على مدى عقود كانت صناعة الدراما السورية مصدرا رئيسيا لترفيه ملايين المشاهدين في جميع أنحاء العالم العربي خلال شهر رمضان المبارك. ومع ذلك، فإن عروض هذا العام تركت مشاعر إحباط وخيبة أمل. فالصناعة، التي كانت مزدهرة وقادرة على المنافسة، تضررت بشدة لأسباب أبرزها اللهث وراء “الترند”. 

نتيجة لذلك، انخفضت جودة وكمية المنتجات بشكل كبير، مما جعل الجماهير تتساءل حول الأسباب التي أدت إلى ذلك. لكن التعمق في الوضع الحالي لصناعة الدراما السورية يكشف الأسباب الكامنة وراء تراجع هذا القطاع الذي كان مزدهراً في يوم من الأيام.

ما المشكلة؟

عندما يتعلق الأمر بالبرمجة النقدية والتأملية حول سوريا المعاصرة والعيش في ظل الظروف المضطربة والمأساة التي لا تنتهي، يبدو أن عبء التوقع مكشوف للغاية بالنسبة للكثيرين في مجال الترفيه. تأتي المراجعات المبكرة من جميع أنحاء البلاد مع نهاية الموسم الرمضاني، بخيبة أمل للعديد من المسلسلات الأخيرة.

نقاد وكتاب سوريون اعتبروا أن صنّاع الأعمال الدرامية التي عرضت خلال رمضان الفائت، ركزوا بالدرجة الأولى على متطلبات العرض والطلب للمحطات الفضائية، وصناعة “ترند” يجذب شركات الإعلان.

ورأوا في تصريحات لصحيفة “البيان”، أنه على الرغم من أن هذه الأعمال نجحت في جانب الإبهار البصري، والأداء المتميز لإبطالها، لكن المضامين تبقى غائبة، أو على الأقل، لا يمكن الاستئناس بها في جدلية المجتمع والفن.

الكاتب والناقد عماد نداف، يرى أن ما لفته في الأعمال الدرامية التي قُدّمت خلال الموسم الرمضاني الحالي، هو الرغبة لدى صناع هذه الأعمال في اجتذاب مشاهدة عالية، تعتمد على التشويق المبالغ فيه.

وإذا كان هذا شرطا رائجا من شروط الكتابة الدرامية، إلا أن المبالغة في الذهاب بعيدا في هذا الاتجاه تضر بالعمل الدرامي، وقد تؤدي إلى نتائج سلبية، مشيرا إلى أنه يمكن ملاحظة ذلك في مسلسلات مثل “العربجي”، و”الزند”، و”حارة القبة”، وغيرها.

شخصية عبدو العربجي ويدور في مسلسل العربجي - صورة من "تويتر"
شخصية عبدو العربجي ويدور في مسلسل العربجي – صورة من “تويتر”

العنف هو صورة من صور الصراع في الأعمال السينمائية والدرامية، لكن الإيغال في هذا المفهوم بحسب نداف، لا يؤدي هدفا قيميا اجتماعيا، أو ترفيهيا. وقال “لا مبرر أبدا لاستخدام العنف، كما في عدد من هذه الأعمال، هناك مشهدان في عملين مختلفين، يتم فيهما قطع الأذن أو أكلها، كما أن تعنيف المرأة كان بارزا فيها”.

التركيز على “الترند” أفرغ الدراما من محتواها

صناع الأعمال الدرامية الأخيرة ركزوا في أعمالهم الرمضانية، بشكل أساسي على متطلبات العرض والطلب للمحطات الفضائية، وصناعة “الشهرة”.

الإعلامي والناقد سامر الشغري، قال إن الدراما السورية كانت دائما دراما قضايا، لكنها احتفت هذا العام بالبطل السوبرمان، بينما كانت واقعيتها تجعل من أبطالها بشرا عاديين ينجحون ويخفقون، لديهم من الخير قدر ما فيهم من الشر، بمعنى أنهم ليسوا منزّهين عن الخطأ.

من جهتها، كتبت دينا مبروك، “أثارت الفنانة السورية جيني إسبر حالة مثيرة للجدل فيما يتعلق بالدراما السورية المذاعة ومشاهد شهوة واضحة لا سيما في مسلسل صبايا 6. لقد تصاعدت النزعة اللغوية هنا في ظل قانون الديناميكيات في البث المحلي، الابتهاج الذي يحيط ببرامج الموضوعات الاجتماعية هذا العام، أنساهم بإنتاج عمل مفيد”.

الشغري في هذا السياق، أشار إلى أن شخصيات مثل “هادي المسلاتي” في حارة القصر، و”أسعد الوراق”، “هزاع الدباك” في “هجرة القلوب إلى القلوب” و”مفيد الوحش” في “نهاية رجل شجاع” وغيرهم، هؤلاء الأبطال كلهم واقعيون، ولا يشبهون “عبدو العربجي” و”عاصي الزند”.

 هذه الأعمال بحسب النقاد نجحت إلى حدّ بعيد على صعيد الجماهيرية والتشويق، أما في ما يخص القيمية والمضمون الفكري، فهو أمر لم يعد يعني صناع الدراما حول العالم، فمقياس النجاح الوحيد، بات اليوم هو المشاهدات وتحقيق “الترندات”.

كتاب الدراما.. الحلقة الأضعف

النص الدرامي هو اللبنة الأساسية في العملية الصناعية الدرامية، فهو يمسك بالموقف الدرامي، ويقدم الشخصية الرئيسية، والفكرة الأساسية ووضع النص في أسلوب واضح يؤسس فيه للحكاية، إلا أن كتّاب الدراما هم شهود الزور على نجاحات وإنجازات الدراما من خلال علاقة غير سوية قائمة بين الكتّاب والمخرج من جانب، وشركات الإنتاج من جانب آخر.

تيم حسن بشخصية "عاصي الزند" - إنترنت
تيم حسن بشخصية “عاصي الزند” – إنترنت

 نادراً ما يمر موسم درامي دون معارك بحسب الكاتب والناقد الفني بسام سفر، بين أحد الكتّاب والشركة المنتجة لعمله، وكان آخرها ما حدث في الموسم الدرامي السابق بين الكاتب الدرامي فادي قوشجي، والشركة المنتجة “إيمار الشام” في عمله “على قيد الحب”.

هناك العديد من كتّاب الدراما يفضلون أن ينتهي دور الكاتب مع نهاية الكتابة إذا لم يطلب منه مساعدة في العمليات القادمة، فالمهمة الأساسية للكاتب تتمثل في تقديم نص جيد مترابط الأحداث ويسرد قصة فنية جميلة مشوّقة جديدة الطرح، وهي مهمة يعمل من أجلها سنوات أو أشهر، ليخرج بعمل قد تتبناه شركة إنتاج ومخرج يحقق لهما النجاح والفائدة.

الإشكالية مستعصية ويبدو حلها ليس سهلاً، وهذا من الأسباب التي تؤدي إلى تدني مستوى الدراما السورية، فلا يمكن تحقيق الشراكة النّدية بين صاحب رأس المال والمؤلف وحتى المخرج، وكل ما يحقق من نتائج إيجابية خلال هذه المرحلة يأتي بالصدفة وليس عن طريق التخطيط والتحضير الجيد عبر الدراسة والمنهجية الواضحة.

 خير دليل على ذلك أنه ليس هناك أي كاتب درامي راضياً عن نتائج عمله أو عن علاقته بالمخرج على الإطلاق، فالموسم الفائت 2022، وصلت الخلافات بين شركة “إيمار الشام”، والكاتب فادي قوشجي إلى القضاء في القصر العدلي الذي حكم لصالح الشركة بسبب العقد الموقّع بين الكاتب والشركة، وهناك أكثر من منشور على صفحة الكاتب، يتشكى ويتظلم فيه من آلية تعامل المخرج والشركة في تعديل بعض الخطوط الدرامية، ونهاية النص الدرامي.

أخيراً كتّاب الدراما التلفزيونية مغبونون ومهمّشون وغير منصفين، وغير معترف بهم ككتّاب في حقل ثقافي مهم يدخل كل بيت في سوريا والعالم العربي، فهل هناك من يسمع صوتهم وشكواهم للحفاظ على حقوقهم بالحد الأدنى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة