في الوقت الذي يسود فيه الجمود بين الجزائر والمغرب على خلفية العديد من الملفات العالقة، ولاسيما قضية الخلاف حول الصحراء الغربية التي تطالب الرباط بالسيادة عليها، والجزائر التي تدعم الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب “البوليساريو” التي تطالب باستقلال المستعمرة الإسبانية السابقة عن المملكة؛ جاءت زيارة المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، إلى الصحراء الغربية، لتحرك الماء الراكد بين أطراف النزاع.

دي ميستورا وهو المبعوث الأممي الخاص بالصحراء الغربية، وصل إلى مدينة العيون لإجراء مشاورات “مع كل الأطراف المعنية” في النزاع حول الصحراء الغربية، وذلك في أول زيارة له منذ تعيينه في هذا المنصب قبل عامين، حسبما أعلنت “الأمم المتحدة” في بيان لها، الاثنين الماضي، وبعد ما كان قد أجرى أول جولة له في المنطقة في كانون الثاني/يناير، حين زار الرباط وموريتانيا والجزائر وتندوف.

زيارة المبعوث الأممي، التي يفترض أن يجري خلالها عدة زيارات في المنطقة وعقد لقاءات مع كل الأطراف المعنية بالقضية، جاءت قبيل نشر تقرير الأمين العام إلى “مجلس الأمن” الدولي في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، حيث يأمل دي ميستورا من هذه الزيارة أن تدفع قدما بطريقة بناءة العملية السياسية حول الصحراء الغربية، وهذا ما طرح العديد من التكهنات حول إذا ما ستكون زيارة فعالة أم لا، بخاصة في ظل ما تشهد علاقات الرباط والجزائر من توترات حادة.

زيارة في خضم التوترات بين الجزائر والمغرب

هذه الزيارة الأممية الأولى من نوعها، تأتي بعد أن كان المبعوث الأممي قد أجرى مطلع تموز/يوليو الماضي، زيارة إلى الرباط للقاء مسؤولين مغاربة، في وقت تخلى فيه عن زيارته إلى الصحراء الغربية، على أمل أن يتمكن من القيام بذلك في وقت لاحق، وهي الزيارة التي يجريها في الوقت الحالي، دون توضيح كم سيستغرق فيها، وما الذي يتضمنه برنامجها.

المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية ستافان دي ميستورا أثناء جولته في الصحراء/ إنترنت + وكالات

ذلك يأتي، بينما تمر العلاقات الجزائرية المغربية في أسوأ مراحلها، منذ أن قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في آب/أغسطس 2021، على خلفية النزاع حول الصحراء الغربية التي تسيطر المغرب على نحو 80 بالمئة من مساحته، والتي بدأ النزاع بشأنها في سبعينيات القرن الماضي، عندما نظمت المغرب “المسيرة الخضراء” تجاه الصحراء في عام 1974، قبل أن يتم الإعلان عن قيام ما يعرف بـ“الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” بدعم من الجزائر في عام 1976، ليشتعل الصراع.

إلى جانب التوترات مع الجزائر، فإن الزيارة الأممية تأتي بينما تعمل الرباط تدريجيا طيلة الفترة الماضية على كسب تأييد دولي من أجل سيادتها على الصحراء الغربية، وذلك وسط محاولات عزل جبهة “البوليساريو”، شيئا فشيء عن المشهد العالمي، من خلال توطيد علاقاتها بالنظام الدولي. فمن أوروبا والولايات المتحدة الأميركية إلى إفريقيا، تواصل الرباط تأكيد سيادتها على الصحراء الغربية، التي تسعى “البوليساريو” المدعومة جزائريا لتحريرها مما تصفه استعمارا مغربيا.

وسط ذلك، لم تتوقف التكهنات حول مآلات الزيارة الأممية الأولى من نوعها، منذ الإعلان عن وصول دي ميستورا إلى المنطقة، وإذا ما ستتمكن من دفع عجلة المفاوضات ما بين أطراف النزاع، أم أنها ستبقى في إطارها الروتيني، وذلك لما تتطلبه القضية من عمل سياسي دؤوب يكسر الجمود ما قبل التوجه إلى طاولة الحوار.

في هذا الصدد، يقول الباحث والكاتب المغربي إدريس عدار، في حديث مع موقع “الحل نت”، إن زيارة ستيفان دي ميستورا، المبعوث الأممي، إلى المنطقة تبقى ذات طابع روتيني كما هي عادة كل المبعوثين السابقين، حيث يتم تنظيم زيارات قبيل تقديم الأمين العام لـ “لأمم المتحدة” تقريره السنوي، الذي على ضوئه يتم بناء موقف من بعثة “المينورسو”، المكلفة بتنفيذ وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة “البوليساريو”.

الجديد في الزيارة، كما يرى عدار، أن دي ميستورا يزور الصحراء المغربية لأول مرة منذ تعيينه، قصد الاستماع إلى المجتمع المدني وعلى رأسهم المنتخبون في إطار المؤسسات المغربية وبعض المحسوبين على “البوليساريو”، ولكن عمليا الزيارة تبقى شكلية لأن الأساس هو أن يلتقي الأطراف المعنية بالنزاع وهي المغرب والجزائر وموريتانيا و”البوليساريو”.

مستجدات ملف الصحراء الغربية

عدار لفت إلى أن، تحريك الزيارة للمياه الراكدة فيما يخص قضية الصحراء الغربية يبقى غير ممكن في الوقت الراهن، لأن القضية مرهونة بما تفرزه التحولات الإقليمية والدولية، حيث لا يمكن فصله عن السياق الدولي سواء من حيث نشأته أو من حيث توظيفه في الأجندات المتعددة، بإشارة لما يشهده العالم من تغيرات وإعادة رسيم لخارطة النظام الدولي.

جبهة “البوليساريو”/ إنترنت + وكالات

الباحث والكاتب المغربي، أشار إلى أن العودة إلى طاولة المفاوضات يمثل خيارا لا بديل عنه، إذ لا يمكن حل أي نزاع دون الجلوس للحوار، غير أن الجزائر و”البوليساريو” لا يزلن متشبثتان بخيار تقرير المصير عن طريق الاستفتاء، على الرغم من أنه منذ العام 2004  كان جيمس بيكر المبعوث الأممي، قد أكد في تقريره استحالة إجراء ذلك الاستفتاء، نظرا إلى استحالة تحديد هوية من يحق له أن يشارك في هذا الاستحقاق.

بالتالي، بحسب عدار، أن هذه الحالة، تفرض على أطراف النزاع اقتراح أشكالا أخرى للحل السياسي بعيدا عن مسألة تقرير المصير، مبينا أنه استجابة لهذه الدعوى اقترح المغرب سنة 2007 وثيقة للحكم التي لا تزال تحظى بدعم أممي حتى الآن، لذا أنه على مستوي زيارة المبعوث الأممي، قد لا يكون لها نتائج حالية باعتبارها زيارة إدارة تهدف إلى إنجاز تقرير، وذلك في انتظار تحولات أخرى وتغير قناعات بعض الأطراف حتى يمكن الجلوس لطاولة الحوار على أساس البحث عن حل بديل.

بيد أن عدار، لا ينفي وجود بعض العناصر المستجدة في هذا الملف، وهي تخلي مجموعة من الدول الإفريقية عن دعم “البوليساريو” وعودة المغرب لـ “لاتحاد الإفريقي” وإعلان بعض الدول الأوروبية الفاعلة دعمها لمقترح الحكم الذاتي، أو الحل السياسي المتفاوض حوله، غير أن السياق العام وخيار التوتر في المنطقة لا يفيد أن هناك تحولات في الأفق، خصوصا وأن كثيرا من الأطراف الدولية مستفيدة من النزاع سواء من حيث نهب خيرات المنطقة أو بيع السلاح.

إلى ذلك، تتفق الباحثة في العلوم السياسية بجامعة “محمد الخامس” في الرباط، شريفة لموير، مع هذا الرأي، قائلة إن زيارة المبعوث الأممي للصحراء الغربية تدخل في خانة الزيارات الروتينية خاصة إنها تندرج في سياق الإعداد لتقرير الأمين العام حول قضية الصحراء المنتظر عرضه في “مجلس الأمن” الدولي في تشرين الأول/أكتوبر القادم.

لموير أشارت في حديث لموقع “الحل نت”، إلى أن الجزائر تلعب دورا سلبا في قضية عودة أطراف النزاع حول الصحراء الغربية، إلى طاولة الحوارات، وهذا يعد سببا في إفقاد زيارة دي مستورا لفعاليتها، مؤكدة أن تفعيل آلية الحوار والمفاوضات سوف تشكل بادرة إيجابية في ملف النزاع حول الصحراء الغربية.

زيارة تتطلب مجهود

مع ذلك، أن لموير، تعتقد أن زيارة المبعوث الأممي لن تكون خالية الوفاض، لاسيما إذا ما عمل على برمجة زيارته إلى الأقاليم الجنوبية بالتزامن مع لقاءات بمختلف فاعلي المجتمع المدني وكذا مسؤولي المنطقة ومنتخبيها، حيث سوف يكون له وقع كبير خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من تطور في البنى التحتية والتنمية التي تشهدها المنطقة الجنوبية.

جانب من الصحراء الغربية/ (رويترز) + إنترنت

الخلاف بين “البوليساريو” والرباط، يتمحور حول قضية الصحراء الغربية، وهي منطقة شاسعة تقع شمال غربي إفريقيا ومساحتها حوالي 266 ألف كيلومتر مربع، ويدير المغرب نحو 80 بالمئة منها والباقي تديره جبهة “البوليساريو”.

هناك في الصحراء الغربية التي يشتعل الصراع حولها ما بين “البوليساريو” والمغرب، والجزائر من جانب آخر، يوجد بحسب التقديرات، حوالي نصف مليون، يتوزعون على المدن الرئيسية في المنطقة، التي خضعت للاستعمار الإسباني في الفترة الممتدة من 1884 إلى 1976، قبل أن يشتعل الصراع عليها من قبل المغرب و”البوليساريو”.

“البوليساريو”، هو اسم تمّ انتقاء حروفه الأولى لعبارة اسبانية تعني “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”، وتأسست الجبهة في 20 أيار/مايو 1973 بهدف إقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية بدعم من الجزائر، الأمر الذي فتح الباب على النشاط العسكري لـ “البوليساريو” التي تلقت الدعم من قبل الجزائر وليبيا، أثناء الإستعمار الإسباني للمنطقة.

جبهة “البوليساريو”، تسعى إلى استقلال الصحراء الغربية عن المغرب الذي سيطر على المنطقة الصحراوية الشاسعة منذ انسحاب إسبانيا عام 1975، إئ تعتبرها جزءا لا يتجزأ من أراضيها، في حين تقول الرباط إن أقصى ما يمكن أن تقدمه كحل سياسي للنزاع، هو الحكم الذاتي.

لكن في مقابل ذلك، ترفض جبهة “البوليساريو”، وحليفتها الجزائر، ذلك، وتقولان إنهما تريدان إجراء استفتاء على أن يكون استقلال الصحراء الغربية أحد الخيارات، بيد أنه حتى الآن، قد فتحت نحو 16 دولة إفريقية إلى جانب الإمارات، قنصليات في الصحراء الغربية، فيما كشفت الأردن والبحرين وهايتي النقاب عن خططها لفتح قنصليات قريبا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
1 تعليق
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات
مقاتل علي
7 شهور

يقول مثل اسباني ( الغبي لا يربح ابدا) بدليل أن الصحراويون الآن وصلوا نقطة الهدف وعلى جميع واجهات الصراع احب وكره من كره معززين بشرعية مطالبهم و تمكنهم من استصتدار احكام قانونية أفريقية واوروبيه وحتى من وعضوية بلدهم المؤسس في الاتحاد الافريقي وهم ليسوا في حاجة حتى للولايات المتحدة أو اسرائيل لكي يتمكنوا نيل حقهم لان ما يروج له الاحتلال المغربي من أن الرئيس السابق اترامب قد غرد له بانه يمنحه سيادة على ملك غيره وهذا غباء وليس جديدا على نظام الحكم في المغرب أن يغري مثال ذالك الشخص غير المتوازن تماما مثل صديقه رئيس نظام جنوب افريقيا العنصري البائد الذي كان يدعمه بالمال والسلاح ، وهو الآن يحتمي خلف كيان الاحتلال الاسرائيلي العاجز عن حماية نفسه الذين يمارس القتل والاضطهاد ضد اخواننا الفلسطينيين ويحتل ارضهم ويحطم بيوتهم فوق رؤوسهم .