حركة قوية عادت إلى المشهد الدرامي السوري، حيث عرض الموسم الدرامي السوري لهذا العام أكثر من 20 مسلسلا تلفزيونيا من مختلف الأساليب الفنية. بينما فاق البعض التوقعات، فَقَد البعض الآخر الهدف. ومع ذلك، كان أحد الموضوعات المتكررة طوال الموسم هو وجود شخصيات قوية، وخاصة النساء القويات.

العرض الرمضاني الأول للكثير من الأعمال انتهى وتكشفت مسارات حكايا المسلسلات، وعرفت تفاصيل الكثير منها، ولكن المؤشرات تؤكد على وجود حراك قوي عاد إلى المشهد الدرامي السوري بثقله الفني الكبير. ومن خلال العرض الأول لمعظم ما أنتج في الموسم الحالي فالظاهر أن هناك تحول دراماتيكي في كتابة السيناريو والعرض.

موسم الدراما السورية يعيد المرأة القوية

في المواسم الأخيرة، بذل صنّاع الدراما السورية والبيئة الشرقية جهدا واعيا لتقديم المرأة في ضوء أكثر هيمنة، كما يتضح من بروز الشخصيات النسائية القوية هذا العام محطّمين الأعراف الجنسانية التقليدية والتي حظيت بتأييد الجماهير لفعلهم ذلك.

الفنانة سوزان نجم الدين بشخصية "جواهر" - إنترنت
الفنانة سوزان نجم الدين بشخصية “جواهر” – إنترنت

وفقا للكاتب السوري، نضال قوشحة، فإن أهم ما يميز الموسم السوري الدرامي الأحدث، ظهور حالة النجم الواحد القوي الذي يشكل محور الحراك الدرامي والدافع الأساسي إلى سير الأحداث نحو الأمام، وتكون باقي الشخصيات مكمّلة له، بعضها قريب وقوي يشاركه أحيانا تحريك الأحداث ورسم ردود الأفعال.

هذا النمط من الدراما بحسب قوشحة، كان وما زال موجودا في السينما العالمية والعربية وهو أمر يمكن تقبله فيهما، ولكن العمل عليه في مسلسل تلفزيوني مؤلف من ثلاثين حلقة يحمل مشاق هائلة في تأليف العمل أولا، ثم في تنفيذه، ومن ثم في تقبله لدى الجمهور.

سابقا واجهت لأعمال البيئة الشامية انتقادات عنيفة ومحقة، بأنها أظهرت المرأة في حيّز ضيق من الوجود الاجتماعي، بحيث اختصرت حياتها بأعمال البيت والأولاد وإطاعة أمر الرجل دائما على مبدأ “حاضر ابن عمي”. لكن صنّاع الدراما الشامية في المواسم الأخيرة قدّموا المرأة القوية التي تتمتع بحضور لافت، ليس في بيتها فحسب بل في مجتمعها أيضا.

قصص نجاح

من أبرز ما أشار إليه قوشحة، هي شخصية “جواهر” التي أدتها الفنانة السورية سوزان نجم الدين، والتي تريد الانتقام لوالدها من أهل حيّه، فتضع خطط الشر للإطاحة بزعامات الحي وإعلاء شأن شقيقيها. وهي تمتلك دورا فاعلا في المسلسل وتكون صاحبة حضور قوي فيه، ظهرت فيه المرأة وهي تقود رجلين وأتباعهما لصناعة مصائر حي بأهله وناسه.

شخصية “درية” التي لعبتها الفنانة نادين الخوري في مسلسل “العربجي” - إنترنت
شخصية “درية” التي لعبتها الفنانة نادين الخوري في مسلسل “العربجي” – إنترنت

أيضا شخصية “درية” التي لعبتها الفنانة نادين الخوري في مسلسل “العربجي”، والتي أظهرت فيها المرأة الطاغية المليئة بالقوة والجبروت الذي تمارسه حتى على ولديها، والتي تقف عائقا قويا في وجه تغوّل أحد أبناء عمومتها لكسب زعامة الحي  وتقوم بتحريك أعمال تجارة الحبوب وتعقد الصفقات حتى مع أعلى سلطات البلاد حينها.

كما تصدرت الشاشة شخصية “الداية بدور” للفنانة ديمة قندلفت في مسلسل “العربجي”، والتي تدخل في فوضى الأحداث العاصفة في حيها وتكون شخصية طاغية لها حضور متميز توصل الشخصية البطل إلى حبل المشنقة بحكم قضائي رسمي، كما تؤثر في الآخرين بشكل قوي وترسم إلى حدّ بعيد مصائرهم بحضور نسوي لافت.

أولئك الذين نجحوا بتصدير هذه الشخصيات فعلوا ذلك بسبب استعدادهم لتحدي الأعراف الاجتماعية وتقديم قصص من منظور أنثوي لم تكن موجودة من قبل. ومن بين هذه المسلسلات بعض أجزاء مسلسل “باب الحارة” ومسلسل “الهيبة” وتحديدا في شخصية “أم جوزيف” و”أم جبل” التي لعبتها الفنانة منى واصف، حيث نال أداؤها استحسانا كبيرا في قوة ومرونة المرأة بمواجهة المصاعب.

الحاجة إلى التفاهم الثقافي

على الرغم من أن ظهور النساء القويات في الدراما السورية ليس كثيرا، إلا أنه كان واضحا أن هذه الموجة الجديدة من التمثيل الدرامي هي محاولة لكسر المفاهيم الخاطئة وتقديم نظرة ثاقبة لألوان المرأة في سوريا. فمن خلال فهم ثقافتهم وتنوعهم يمكن إلهام الجمهور بتنوع النساء داخل البيئة السورية، وعدم حصرها بالنمط المنكسر.

شخصية “الداية بدور” للفنانة ديمة قندلفت في مسلسل “العربجي” - إنترنت
شخصية “الداية بدور” للفنانة ديمة قندلفت في مسلسل “العربجي” – إنترنت

إعادة تمثيل المرأة القوية في هذه العروض يعكس رغبة المبدعين في تقديم صور أكثر دقة وتنوعا للنساء على الشاشة. هذه الشخصيات ليست زوجات أو أمهات أو بنات فحسب، بل هم أيضا أصحاب أعمال وقرارات مصيرية وسياسيون، من بين أدوار أخرى.

لا توفر الشخصيات النسائية القوية في الدراما السورية للمشاهدين قصصا جذابة وملفتة فحسب، بل تقدم أيضا نماذج يحتذى بها للنساء في سوريا وخارجها. من خلال تقديم المرأة على أنها قادرة وقوية، حيث تساعد هذه العروض على كسر القوالب النمطية الجنسانية وتعزيز المساواة بين الجنسين.

الارتفاع الأخير في الشخصيات النسائية القوية في الدراما السورية يعكس المشهد الثقافي المتغير في بلاد الشام. من خلال تسليط الضوء على قصص النساء اللواتي يتحدين الأعراف المجتمعية ويكسرون الحواجز.

حضور الشخصيات النسائية البارزة في موسم الدراما السورية لهذا العام يشكل تحولا كبيرا عن الأشكال الفنية التقليدية. في سوريا وحدها، تعد الكتابة الدرامية الجديدة لشخصيات أنثوية قوية بمثابة تغيير لقواعد اللعبة في المشهد المسرحي والفني، ومن الواضح أن عددا من هذه الأعمال ذهب في اتجاه التأسيس لمرحلة قادمة، تحمل الجديد والمثير والذي سيشكل منعطفا في تاريخها لكونه يحمل معنى المغامرة الإبداعية والإنتاجية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة