في خضم تزايد التهديدات الصينية في المحيط الهندي والمحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي، والتي باتت تهدد المصالح الأميركية، والفلبين وتايوان، وكوريا الجنوبية، وكندا مؤخرا، الأمر الذي يدفع العديد من البلدان، وأبرزها الولايات المتحدة، إلى اتباع استراتيجيات من شأنها مواجهة المخاطر المحتملة القادمة من الحزب “الشيوعي” الصيني، مما يعزز احتمالية دخول كلّا من الولايات المتحدة والصين في مسار تصادمي أكثر من أي وقت مضى، حيث دفعت ديناميكية الفعل ورد الفعل صنّاع السياسة في كِلا البلدين إلى تعريف النجاح بشكل متزايد من خلال القدرة على إحباط الآخر، وإذا لم يتم كبح جماح هذا التصعيد، فقد يؤدي ذلك إلى أزمة حول بحر الصين الجنوبي.

من هذا المنطلق، يجدر التساؤل عما إذا كان بحر الصين الجنوبي سيصبح النقطة المحورية للصراع والمواجهة بين الصين والولايات المتحدة، وأسئلة أخرى حول أشكال المواجهة بين البلدين، وما إذا كانت ستتحول إلى مواجهة إقليمية ودولية، وأخيرا تداعياته على الصين ودول المنطقة والعالم ككل.

وقف تمدد الصين؟

في أحدث محطات المواجهة، قال الجيش الصيني، يوم أمس الثلاثاء، إنه أبعد طرادا أميركيا مسلحا بصواريخ موجهة دخل بشكل غير قانوني، المياه بالقرب من جزر سبراتلي في بحر الصين الجنوبي. وأفاد تيان جونلي، المتحدث باسم قيادة المنطقة الجنوبية في جيش “التحرير الشعبي” الصيني، بأن “تصرفات الجيش الأميركي انتهكت بشكل خطير سيادة وأمن الصين”، مضيفا أن “بكين تتمتع بسيادة لا جدال فيها على جزر بحر الصين الجنوبي والمياه المجاورة لها”.

بحر الصين الجنوبي “إنترنت”

هذا وكان الطراد الأميركي ” “يو إس إس تشانسيلورزفيل”، وهو طراد صواريخ كروز موجهة، قد أبحر في وقت سابق عبر مضيق تايوان.

في رد واشنطن على ادعاءات صينية، رفضت البحرية الأميركية، يوم أمس الثلاثاء، اعتراضات بكين على ما تسميه الولايات المتحدة “عملية حرية الملاحة” التي تجريها بالقرب من جزر تسيطر عليها الصين في بحر الصين الجنوبي.

كما ودحض الأسطول السابع في البحرية الأميركية، في بيان اعتراضات الصين على المهمة التي تمت أمس الثلاثاء، واصفا إياها بأنها “الأحدث في سلسلة طويلة من الإجراءات التي تتخذها الصين لتشويه صورة العمليات البحرية الأميركية المشروعة، ولتأكيد مطالباتها البحرية غير المشروعة” في بحر الصين الجنوبي، وفقا لما نقلته وكالة أنباء “أسوشيتد برس“.

البحرية الأميركية، أضافت أن مطالبات الصين البحرية الكاسحة تشكل تهديدا خطيرا لحرية الملاحة والتحليق، والاقتصاد والتجارة الحرة للدول المطلة على بحر الصين الجنوبي، مشيرة أنه “ما دامت بعض الدول تستمر في فرض قيود على الحقوق التي تتجاوز سلطتها بموجب القانون الدولي، فإن الولايات المتحدة ستواصل الدفاع عن الحقوق والحريات البحرية المكفولة للجميع”. وقالت البحرية، إن الطراد الصاروخي الأميركي الذي أبحر في بحر الصين الجنوبي أمس الثلاثاء، “أكد الحقوق والحريات الملاحية في المنطقة بما يتوافق مع القانون الدولي”.

في السياق ذاته، الكاتب والمحلل السياسي، ميّار شحادة، يرى أن الصراع الصيني الأميركي موجود من حيث المبدأ، وما تحاول أميركا فعله الآن هو وقف التوسع الصيني، ولذلك انتقلت أهم الشركات مثل “آبل” و”مايكروسوفت” إلى التصنيع أو من سلسلة التوريد الخاصة بها من الصين إلى الهند وتايوان وفيتنام والفلبين، وبشكل رئيسي في الهند، والتي بدورها استجابت لذلك بتقديم عروض وامتيازات اقتصادية صناعية، كما حسّنت الهند المشكلة القديمة التي كانت تعاني منها، ألا وهي “سلسلة التوريد”، لذا فإن استدامة الحدث في الهند قد تجعله قوة مختلفة.

بحسب ما تحدث به شحادة لموقع “الحل نت”، فإن واشنطن بدأت تدريجيا في الانسحاب من التصنيع في الصين، والتي كانت السبب الرئيسي لقوة الصين، وتحديدا منذ أيام الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات.

وفق تقدير شحادة، فإن عملية الانتقال من الصين إلى الهند لا بد أن تتطلب الكثير من الجهد، وواشنطن تدرك جيدا أن الهند لديها نوع من السيادة وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها بنسبة 100 بالمئة، وبالتالي، فإن واشنطن تسعى لإيجاد عدة بدائل، بما في ذلك فيتنام والفلبين وتايوان وكمبوديا، أي البقاء في آسيا.

كذلك، قامت الولايات المتحدة بتنشيط اتفاقية “أوكوس”، الأمنية الثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، من أجل حماية المنطقة الصناعية في الهند، خصوصا وأن موقع هذا التحالف في المحيط الهندي والمحيط الهادي، وبالتالي حماية سلسلة التوريد والتصنيع الناشئة من الهند، على حدّ تعبير شحادة.

الآن ستستمر قواعد بحر الصين في الوجود وسيشتد الصراع فيه، أي ستبقى منطقة صراع بين القطبَين العالميَين الجديدَين أو يمكن تسميتها بالحرب الباردة الجديدة، حتى لو كان أطراف الصراع لا يريدان الصراع بطريقة مباشرة؛ واشنطن وبكين، وبالتالي تايوان ستبقى حجرا مهما جدا لواشنطن التي لا تريد أن تفقد أوراقها دفعة واحدة في صراعات متعددة، لذلك أوقفت نمو الاقتصاد الصيني، كأول استراتيجية.

أفعال صينية “تخريبية واستفزازية”

السفينة الأميركية المعنية كانت قد أبحرت أخيرا عبر مضيق تايوان، حيث نقلت وكالة “رويترز” عن المتحدث باسم قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الصيني، قوله، إن دخول السفينة الأميركية المنطقة يُظهر أن الولايات المتحدة “صانعة أخطار أمنية” في بحر الصين الجنوبي. وأضافت قيادة المنطقة الجنوبية على حسابها على موقع “وي تشات” للتواصل الاجتماعي، أن قوات الجيش الصيني ستبقى في حالة تأهب قصوى.

بالعودة إلى المحلل السياسي، ميّار شحادة، فإن النقطة الأهم هي أنه في المرحلة المقبلة، قد تقوم الصين بطرد قاعدة صواريخ أميركية أو تجري استطلاعا جويا في تايوان أو بالقرب منها، كنوع من “الاستفزاز”، وكأن الجانبين يختبران قوة الآخر. لكن، الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في الصين ضد سياسة “صفر كوفيد”، هذا الأمر سيغير شكل الصراع، بالنظر إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ، في موقف حرج الآن، وفق تقدير شحادة، خاصة وأن هناك شخصيات سياسية صينية بدأت تتحدث عَلَنا، مثل الرئيس الصيني السابق، وكذلك المعلومات الاقتصادية الصين شبه مغلقة ومجهولة، على الرغم من أن الصين مفتوحة للجميع.

قد يهمك: كندا نحو المحيطين الهندي والهادئ.. ما علاقة سياسة الصين التخريبية؟

لذلك، تحاول واشنطن الآن احتواء الصين كما احتوت سابقا الاتحاد السوفيتي، مع اختلاف أن الصين لا تتبع أساليب “خشنة”، بل تستخدم أساليب اقتصادية، وهي أساليب استخدمتها واشنطن ضد الاتحاد السوفيتي سابقا، وبالتالي بهذا الشكل يأخذ الصراع منحنى أكثر ذكاءً وتعقيدا، على حسب تقدير شحادة.

“أوكوس” نقطة ارتكاز الصراع؟

بحر الصين الجنوبي من جانب الأهمية الاستراتيجية، فإنه يعد من أهم الطرق الملاحية التجارية حيوية في العالم، فهو واحد من الشرايين التجارية الرئيسة التي تجمع الممرات المائية من كلٍّ من سنغافورة وماليزيا، وتتصل بدول أخرى كثيرة تمتد إلى إندونيسيا والفلبين.

كما أنه وفير بالمصادر الاقتصادية، والحياة البحرية التي توفر الغذاء اللازم لمنطقةٍ كثيفة السكان، بالغ الأهمية للعالم بأسره فيما يتعلق بحركة التجارة الدولية، وليس فقط للدول التي تستخدمه. فبحسب بيانات صادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، فإن نحو 21 بالمئة من إجمالي التجارة العالمية، والتي تُقدر قيمتها بنحو 3.37 تريليون دولار، قد مرت عَبر هذا البحر في عام 2016.

بحبر الصين الجنوبي “إرشيفية”

بالنسبة لتقدير شحادة، لن يكون بحر الصين الجنوبي نقطة ارتكاز الصراع، بل سيكون جزءا من نقاط الارتكاز، وسيكون تحالف “أوكوس” نقطة ارتكاز الصراع الأساسية، لأن وجود هذه القاعدة في المحيط الهندي، كما أنه يتم نقل الصناعة أو النقل التدريجي لأهم الصناعات التكنولوجية إلى تلك المنطقة، بالإضافة إلى كونها منطقة حدودية مع كوريا الجنوبية، التي هي بطريقة أو بأخرى حليفة لواشنطن.

أما في إطار تحوّلات الصين في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، لا يخفى على أحد، أن الصين تستعد لبدء قمة صينية – خليجية، مطلع كانون الأول/ ديسمبر المقبل، ثم قمة صينية ـ سعودية. وكذلك قمة صينية – عربية، وبالتالي تحاول الصين كسب السعودية لجانبها، خاصة وأن المملكة العربية السعودية غنية جدا بالمال والوفر الاقتصادية للاستثمارات، وبكين أحوج ما يكون للاستثمار المالي. لكن المملكة العربية لديها مطالب محددة، ولا يتوقع شحادة أن يربط بالرياض علاقات مع الصين، بالنظر إلى أن علاقات الرياض الاقتصادية التي تشبه “الأخطبوط”، مع الغرب والولايات المتحدة، وبالتالي دخل العالم مرحلة “حرب باردة جديدة” بين واشنطن وبكين.

بحسب وجهة نظر شحادة، فإن الحرب الباردة الحالية تأخذ شكلا مختلفا، بالنظر إلى أن الدول المتصارعة “رأسمالية”، حيث ستكون هناك القليل جدا من الصدامات العسكرية، على عكس الحرب الباردة القديمة.

حيث ستكون هناك حروب صغيرة، مثل الحروب على الطاقة والنفط والغذاء والتكنولوجيا واستدامة الاقتصاد.

هذا وتنفذ الولايات المتحدة بانتظام ما تسميه عمليات ضمان حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي. وتتحدى ما تقول إنه قيود على المرور تفرضها الصين، التي تزعم السيادة على كل بحر الصين الجنوبي تقريبا، الذي تحوّل إلى واحد من أكثر بؤر التوتر في العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة. وترفض الولايات المتحدة ما تسميه مطالبات الصين غير القانونية بالسيادة على المياه الغنية بالموارد. وأبحرت السفن الحربية الأميركية عَبَر بحر الصين الجنوبي بوتيرة متزايدة في السنوات الأخيرة، في استعراض للقوة في مواجهة المطالب الصينية.

قد يهمك: الوجه الجديد للإرهاب الدولي.. أعمال القرصنة البحرية بين السيناريوهات والتداعيات

صحيح أن الولايات المتحدة صرّحت أنها تؤمن بمبدأ الصين الواحدة، لكن هذا لا يشمل جزر سبراتلي المتنازع عليها بين الصين وتايوان والفلبين وماليزيا وبروناي وفيتنام، حيث لا تنفك بكين عن ممارساتها من خلال فرض بسط نفوذها على تلك الجزر لضمان بسط نفوذها على بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، لكن واشنطن تؤكد أن هذه مياه دولية وليست إقليمية صينية، ويبدو أنها لن تسمح بسيطرة بكين على تلك المياه مطلقا، خاصة بعد مرور هذا الطّراد الأميركي بهذه المنطقة، هو ولا شك رسالة تحدّ للصين وإثبات وجود عسكري، وبالتالي فإن التهديدات الصينية المتزايدة في المحيطين الهندي والهادي والاحتكاكات في بحر الصين الجنوبي قد تؤدي إلى صراع بين الطرفين، حتى لو لم يكن عسكريا، فسيكون صراعا بشكل آخر.

قد يهمك: احتجاجات غاضبة في الصين تدعو لتنحي النظام.. ما المآلات؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة