودية، إذ يجب تطوير و تعميق هذا التعاون و دعم الأردن ماديا و لوجستيا كونه يشكل خط الدفاع الأول عن دول الجوار خصوصا دول مجلس التعاون الخليجي و السعودية تحديدا، لأن غالب المواد التي تضبط تكون في طريقها إليها.

الطريفي يضيف أن ما يضبط من المخدرات المهرّبة إلى الأردن لا يتجاوز 50 بالمئة، وهذا يعني أن البلاد تبقى معبرا لإيصال المخدرات إلى الدول الأخرى، حيث تبذل الحكومة الأردنية جهودا كبيرة في مكافحة هذه الظاهرة وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال.

إضافة إلى ذلك، فإن دول الخليج والأردن تتعاون بشكل وثيق في مجالات عدة، بما في ذلك مكافحة الجريمة المنظمة، ويمكن أن تشترك الدول في هذا المجال أيضا من خلال التعاون والتنسيق المشترك لمواجهة تهديد المخدرات. من المهم الإشارة إلى أن التعاون الدولي في مجال مكافحة المخدرات هو مسؤولية مشتركة بين جميع الدول، ويجب على جميع الدول العمل معا، بحسب الطريفي.

في سياق ذلك، شهدت العلاقات الخليجية الأردنية تعاونا كبيرا في مجال مكافحة المخدرات، حيث تقوم دول الخليج بتقديم الدعم اللوجستي والمالي للأردن لتمكينه من تعزيز قدراته في مواجهة هذه المشكلة، على سبيل المثال، تعاونت السلطات الأردنية مع شرطة دبي في العام 2019 لإحباط عمليات تهريب المخدرات، وفي العام 2021، قامت دولة الإمارات بتقديم مساعدات عينية ومالية للأردن لتمكينه من تعزيز جهوده في مكافحة المخدرات.

مصادر مطّلعة ترجح وجود تنسيق بين الأجهزة الأردنية المختصة ودول الخليج لمكافحة تهريب المخدرات عبر الأراضي الأردنية؛ وسط مطالبات من دول المنطقة والمجتمع الدولي لمساعدة الأردن في هذه المواجهة.

مضاد للطيران المسيّر

على الرغم من تغيير قواعد الاشتباك، وتصعيد نيرانه تجاه المهربين وقتل المئات منهم، وجد الجيش الأردني نفسه أمام تحدّ جديد تمثل باستخدام المهربين طائرات مسيّرة في عمليات التهريب، فضلا عن تقنيات وآليات حديثة، الأمر الذي دفعه إلى الإعلان عن تطوير نظام مضاد للطيران المسيّر قادر على اكتشاف الأهداف على بعد كيلومترات عدة، والسيطرة عليها وإسقاطها، كما تم الكشف عن صناعات عسكرية أردنية متطورة، تشمل آليات ومدرعات يصدّر كثير منها للخارج، بحسب ما نقله موقع  صحيفة “إندبندنت عربية”.

عمان أعلنت للمرة الأولى عن تطوير نظام مضاد للطيران المسيّر “أنتي درون” من قبل المركز الأردني للتصميم والتطوير، بحيث أصبحت القوات الأردنية المسلحة قادرة على اكتشاف ومواجهة الطائرات المسيّرة متى ما دخلت ضمن نطاقها من خلال أجهزة تشويش خاصة، ما يساهم في التقليل من عمليات التهريب بواسطتها.

الإعلان عن المنظومة الدفاعية الأردنية يأتي بموازاة انطلاق مسابقة المحارب الدولية الـ12 لتدريب القوات الخاصة، بمشاركة 40 فريقا يمثلون 25 دولة، بهدف رفع مستوى الكفاءة والجاهزية لدى هذه القوات، وبما يسهم في تعزيز قدرتها وفاعليتها لتلبية المتطلبات العملياتية ومواجهة التهديدات المحتملة، وفقا لمدير عام مركز الملك عبدالله الثاني لتدريب العمليات الخاصة، العميد الركن رعد عبد الحميد.

في الأثناء، يبرز حجم تطور الصناعات العسكرية الأردنية داخل المركز الأردني للتصميم والتطوير التابع للقوات المسلحة، الذي يصنع الأسلحة والذخائر والأنظمة القتالية البرية وتكنولوجيا المستقبل ومعدات القوات والإلكترونيات والبصريات.

الطريفي يعلق هنا بأن مواجهة التهريب بالطيران المسير، يتوجب تطوير الأنظمة الأمنية الحديثة والتقنيات الحديثة في مكافحة التهريب، وذلك عبر تحديث الأجهزة والمعدات الأمنية واستخدام التقنيات الحديثة في عمليات الكشف والمراقبة، إلى جانب تعزيز التعاون والتنسيق الأمني بين الدول المستهدفة وخاصة الخليج العربي، لتبادل المعلومات الاستخباراتية والخبرات والتجارب في هذا المجال.

تراجع ملحوظ

تقارير صحفية كشفت عن تراجع ملحوظ في عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود السورية الأردنية في الآونة الأخيرة، حيث كان الأردن يُستخدم منطقة انطلاق لشحنات المخدرات المهربة من سوريا باتجاه دول الخليج، ويعزو تقرير نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، في 23 نيسان/ أبريل 2023، هذا التراجع إلى توجه عديد من الدول العربية إلى إعادة ترميم علاقاتها مع الحكومة السورية والتقارب معها.

طائرة درون/شفق نيوز
طائرة درون/شفق نيوز

الصحيفة نوّهت في تقريرها بأنه في الفترة التي سبقت التقارب العربي مع دمشق، أي ما قبل وقوع الزلزال المدمّر، في 6 شباط/فبراير الماضي، كانت الحدود السورية الأردنية تشهد نشاطا كبيرا بعمليات تهريب المخدرات عبر بادية السويداء باتجاه الأردن ودول الخليج العربي.

أخيرا يرى مراقبون بأن التنسيق الأمني بين الأردن ودول الخليج من جنب، والتقارب السعودي السوري من جنب آخر، قد يساعد على تراجع عمليات تهريب المخدرات بالطائرات المسيرة، فالتنسيق الأمني والتعاون بين الدول يمكن أن يساعد في تعزيز الجهود الأمنية وتحسين القدرات الأمنية لمكافحة التهريب، كما يمكن أن يتضمن تبادل المعلومات الاستخباراتية والتجربة والخبرات في هذا المجال.

إلى ذلك، يمكن أن يسهم التقارب السعودي السوري في تحسين الأوضاع الأمنية في المنطقة، وبالتالي ينعكس ذلك على عمليات تهريب المخدرات والحد منها بشكل كبير، ومن المهم أن يتم تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول لتحقيق هذه الأهداف، ويجب أن يكون التصدي لتهريب المخدرات والمخاطر الأمنية المتعلقة بها من أولويات هذا التعاون.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة