“بين جهاز مرغوب وتخوفات مقلقة: الأمن العام ما له وما عليه”
أثار خبر الاعتداء الجسدي واللفظي في حمص على الناشط المعروف في الأوساط الثورية عبدالرحمن كحيل موجةً من الغضب والتفاعل والاستياء والتساؤل، وفي تفاصيل الحادثة قامت دورية تتبع للأمن العام باعتراض طريق سيارته داخل المدينة حيث كانت برفقة خطيبته مطالبين إياه بإثبات درجة القرابة بينهما، وهو ما تعذر إثباته لأنّ الخطوبة لا تنضوي على أوراق رسمية، وبعد مشادات ومشاحنات بين الطرفين جرى اقتياد الكحيل إلى فرع الأمني الجنائي وبقي هناك لبضع ساعات تعرض خلالها لضربٍ مبرحٍ.
بحسب مصادر خاصة لـ “الحل نت” أفضت تلك الحادثة عن كسر في معصم يده ورضوض وكدمات في الفخذ مع ثقب في غشاء الطبل، قبل أن يفرجوا عنه مهددين إياه في حال محاولته تقديم ادعاء رسمي وقانوني بحقهم، وفق ما أفاد مقربون منه.
حادثة عبد الرحمن ومئات الحوادث المشابهة تفتح الباب عريضاً أمام التساؤل: عن دور وهوية جهاز الأمن العام، تشكيلهم، تدريبهم، انضباطهم، جاهزيتهم، قدرتهم على التعامل مع المدنيين وفي المواقف الحساسة، وغير ذلك.
تفكك مشهدية الحكم القمعي
واجهت سوريا ولا تزال منذ سقوط نظام بشار الأسد أواخر العام الفائت فراغاً أمنياً هائلاً خلفه غياب المؤسسات وتداعي بنيتها القوامية والتشكيلية، حيث يكفي الاستشهاد بأنّ عناصر وزارة الداخلية كان قوامهم يناهز نحو 80 ألف عنصر وضابط من المدنيين، وبالطبع هؤلاء جرى حلّهم وفقاً للرؤية الجديدة في بناء سوريا المعاصرة، وهو ما أتاح في مكان تنامي فرص الجريمة وتحررها من قيودها واستسهال أفرادها القيام بعملياتهم الإجرامية.

هذا عدا عن عشرات آلاف العناصر الأمنيين من مختلف الصفوف الذين فروا مع سقوط النظام، وهؤلاء لا يمكن التعويل عليهم لولوغ معظمهم في دماء السوريين، وبالتالي تفككت مرّة واحدة مشهدية الحكم القمعي القائم على الولاء منقطع النظير، وصارت سوريا في مهب رياح تشكيل الأجهزة الجديدة، غير مكتفية فترة التدريب غالباً، والمسلوقة على عجل وعجالة.
وكان من ذلك الإسراع في تشكيل جهاز الأمن العام من قبل السلطات السورية الجديدة بهدف ضبط الأمن الداخلي، وليقوم مقام الأمن العام والسياسي والجنائي في آمن معاً، متولياً مهمة حماية أرواح الناس وممتلكاتهم الخاصة والعامة وتنظيم الأفراد وتوزيع الحواجز واحتواء أي إمكانية لفلتان أمني متوقعٍ تصاعده نتيجة الفراغ.
التشكيل المستعجل
كان خيار إنشاء هذا الجهاز المستعجل الخيار الأول والأبرز والأمثل والأكثر استعجالاً أمام هيئة الحكم الجديدة وسط تدهور الواقع الأمني وازدياد حالات الانفلات من درعا إلى دمشق فحمص وحلب والساحل، انفلات على شكل قتل وتصفيات واغتيالات واختطاف وهجمات على الأسواق والمطاعم.

اتخذ قرار تشكيل الجهاز الأمني في الخامس من كانون الثاني/يناير 2025، أي بعد قرابة أقل من شهر من سقوط النظام، وقد اتخذ القرار وقتها المجلس العسكري التابع للسلطة الانتقالية، ليشكل قوة شرطية – أمنية – استخباراتية مشتركة ذات مهام محددة في سياق عمل كلّ واحدةٍ منها.
التأسيس بحدّ ذاته كان خيار الضرورة الفوري، فحمل معه تعارضاً بنيوياً في شكل ووظيفة الجهاز عينه، وأحياناً تعارض الاختصاص وتضارب المصالح والمسؤوليات والمهام، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم جودة التدريب الكافي زمانياً ومكانياً ولوجستياً وإدارياً وفنياً وتعبوياً.
عانى الجهاز في بدايته من نقص فادح على مستوى الأفراد التي يمكنها تغطية عموم الجغرافية السورية، فاعتمد التشكيل بشكل أساسي على: مقاتلين عسكريين سابقين من الفصائل المعارضة المسلحة، وهؤلاء يملكون خبرةً ميدانية قتالية عالية الجودة في أرض المعركة، لكنّها تختفي حين وضعها على محكّ الملف الأمني، وخصوصاً في ضرورات التعامل مع المدنيين الطبيعيين في الشوارع والطرقات والساحات، إذ اتسم أسلوبهم غالباً بالفجاجة والخشونة والتسرع والاعتداء.
إلى جانبهم جرى تطويع منشقين قدماء سابقين جرى التثبت من نظافة ملفهم الأمني، وهؤلاء بدوا أكثر قدرةً على التعامل المدني الآمن مع الأفراد، لكنّ عددهم قليل للغاية، ولم يحظوا بمواقع قيادية ذات تأثير أكثر منها شكلية، أما العدد الأكبر من المتطوعين فكان من المدنيين المدفوعين بحماس التجربة، وهي الفئة الأكثر عدداً والأقل جودةً وخبرةً وحاجة لتأهيل دقيق إلّا أنّها في ذات الوقت سدّت فراغ النقص الكبير في تعداد الجهاز، بحسب مصدر على اطلاع.
خلال تنسيب هؤلاء الأفراد لجهاز الأمن العام حصل تجاوز كبير لشروط ومعايير الانتقاء الأمني والتأهيلي والعلمي ليصار إلى قبول الآلاف دفعة واحدة دون إجراء فحوصات أمنية معمقة لإثبات تمكنهم من الضلوع بالدور المناط بهم، وهو ما فتح الباب أمام عناصر متفلتة لتتسلل من جهات مشبوهة ترتبط بسوابق جرمية سابقة نحو عمق الجهاز، وهي التي يرى مراقبون أنّها مسؤولة بالمقام الأول عن كثير من الانتهاكات التي ارتكبت، ومن بينها قصة الناشط كحيل، وسواه المئات.
القوى البشرية
بحسب مصادر خاصة لـ”الحل نت” من داخل جهاز الأمن العام، فقد بلغ تعداد المقاتلين ضمن الجهاز حتى أواسط نيسان/أبريل الفائت، ما بين 25 إلى 30 ألف مقاتل، ينتشرون في المدن الرئيسية وعلى رأسها دمشق، حلب، حماه، حمص، درعا، السويداء حديثا، دير الزور، اللاذقية، طرطوس، وعلى الطرقات الدولية، وعلى الطرقات الواصلة بين القرى والبلدات عموماً.

الوصول إلى هذا الرقم لم يكن سهلاً أو طبيعياً في هذه المدّة القياسية، وقد احتاج إنشاء عشرات مراكز التدريب السريعة في المدن الكبرى، مع إعلانات مكثفة للغاية في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والرسائل النصية وكل وسيلة متاحة، وكان البحث ضمن كلّ ذلك ينصب على الكمّ لا النوع.
وقد أسهمت هذه التوليفة غير المتجانسة من المقاتلين السابقين، والمنشقين، والمدنيين المتحمسين، في خلق تركيبة مهترئة في بعض مواقعها، وغير قادرة على فرض أمن مستقر ومستديم بقدر ما ساهمت أحيانًا في تعزيز مظاهر الانفلات بسبب سوء الفهم للمهام الأمنية، وغياب المرجعية المهنية الموحدة على مستوى القيادات الفصائلية.
بل وصل الأمر لمرور البلد في مراحل معقدة من الفراغ إلى المرحلة الانتقالية فالسلطة المؤقتة وتبديل ثلاثة وزراء داخلية في ظرف ثلاثة أشهر وبضع، ورئيسي جهاز استخبارات.
“ورشة إعداد مقاتل”
أكبر مشكلة واجهت الجهاز الجديد هي قصر مدة الدورات التدريبية وسوء إعداد البرامج الأمنية النظرية وما يرافقها من تنفيذ بيانات عملية ميدانية على الأرض، ففي غالب الأوقات تم تخريج مقاتلين بعد دورات لم تستغرق سوى عشرة أيام، فيما بعضها الآخر امتد لأسبوعين أو ثلاثة، وكانت تتضمن تلك الدورات دروساً شرعية بطبيعة الحال.

ذلك الاستعجال عكس ارتجالاً مبالغاً به في صياغة بناء الجهاز الأمني في سوريا، فإنّه ووفقاً للمعايير الدولية تقتضي الشروط أن يخضع المتدرب الأمني لدورات مكثفة تصل مدتها لستّة أشهر للعنصر، ولنحو عامٍ للضابط، وتتضمن تدريباً نظرياً وعملياً وتكتيكياً وميدانياً مكثفاً للغاية. ولكنّ ما حصل في سوريا يمكن تسميته بـ “ورشة إعداد مقاتل”.
وتلك الورشات اعتمدت في غالبها الأعم على دروس نظرية سريعة حيال قوانين الطوارئ وكيفية الاعتقال، وكانت مختصرة وسطحية ولم تتجاوز في معظم الأحيان عشرين ساعة تدريبية، ولم تنتهي باختبارات تجاوز، وخلال جانبها العملي المبسط للغاية تمّ الحديث عن كيفية تفتيش السيارات والأشخاص والتحقق من الهويات، دون تدريب معملي كافٍ على التعامل مع المدني في الأحياء الآمنة.
وترافق ذلك مع التعريج على عجالة حول الحديث عن حقوق الإنسان الرئيسية بشكل شكلي، دون تدريبات نفسية تأهيلية سلوكية حضارية تراعي مبادئ العمل الأمني (المدني – الشرطي/المدني)، والتنسيق بين العملين.
بناء على كل ما سبق، من ضعف تدريب، وتعدد خلفيات المقاتلين، وضياع بنية الثقافة الأمنية الموحدة، والاعتقالات العشوائية، والاختطاف المنظم أو غير المنظم، والاستهداف المركز، والتقارير الصحفية والأممية التي تشير إلى عدم وجود تجانس فعلي داخل الجهاز مع ضياع دوره بفعل تسرع إنشائه، أدى ذلك لإنتاج بيئة مضطربة وغير آمنة أو مستقرة، وبالتالي تفلت واسع، تفلت قد لا يشمل الجميع بطبيعة الحال، ولكنّ المثل يقول: “الحسنة تخص والسيئة تعم”.
من سياق مراقبة الأحداث طيلة الأشهر الخمسة الماضية تبدى واضحاً أنّ التصرفات الفردية تطغى على سلوك العناصر، فالبعض جيد للغاية، والآخرون ليسوا كذلك، ففي حين يلقى مدنيون معاملة جدّ حسنة على الحواجز، يلقى آخرون إهانات نفسية ومعنوية ترقى لمرحلة التعدي الجسدي بناء على شكوك وانطباعات قد لا تكون في مكانها، ودون الاستناد بالطبع إلى أوامر نيابية قضائية أو مذكرات توقيف مطلوبة، وتجاوز الأمر ذلك حتى وصل حدود انتهاك الحرمة المعنوية بتفتيش الأجهزة الخلوية لبعض المارّة دون مبرر أو هدف.
صلاحيات على الرف
تجاوز بعض العناصر في كثير من الأحيان المهام الموكلة إليهم دستورياً، فتدخلوا في تفاصيل مغرقة في اجتماعيتها وخصوصيتها كقضاة ميدانيين أو شرعيي تحكيم لمنازعات حاصلة لا علاقة لهم بهم. تلك التدخلات أفضت في كثير من الأحيان لاعتقالات تعسفية رصد منها “الحل نت” مئات حالات التوقيف بلا مذكرة قضائية بين شهري كانون الثاني/يناير وآذار/مارس 2025 في حمص وحدها.

وعلى الأقل 120 حالة أخرى في دمشق خلال شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل 2025، إما من خلال الحواجز الثابتة أو الطيّارة. وقد أثبتت شهادات بعض الخارجين الذين استمع إليهم “الحل نت” تعرضهم لضرب مبرحٍ دون توجيه تهمٍ واضحةٍ إليهم.
لكن، على الرغم من الإضاءة على سلبيات وسلوكيات ممارسات بعض أولئك الأفراد لكن لا بدّ من الإشارة أيضاً إلى جوانب إيجابية واسعة لعبوا دوراً في تحقيقها، ومن أهمهما محاولات الجهاز الواسعة لضبط الفراغ الأمني وعدم المساهمة في التحول نحو الفوضى التامّة، وكان ذلك بمبادرات من عناصر وقادة جماعات أمنية وتوجيهات من رئيس الجهاز.
لذا يمكن لحظ أنّ السياق الأمني بدأ يعتدل شيئاً فشيئاً مع مرور الأشهر، وبدأت تخفّ وتيرة الإشكالات الحاصلة بين الحواجز والعابرين، إضافة لمساهمة الجهاز بعمليات وقف التهريب واشتراكه في تحرير كثير من المخطوفين بل والحدّ منها، وكذلك لا يمكن نسيان دوره الجبار رفقة وزارة الدفاع إبان أحداث الساحل في آذار/مارس الماضي إثر قيامهم بتشكيل طوق بشري لحماية الأحياء العلوية في حمص من أي هجمات مفترضة من أصحاب “الرؤوس الحامية”، وهو ما تكرر مع اللغط والفوضى جنوب دمشق والتي أثيرت عقب تسريب صوتية مسيئة للرسول (ص) وأيضاً حينها شكّل الأمن العام درعاً بشرياً لمنع حدوث صدامات أهلية في حمص ودمشق.
وفي الشهرين الماضيين تمكن الجهاز من تحرير قرابة عشرة مختطفين في دمشق وريفها إثر عمليات أمنية، ما أسهم في حدّ وضع جزئي لتلك العمليات ولو نسبياً وعلى مستوى العاصمة على الأقل. كذلك تصديه لعمليات مخربين محليين أو من فلول النظام في أكثر من منطقة وموقع وهدف وتقديمه مئات الضحايا وتمكنه من اعتقال الكثير من خصومه أولئك.
ترف الوقت
مسؤول أمني فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بطبيعة عمله قال لـ “الحل نت”: “لقد كنّا نحتاج وقتاً أطول في تدريب العناصر على الالتزام وضبط الأعصاب والتعامل مع الأفراد والتجمعات والجماهير والتظاهرات ومختلف الأحداث الأمنية والشرطية وحلّ النزاعات بين الأفراد دون اللجوء إلى القوة لكن لم نكن نمتلك ترف الوقت ولا الكفاءات التدريبية والتنظيمية اللازمة ضمن المدّة القصيرة جداً التي كان علينا خلالها استحداث الجهاز رغم كلّ ما قدمته القيادة من تسهيلات، مشكلتنا الواضحة اليوم هي في تحويل سلوكيات العنصر الميداني المقاتل إلى عنصر غير جبهوي يجيد التواجد بين الأحياء المدنية منزوعة السلاح والتهديد”.

وفي ذات الإطار لا ينفي المسؤول أنّ معظم “الانتهاكات” التي وقعت خلال عمليات تفتيش الأحياء وضمن الفترات الأولى لتشكيل الجهاز دون أذون مسبقة أو أوامر رسمية أو نيابية تمّت بمبادرات فردية منطلقة من حالة الاغتراب في اختلاف التعامل التام ما بين الجبهة والحياة الاجتماعية.
صلاحيات بعض الأمنيين تجاوزت للدور المنوط بهم، والتصرف كسلطة عليا تتخطى مهامها في حماية الناس وأمنهم العام، وما تبعها من ممارسات غير مرغوبة، على رأسها الاحتجازات التعسفية جعلت وجهات نظر السوريين تتباين حيال الجهاز ودوره، بل والخشية من ألّا يتمكن السلوك العام المنضبط من ضبط السلوك الفردي المتحرر.
يقول سليمان حمود وهو أحد موظفي مدينة حمص لـ “الحل نت”: إنّ “الوضع كان كارثياً في مدينته مع بداية نشاط جهاز الأمن العام، فقد تم توقيف أقارب له دون تهمة واضحة، وجرى احتجازهم لفترات متفاوتة بعضها بلغ أكثر من شهر، دون إمكانية توكيل محامٍ، وكان ذلك الشكل من التعاطي، ولا زال مستمراً جزئياً يوضح أنّ هناك خللاً بنيوياً في صياغة هيكلية الجهاز بين أفراد منضبطة ومتسقة مع مهامها وأفرادٍ لا تعلم شيئاً عن الدور الأمني وخصوصيته، ونحن لا نريد تكرار تجربة بشار”.
أما سما الحموي المهندسة المقيمة في دمشق، فقد كانت تتوسم الكثير من الخير بجهاز الأمن، لكنّها سمعت عن ممارسات كثيرة غير صالحة قد ارتكبها بعض أفراده بحق المدنيين، ومنها ما يشبه حالة الناشط كحيل بسؤال المارّة عن هوية مرافقيهم، بل وفرض جلوس النساء في مكان والرجال في مكان في حافلات النقل وخلافه، وترى أنّ تلك التصرفات مزعجة، فهي شخصياً تعرضت لتفتيش دقيق ومصادرة هويتها لمدة نصف ساعة دونما سبب أو مبرر، قبل أن يتدخل قائد الحاجز لحلّ الإشكالية، ما خلق لديها قلقاً متنامياً من العبور على الحواجز في ظلّ ما تسمعه من أخبار، قائلةً: “لا أحد يدري متى تأتي ساعة الغفلة”.
وفي الإطار يرى مواطنون كثر آخرون بجهاز الأمن وسيلة فاعلةً لتحقيق الأمان وتعميمه، إذ يعتقد المدرّس الثانوي أحمد جزماتي من حمص، أنّ وجود الأمن العام وانتشاره هو مدعاة للهدوء والثقة والاطمئنان والتحسن في الواقع العام، حيث أوقف هذا الجهاز الكثير من عمليات السطو والخطف والسرقة، “الآن الوضع أفضل بكثير”.
“كانت هناك عصابات منفلتة تهاجم الأحياء والبيوت والمحال في اللاذقية دون معرفة تبعيتها ومع تدخل الأمن العام ساد الأمان والهدوء”، تقول المترجمة دينا العباس من محافظة اللاذقية خلال حديثها مع “الحل نت” عن انطباعاتها حيال دور الأمن العام، دون أن تنكر وجود ممارسات تسميها بـ “الفردية” من تعسف واعتقالات وتعدٍ في بعض الأحيان، لكنّها تؤكد أنّ الأمور يوماً تلو الآخر تتحسن، ولهذا الجهاز “دور كبير في ضبط أمننا وتحركاتنا وتنقلاتنا ما لم يحدث شيء مفاجئ، واعتقد أنّ سلوكيات العناصر تختلف من منطقة لأخرى، فالأحداث التي تصلنا من مناطق أخرى ليست مبشرّة للغاية”.
وبين تلك الآراء وأخرى عديدة استمع إليها “الحل نت” يمكن تلخيصها بما بين المتفائل والواثق الذي يرى بالجهاز فرصةً لتحسين الوضع العام وبين من يخشى من الانتهاكات التي قد تتم ممارستها، وما بين البينين تفاوتٌ في التعميم على صورة الجهاز في نظر السوريين.
التأثير على سوريي المهجر
الأخبار التي ترد عن الأمن العام سلباً وإيجاباً، مع تباين آراء السوريين حيال طبيعة وشكل ونوعية عملهم، أرخى بظلّه الثقيل على تنامي مخاوف لاجئين كثر من العودة خشية أيّة أحداث أو انتهاكات أو اعتقالات أو مضايقات غير متوقعة، أحمد عبد الحي لاجئ سوريا في تركيا، تواصل معه “الحل نت” وأفاد بأنّه يستبعد العودة في الوقت الحالي لسوريا، رغم فيض اشتياقه لشوارع بلاده، لكنّ فكرة ما يحصل عموماً في البلاد تشعره بالقلق الكبير، وكثر من أقرانه في مغترب اللجوء يشاطرونه شعوره ذاته، منتظرين على أمل تحسن الأوضاع جذرياً، فأخبار الاختفاء القسري والخطف والاعتقالات تثير الهلع بينهم، و “كلّما سألنا أحداً عن طريق العودة يقولون لنا: لا شيء مضمون بالمطلق، فإن كنت سأتعرض لأي مضايقة بعد كل سنوات الغربة القسرية هذه فإنني أفضل البقاء في بلد اللجوء”.
وكمثل أحمد حال سميرة ساهر اللاجئة في لبنان، والتي تولي وقتاً طويلاً لمتابعة كل التطورات اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي، مستخلصةً حالةً من القلق والفوضى العارمة كما تصف، وهو ما يؤخر في قرار عودتها رغم مرارة العيش حيث هي، “أخشى من المداهمات العشوائية، من عدم التمييز بين الفلول والثور أحياناً، بين المعارضين والموالين السابقين، لن أعود الآن قبل أن أشعر بأنّ سوريا يسودها الأمن والأمان المطلق مع حفظ الحريات والكرامات وعدم إمكانية التعرض لأيّ مضايقة من أي شكل أو نوع”.
“أعيش في هولندا منذ بضعة سنين، لم تفارقني لحظة أحلام العودة الآمنة لوطني ولو على شكل زيارة، لكنّ البلد مشتعل، والأخبار مقلقة”. يقول اللاجئ في هولندا مفتاح صبح في معرض تبيان أسباب تأخر زيارته لبلده، مضيفاً: “قررت أني لن أعود الآن بناء على ما أراه وأسمعه من أهلي وجيراني وأصدقائي، لم نكن نريد استبدال جهاز أمن بآخر عنيف وقاسٍ، أنا خائف حقاً من فكرة العودة، خائف من كيل تهم جزافاً لي دونما سندٍ أو حقيقة، لا يوجد ضامن لعودتي، ولا أريد أن تنتهك كرامتي النفسية لأي سبب، ولا أن أصير مختطفاً في أي حالٍ من الأحوال”.
ويسرد صبح، “أنا لا أعقد الأمور، ولا أقول أن كلّ شيء سلبي، ولكن يجب تفهم مواقف لاجئي الخارج، فالناس في الداخل إن كانت فهمت وتعايشت فنحن في المنفى تصلنا الأخبار مضخمة معمقة ما يزيد إحساسنا بالخوف والغربة وضرورة عدم المجازفة ولو كنا أولاد الثورة نفسها منذ اندلاعها، فالفوضى لا تفرق بين ثائر وآخر، الكل سواسية في لحظة ما، وكحيل الذي تعرض للضرب والتكسير والتعنيف خير مثالٍ، فإن كان هو حصل معه ما حصل، فماذا قد يحصل معي وأنا الذي لست معروفاً في الأوساط الثورية”.
كذلك منى ميرو التي تقيم كلاجئة في ألمانيا منذ عشر سنوات، تؤكد أنّها خلال تلك السنين تعلمت وتأدلجت على الحقوق والحريات واحترام كيان الإنسان، لذا ينبع مصدر قلقها وخوفها من هذا الاتجاه، من ألّا تجري معاملتها كما يليق بها كإنسان تحت أي ذريعة كانت حتى لو كانت ضمن ضرورات فرض سطوة الأمن بالقوة لاعتدال المجتمع، قائلة: “سأنتظر ازدهار بلادي، لن أغامر طالما لست أضمن معاملة عادلة”.
لاجئون آخرون قرروا العودة، كثرٌ منهم لم يتعرض لأي مضايقة تذكر، أو أيّ حدثٍ أمني، لكن مخاوف عدم الراغبين في العودة لا تقتصر على الممارسات الكيفية البضعية من عدد من العناصر الأمنية، بل تتخطاها نحو التطورات الحاصلة من قبل الفصائل غير المنضبطة والتي سيّدت أعراف القبيلة في معالجة منحنيات الحياة واليوميات، ومنها مجازر الساحل وأحداث السويداء وملف المقاتلين الأجانب والتشدد الذي لا يشبه وجه البلاد ومهاجمة المطاعم والنوادي الليلية وغيرها من الأحداث التي لم يكن من المفترض وقوعها بل كان يجب ضبطها بيدٍ من حديدٍ ونار في معادلة يبدو فيها الأمن العام رغم ما سبق أفضل جهازٍ لا يحمل ضغينة العابرين للحدود جهاداً وفكرةً ومنطقاً.
ذلك كلّه أثر في نفسيات ومشاعر وأحلام اللاجئين الراغبين بالعودة، حتى كاد يكون سمة مشتركة بالاتفاق أنّ على الأوضاع أن تستقر أولاً قبل المضي بالتفكير في العودة زيارةً أو استقراراً تحت بند الشعور بالأمان المطلق، وتبدو هذه السمة رغم شموليتها لكنّها تخصّ الأقليات من المكونات أكثر من غيرها في كثير من الأحيان.
- “الانترنت الضعيف” يعيق حياة الأهالي والطلاب في حلب
- “الوفاء لحلب”.. حملة شعبية لإعادة تأهيل أحياء المدينة
- الغاز التركي سيصل إلى حلب خلال 3 أشهر.. هل يُسهم في رفع ساعات وصل الكهرباء؟
- “منحت نفسها صلاحيات مطلقة”.. أيمن أصفري يهاجم الإدارة السورية
- أزمة بوسي شلبي مع نجلَي محمود عبد العزيز تتصاعد.. وتضامن فني واسع
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

الناشط عبد الرحمن كحيل يروي حادثة اعتداء الأمن العام عليه.. والصحفي إياد شربجي يتعرض لكمين بدمشق

بعد عودة الهدوء إلى جرمانا وصحنايا.. ماذا عن السويداء؟

بعد أيام من إنهائه.. توتر واستنفار للقوى الأمنية والعسكرية في الساحل السوري

“الأمن العام” في سوريا يعتقل 25 ناشطاً ويعتدي على صحفي دون مبرر
الأكثر قراءة

هجومان لـ”داعش” يستهدفان مواقع “قسد” بريف دير الزور في سوريا

هجوم حاد على ديمة بياعة بسبب إيحاءات وكلمات نابية: ما القصة؟

هبوط أسعار السيارات في سوريا.. عوامل تفسر أسباب تراجعها إلى ربع قيمتها

موفق طريف يلتقي قائد بالجيش الإسرائيلي.. وتصاعد في أشرفية صحنايا بسوريا

موجة غلاء تضرب أسعار الخضروات في الأسواق السورية.. متى يتوقف ارتفاع سعر البندورة؟

مصعب العلي: من ساحات الثورة إلى تحديات وزارة الصحة
المزيد من مقالات حول في العمق

الشرع يكرّس حكم العائلة: صفحات جديدة بنفس الحبر القديم؟

التكوينة غير المتجانسة لجهاز الأمن العام وراء سلوكيات الانتهاكات الفردية؟

هل تستطيع سوريا النجاة من نيران الطائفية؟

شرارة كشمير.. الهند وباكستان نحو صراع شامل؟

إيران في قلب معركة حصر سلاح “حزب الله”

الفصائل الفلسطينية في سوريا: من توظيف القضية تاريخيا للانفكاك عنها مستقبلا

“السلطة ضرورة لا كخيار”.. كيف تتهرّب دمشق من مسؤولية حماية السوريين
