مع انقضاء اليوم الأول من الانتخابات الرئاسية التركية المرتقبة، يبدو أن المرشحَين الرئيسيين، رجب طيب أردوغان وكمال كيليجدار أوغلو، مقدمين على جولة الإعادة أو ما تسمى بالجولة الثانية، فمع توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى، ستشكل نتيجة هذه الجولة الحاسمة مستقبل تركيا، إذ يتمتع كلا المرشحين برؤى مختلفة للبلد، حيث تركزت جهود حملتهما الانتخابية على إبراز نقاط قوتهما وجذب مجموعة واسعة من الناخبين وخصوصا الشباب.

الجولة الأولى من الانتخابات شهدت حصول أردوغان، الرئيس الحالي على نسبة كبيرة من الأصوات بلغت 49.4 بالمئة، مما يعكس قاعدة دعمه القوية. ومن ناحية أخرى، تمكن كيليجدار أوغلو، زعيم حزب المعارضة الرئيسي، من الحصول على عدد كبير من الأصوات بنسبة 44.96 بالمئة، مما يدل على نفوذه المتزايد وجاذبية سياسات حزبه.

الذهاب نحو جولة ثانية يثير العديد من التساؤلات، أبرزها هل تمديد الانتخابات للجولة الثانية هو دلالة على ضعف أردوغان أم قوة كليجدار أوغلو، وما هي قدرات الطرفين في حسم ذلك، ومن منهما سيكسب دعم أطراف سياسية جديدة في تركيا، فضلا عن التكهنات حول حصول أردوغان على أي دعم خارجي محتمل لا سيما من روسيا خلال هذه الفترة. 

جولة الحسم.. ماذا تعني؟

النتائج الأولية غير الرسمية تبيّن توجه عملية الانتخابات الرئاسية التركية إلى جولة ثانية بعد فرز 99 بالمئة من أصوات الناخبين داخل تركيا، حيث تأجلت عملية حسم الانتخابات الرئاسية بين المتنافسين الثلاثة في حالة عدم تحقيق الأغلبية المطلقة في الأصوات وهي 50 بالمئة +1، بعد يوم انتخابي طويل شهده الشارع التركي.

المرشح الثالث سنان أوغان والذي حصل 5.21 بالمئة سيكون المستبعد خلال هذه الجولة، حيث أدلى 64 مليونا و113 ألفا و941 ناخبا بصوته داخل تركيا وخارجها، وفق ما نشره “المجلس الأعلى للانتخابات”، ومثلت النساء من أصل حصيلة الناخبين المحليين 50.6 بالمئة بعدد 30 مليونا و710 ألفا و 790 سيدة، وبلغت نسبة الرجال 49.4 بالمئة وعددهم 29 مليونا و897 ألفا و53 شخصا.

في القانون التركي، يجب أن يحصل المرشح الرئاسي على الأغلبية المطلقة من الأصوات للفوز، وهذا يعني 50 بالمئة +1 على الأقل من عدد الناخبين، وهذا لم يحققه أي من المرشحين، إلا أن حصول كليجدار أوغلو على نسبة عالية من الأصوات والذهاب لجولة الحسم، يعني أن جمهورا واسعا من الشارع التركي مصرُّ على خروج أردوغان من المشهد السياسي التركي.

في حال لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة في الجولة الأولى، تبدأ الترتيبات لجولة ثانية بعد 15 يوما، بين المرشحَين الذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات، فوفقا للتقويم الذي حدده “المجلس الأعلى للانتخابات”، في حالة عدم مشاركة أحد المرشحين الذين يحق لهم المشاركة في الاقتراع الثاني في الانتخابات لأي سبب من الأسباب، يتم استبدالهم.

الجولة الثانية وهي الحاسمة، تبدأ في 20 من أيار/مايو الجاري، ويبدأ التصويت في بوابات الجمارك الحدودية وفي الخارج وينتهي التصويت خارج تركيا بعد أربعة أيام. ثم في 24 من الشهر ذاته، تبدأ خطابات الدعاية الإذاعية والتلفزيونية للمرشحين وتنتهي عند الساعة السادسة مساء بتوقيت البلاد في 27 من الشهر نفسه.

“المجلس الأعلى للانتخابات” حدد تاريخ 28 من أيار/مايو الجاري، يوما للاقتراع داخل تركيا، وإعلان النتائج المؤقتة في 29 من الشهر نفسه. وفي 1 من حزيران/يونيو المقبل، تعلن النتيجة النهائية رسميا عبر الجريدة الرسمية ووسائل الإعلام.

ضعف أردوغان أم قوة كيليجدار أوغلو؟

لأول مرة منذ 100 عام، تركيا تستعد لجولة ثانية في الانتخابات الرئاسية، حيث قال كمال كليجدار أوغلو في تصريحات إلى جانب قادة أحزاب “تحالف الأمة”، “إذا قالت أمتنا الجولة الثانية، فهذا فوق رؤوسنا، سوف نفوز بالتأكيد في هذه الانتخابات في الجولة الثانية، الجميع سوف يراه، لم يحصل أردوغان على الثقة المتوقعة من المجتمع”.

عضو حزب “الحركة القومية” التركي، إسماعيل فاروق أكسو، أوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن تمديد الانتخابات الرئاسية التركية إلى جولة ثانية يشير إلى تحول مثير في الأحداث في المشهد السياسي في البلاد. في حين أن البعض قد يفسر ذلك على أنه علامة ضعف للأحزاب المعارضة فمن المهم النظر في السياق الأوسع، لأن المعارضة باتت شخصية بارزة في السياسة التركية لسنوات عديدة، وشكّلت قاعدة دعم قوية أظهرتها الأرقام الصادرة عن صناديق الاقتراع.

حقيقة أن كليجدار أوغلو نجح في إجبار الانتخابات على جولة الإعادة تشير إلى تنامي قوة المعارضة ومرونتها بحسب أكسو. إذ إن قدرة كليجدار أوغلو على حشد الناخبين وتشكيل تحدٍّ قابل للتطبيق لحكم أردوغان تشير إلى تغيّر المشهد السياسي في تركيا، كما أنه يعكس عدم الرضا بين جزء كبير من السكان ورغبتهم في التغيير.

24 حزبا سياسيا و151 مرشحا مستقلا شاركوا السباق الانتخابي في الانتخابات العامة، بينما دخلت بعض الأحزاب السياسية الانتخابات في تحالفات بلغت 5 مختلفة، هي تحالف “الجمهور”، وتحالف “الشعب”، وتحالف “الأجداد”، وتحالف “العمل والحرية”، و”اتحاد القوى الاشتراكية”.

نتائج الانتخابات البرلمانية التركية التي أُجريت مع الاقتراع الرئاسي بيّنت تقدم تحالف “الجمهور” الذي يضم حزب “العدالة والتنمية” وحزب “الحركة القومية” وأحزابا أخرى بنسبة 49.37 بالمئة، وهو رقم ليس جيد بالنسبة للتحالف لأنه لم يحصد الغالبية العظمى.

تحالف “الشعب” المعارض بقيادة كمال كليجدار أوغلو حصل على 35.12 بالمئة من أصوات الناخبين. وحصل تحالف “العمل والحرية” على 10.53 بالمئة، وجاء تحالف “الأجداد” في المرتبة الرابعة بعد حصوله على نسبة 2.45 بالمئة.

الجولة  الثانية.. المؤشرات تحسمها

مع اقتراب الجولة الحاسمة من الانتخابات الرئاسية التركية، سيوظف كلا من أردوغان وكليجدار أوغلو استراتيجيات مختلفة لضمان النصر. حزب أردوغان ووفقا للأرقام التي ظهرت في نتائج الجولة الأولى للانتخابات يبدو أنه بات لا يتمتع بشعبية قوية ونفوذ كبير في وسائل الإعلام، وعليه لن يستفيد من حشد المؤيدين. إلا أن منصب أردوغان يمنحه ميزة من حيث الرؤية والموارد.

من ناحية أخرى، اكتسب تحالف “الشعب” المعارض بقيادة كمال كليجدار أوغلو زخما ويبدو أنه سيوسّع شعبيته إلى ما وراء قاعدته التقليدية طبقا لما يراه أكسو. ومن المرجح أن تركز حملة كليجدار أوغلو على تحفيز الناخبين الشباب وسكان المدن، مع التركيز على قضايا مثل الإصلاحات الديمقراطية والاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، والأرقام المتدنية التي حصل على أردوغان.

أيضا بحسب تحليلات أكسو، فإن تحالف “الشعب” سيعمل خلال المدة القصيرة على كسب ثقة تحالف “الأجداد” وحزب “البلد” ومؤيديهم في السباق الرئاسي خلال جولة الحسم القادمة.

قدرة كلا المرشحين ستلعب على حشد قواعد كل منهما وجذب ناخبين جدد لتحديد النتيجة، إذ وفق القانون التركي بما يخص الجولة الثانية، فإنه لن تعود قاعدة الحصول على الأغلبية المطلقة وهي 50.1 بالمئة ملزمة، بمعنى أن الأعلى امتلاكا لأصوات الناخبين يُعلن فوزه بالمقعد، دون الاحتياج للأغلبية.

علاوة على ذلك، فإن الإطار الزمني الذي يمتد لأسبوعين حتى الجولة النهائية يقدم فرصة للمعارضة لمعالجة مخاوف الناخبين المترددين والتأثير على الرأي العام لصالحهم.

السياسة الجديدة والدعم الخارجي المحتمل

خلال الانتخابات الرئاسية السابقة التي جرت في 2018، فاز أردوغان من الدورة الأولى بعد حصوله على أكثر من 52,5 بالمئة من الأصوات. لذلك، سيشكل احتمال تنظيم دورة ثانية في 28 أيار/مايو الجاري انتكاسة له.

أردوغان اعتمد على قوة قطاع البناء خصوصا، مشيرا إلى إنجازاته العظيمة التي أدت إلى تحديث تركيا، ليبرز نجاحه خلال العقد الأول من توليه السلطة، كرئيس للحكومة أولا. لكن الزلزال كشف فساد المقاولين والسلطات التي أصدرت تصاريح البناء في تحد لقواعد الوقاية من الزلازل.

من جهته، استخدم كليجدار أوغلو ورقة التهدئة واعدا بإقامة دولة القانون واحترام المؤسسات، التي تضررت خلال السنوات العشر الماضية بميول أردوغان الاستبدادية.

في الفترة التي تسبق الجولة الحاسمة من الانتخابات الرئاسية التركية، يمكن أن يؤثر دعم الأحزاب السياسية الجديدة بشكل كبير على النتيجة. في حين أنه من الصعب التنبؤ بأي حزب سيحصل على الدعم، فإن ظهور الأحزاب والائتلافات الأصغر يمكن أن يعيد تشكيل المشهد السياسي. يمكن أن تؤثر موافقاتهم على الناخبين وربما ترجّح الكفّة لصالح كليجدار أوغلو.

أما بالنسبة للدعم الخارجي المحتمل، فمن الجدير بالذكر وطبقا لما أشار له أكسو، فإن العلاقات الخارجية لتركيا تلعب دورا حاسما في ديناميكياتها السياسية. في حين سعى أردوغان إلى إقامة علاقات وثيقة مع دول مختلفة، بما في ذلك روسيا، فإن تأثير الدعم الخارجي على الانتخابات غير مؤكد. في نهاية المطاف، يعود القرار إلى الناخبين الأتراك، الذين سينظرون في المقام الأول في القضايا المحلية وسياسات المرشحين.

ستكون جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية التركية بين أردوغان وكليجدار أوغلو حدثا مراقبا عن كثب محليا وعالميا، لأنه سيمثّل منعطفا حاسما في المشهد السياسي للبلاد، إلا أن المعطيات تشير إلى أن الرئيس المنتهية ولايته أردوغان يخوض في جولة الحسم أصعب منافسة انتخابية على الإطلاق خلال عقدين من حكمه، ويواجه مجموعة العوامل التي تصعّب موقفه منها الصعوبات الاقتصادية والاضطرابات التي عاشتها البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات