النص الدرامي هو اللبنة الأساسية في العملية الصناعية الدرامية، فهو يمسك بالموقف الدرامي، ويقدم الشخصية الرئيسية، والفكرة الأساسية وضع النص في أسلوب واضح يؤسس فيه للحكاية، إلا أن كتاب الدراما هم شهود الزور على نجاحات وإنجازات الدراما من خلال علاقة غير سوية قائمة بين الكتاب والمخرج من جانب، وشركات الإنتاج من جانب آخر.

 نادراً ما يمر موسم درامي دون معارك بين أحد الكتاب والشركة المنتجة لعمله، وكان آخرها ما حدث في الموسم الدرامي السابق بين الكاتب الدرامي فادي قوشجي، والشركة المنتجة “إيمار الشام” في عمله “على قيد الحب”.

هناك العديد من كتاب الدراما يفضلون أن ينتهي دور الكاتب مع نهاية الكتابة إذا لم يطلب منه مساعدة في العمليات القادمة، فالمهمة الأساسية للكاتب تتمثل في تقديم نص جيد مترابط الأحداث ويسرد قصة فنية جميلة مشوقة جديدة الطرح، وهي مهمة يعمل من أجلها سنوات أو أشهر، ليخرج بعمل قد تتبناه شركة إنتاج ومخرج يحقق لهما النجاح والفائدة.

“الشللية في الدراما”

الكاتب الدرامي هو من ينسج خطوط العمل الأولى، وعلى معرفة بخفاياه، من المقولة الأساسية إلى الخطوط الدرامية حيث بنى شخصياته الدرامية لبنة لبنة، ليعزز من بطولة بعضها، ولتسند بعض شخصياته بعضها بعض.

إن تكامل العمل الدرامي يبدأ من الكاتب إلى أطراف المعادلة الدرامية، فهو عمل جماعي بامتياز، ولكل فيه دوره المحدد، وعندما يتم تجاوز هذه الأدوار تختلط الأمور، وتظهر الإشكاليات بين أطرافها.

الكثير من حوادث الخلافات بين شركات الإنتاج والكتاب تؤكد أن هذه العلاقة لا تقوم على الاحترام المتبادل لأن العقود التي توقّع تبدأ بالإذعان بقيمة مالية غير منصفة، يتنازل عبرها الكاتب مجبراً عن الكثير من حقوقه التي يتم هضمها لمصلحة الشركة ورأس مالها الذي يتعامل مع النص كتعامل المالك مع ملكه، حيث تضع في بنود العقد ما تراه مناسباً لخدمة مصالحها المادية، وعلاقاتها بظاهرة متعارف عليها بـ “الشللية في الدراما”، إذ تختار تلك الشركات أبطال العمل الدرامي وفق المعايير التي تناسبها دون أن تمنح كاتب النص الدرامي أي فرصة لخيار أو ترشيح مخرج أكاديمي، أو ممثل أكاديمي قادر على تجسيد الشخصية التي أبدعها الكاتب.

 الاقتصاد أيضا يتدخل في تكاليف الإنتاج وخيارات الشركات، فهي تختار المخرج الذي يطلب أجراً بالحد الأدنى، وتبتعد عن المخرجين الذين يطلبون أجراً في الحد الأعلى، وكذلك الأمر مع نجوم البطولة في أي عمل درامي سواء البطولة النسائية أو البطولة لفنان ذكر، لتأتي بعدها البطولة في النسق الثاني، والثالث، والرابع وصولاً إلى الممثلين العاديين.

حوار جامد

 إن كل ذلك يحد من الحوار الجاد بين المخرج والمؤلف والممثلين في النسق الأول والثاني، والوصول إلى حالة إبداعية خلاقة سواء في استخراج أفضل ما هو موجود لدى الممثل في كل لقطة ومشهد من العمل الدرامي.

 الإشكالية مستعصية ويبدو حلها ليس سهلاً، وهذا من الأسباب التي تؤدي إلى تدني الدراما السورية، فلا يمكن تحقيق الشراكة الندية بين صاحب رأس المال والمؤلف وحتى المخرج، وكل ما يحقق من نتائج إيجابية خلال هذه المرحلة يأتي بالصدفة وليس عن طريق التخطيط والتحضير الجيد عبر الدراسة والمنهجية الواضحة.

 خير دليل على ذلك أنه ليس هناك أي كاتب درامي راضياً عن نتائج عمله أو عن علاقته بالمخرج على الإطلاق، فالموسم الفائت 2022، وصلت الخلافات بين شركة “إيمار الشام”، والكاتب فادي قوشجي إلى القضاء في القصر العدلي الذي حكم لصالح الشركة بسبب العقد الموقع بين الكاتب والشركة، وهناك أكثر من منشور على صفحة الكاتب، يتشكى ويتظلم فيه من آلية تعامل المخرج والشركة في تعديل بعض الخطوط الدرامية، ونهاية النص الدرامي.

هذا الموسم الدرامي رشح حتى الآن منشور للكاتب رامي كوسا أعرب فيه عن دعمه لمسلسله “النار بالنار”، واصفاً إياه بـ”مشروعه الحبيب، رغم كل التعديات، مقدماً شكره للشركة المنتجة، التي قدمت كل الدعم للعمل ليظهر بصورة مثالية”.

يفترض العديد من الكتاب أن العلاقة بين المخرج والكاتب علاقة حوار جاد لأن هذا الثنائي يفهم النص أكثر من المنتج، إذ إن المنتج ينظر إلى النص نظرة تجارية بحتة لتوفير وتقنين التكلفة الإنتاجية في حين ينظر المخرج نظرة فنية لرفع سوية النص، لذلك على المخرج أن يكون شريكاً للكاتب في النص بحيث إذا طلب المخرج أي تعديل لرفع سوية النص وتحسين الحكاية وقصصها ومستوى السيناريو على الكاتب أن يتعاون معه.

إن كل ذلك لا يعطي الحق للشركة المنتجة تعديل أو تغير في الخطوط الدرامية دون العودة إلى كاتب النص الدرامي؛ لأن ذلك يفتح على عملية إلغاء وإقصاء وتهميش الكاتب، فالشركة المنتجة وبعض المخرجين يسمحان بالاستيلاء على دور الكاتب والقيام بإجراء عمليات جراحية للنص الدرامي مما قد يؤدي إلى تشويه النص تشويها شبه كامل، وتغير الأحداث ومسار الشخصيات وحتى مسار العمل ونسف مقولته الأساسية واستبدالها بمقولات أخرى.

الكاتب بين العصا والمطرقة

أن الصراع المتولد بين شركات الإنتاج وبين كتاب الأعمال الدرامية في سباق المسافات الطويلة يضع الكتاب والمخرجين وأحياناً نجوم هذه الأعمال في صراع إعلامي مفتوح على كسب رهانات العمل الدرامي الأول في الموسم حتى بدون أخذ رأي الجمهور أحياناً، بعيداً عن الرأي النقدي الأكاديمي وبدون تحكيم أكاديمي، وهذا ما يعتمد على الفضاء الأزرق “الفيسبوك، والترند”، وغيره من الأدوات المستخدمة في استكشاف ملامح من الرأي العام “الفني، الاجتماعي، الاقتصادي، الرياضي، والسياسي”.

المعايير التي تعتمد عليها شركات الإنتاج والعاملين فيها غير حقيقية بعيدة عن النقد التلفزيوني، بل حتى هذه اللحظة لا وجود للجامعات ومعاهد تدرس النقد الأكاديمي للفنون البصرية، وكل ما يقدم هو عبارة عن وجهات نظر غير متكاملة متجزأة قد تخطئ وقد تصيب.

 في حين أن الموسم الدرامي على القنوات التلفزيونية في أكثر من بلد عربي يجعل متابعته أمراً شبه مستحيل حيث تبث الأعمال الدرامية في الموسم الرمضاني أكثر من 24 ساعة في اليوم، ومهما كانت إمكانيات المتابع والمشاهد يصعب عليه مشاهدة ومتابعة هذا الكم الكبير من الأعمال الدرامية في شهر واحد، مما يجعل الكتابة عنها مجتمعة في ذات الشهر من رابع المستحيلات.

إلى ذلك يضاف أنه لا يمكن للناقد الإحاطة بكل تفاصيل العمل الفني وعقد مقارنة بين النص الأصلي المكتوب وما يظهر على الشاشة، فهو يتعامل مع النتيجة النهائية للمنتج الدرامي الذي يشاهده على الشاشة.

فالصراع بين الشركات المتنافسة تعرض الكاتب وعمله الدرامي لهجوم الصحافة التي يدفع المنتج لها في الخفاء بهدف مهاجمة أعمال الشركات المنافسة والطعن بها، مع غياب النقد الأكاديمي لتتحول الأقلام إلى نقد بقصد التشويه والحط من المنجز الفني الدرامي مهما علا شأنه بغية عدم منحه فرصة الظهور على المحطات الفضائية في الموسم الدرامي، ويترافق ذلك مع حروب مواقع التواصل الاجتماعي التي يقوم بها بعض الفنانين ضد زملاء مهنتهم، حيث يجد الكاتب ذاته محشوراً في صراع لا دخل له به في عملية مداهنة لهذا المخرج أو تلك الشركة، والتي تشوه عملية الإنتاج الفني.

الحلقة الأضعف

الكاتب الدرامي مازال هو الحلقة الأضعف في سلسلة عمليات الإنتاج الدرامي في إطار وصناعة أساسها يقوم على إنتاج الإبداعي من حكاية وسرد وبناء شخصيات ووصف. لذا فإن العملية الإنتاجية تحتاج إلى ضوابط قانونية واقتصادية وأخلاقية تعتمد على تعزيز الأخلاق المهنية وإرساء التقاليد الفنية التي تساهم بالارتقاء بقيم الحرية للمنتج الدرامي الفكري الذي يخاطب عقل المشاهد والمتابع بعيداً عن الغرائز وتسويق الانحطاط نحو الجسد والمخدرات و”الكبتاغون” وحبوب الهلوسة.

إن علاقة الكتاب الدراميين مع المؤسسات الحكومية والقوانين غير واضحة، فحماية النص الدرامي لدى وزارة الثقافة تكتفي بتسجيله باسم كاتبه دون تحديد آليات لهذه الحماية.

غياب المرجعيات الحكومية والنقابية التي تعتني وتؤطر كتاب النصوص الدرامي والمسرحية السورية في إطار معترف به، خصيصاً أن هذه النصوص لا تتحول إلى كتب ترخص من اتحاد الكتاب العرب أو وزارة الثقافة.

أن الكتابة الدرامية والمسرحية تحتاج إلى إطار قانوني ونقابي ومرجعيات مرخصة تنظم كتابها في إطار واحد، وتتحمل نقابة الفنانين السبب الأول في عدم وجود إطار يشكل مرجعية مهنية وقانونية، والسبب الثاني قسم الدراسات والآداب المسرحية في “المعهد العالي للفنون المسرحية” وخريجيه، ووزارة الثقافة، وكذلك وزارة الإعلام، و”اتحاد الكتاب العرب”.

فالكاتب بمجرد التوقيع على التنازل للشركة يفقد ملكية النص، وهذا خطأ لا يمكن تصحيحه إلا بوجود نقابة لكتاب السيناريو والنص الدرامي والمسرحي، ورغم وجود تعليمات داخلية في نقابة الفنانين تؤكد على ثوابت وأسس ومرجعيات يسير عليها كتاب السيناريو تحفظ له حقوقه من المنتج والمخرج والممثل وغيرهم، لكنها غير مفعلة

 حتى كتابة هذه الكلمات لا يوجد إطار يصنف كتاب الدراما التلفزيونية والمسرحية سواء في وزارة الثقافة، أو وزارة الأعلام، أو نقابة الفنانين، أو “اتحاد الكتاب العرب”، ومازال يوضع على جواز سفر هؤلاء الكتاب “كاتب تجاري”.

أخيراً كتاب الدراما التلفزيونية مغبونون ومهمشون وغير منصفين، وغير معترف بهم ككتاب في حقل ثقافي مهم يدخل كل بيت في سوريا والعالم العربي، فهل هناك من يسمع صوتهم وشكواهم للحفاظ على حقوقهم بالحد الأدنى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
1 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات