كانت من “المحرمات” وباتت ظاهرة.. عمالة الأطفال في درعا خلال سنوات الحرب

كانت من “المحرمات” وباتت ظاهرة.. عمالة الأطفال في درعا خلال سنوات الحرب

محمد عمر – درعا

لم تعد مشاهدة طفل يعمل في بيع المحروقات أو جمع الحطب في شوارع محافظة #درعا منظرًا غريبًا أو مستهجنًا، وهو الذي كان قبل “الثورة” من النوادر وربما المحرمات، فقد دفعت الحاجة وتراجع المستوى المعيشي لمعظم العائلات في درعا بالأطفال من صفوف الدراسة إلى ساحات العمل لمساعدة ذويهم في إعالة أسرهم، أو ربما تحمل أعباء عائلات فقدت معيلها وبات طفلها هو المعيل الوحيد.

يقول محمد سليمان (مدرس في مدينة درعا) في حديثه لموقع الحل إن “فقدان الأطفال للحياة الدراسية المنتظمة، نتيجة الانقطاعات المتكررة في العملية التدريسية، ساهم بشكل كبير في التسرب من المدارس نحو العمالة، ولاحقًا يصبح من الصعب إعادة الطفل للمدرسة بعد أن وفر له العمل مورداً مالياً له ولعائلته”.

ويضيف محمد أن عوامل كثيرة تقف خلف عمالة الأطفال وساهمت الحرب في ارتفاع نسبتها بشكل كبير: “المستوى المعيشي لكثير من العائلات أصبح تحت خط الفقر بسبب النزوح والدمار في البنى التحتية، وأصبح أكثر من فرد من العائلة الواحدة مضطراً للعمل وفي بعض الحالات تضطر النساء للعمل أيضاً، وعلى الرغم من مساوء عمالة الأطفال وخطرها على المجتمع، إلا أن المصدر اعتبر أنها تحمل عاملًا إيجابيًا فرضته الحرب، تسرب الأطفال من المدرسة وعدم ملئ وقتهم في العمل، يساعد الفصائل العسكرية على تجنيد الأطفال الذين يجدون في القتال نوعاً من الرجولة، ورغم العمل على منع الفصائل من تجنيد الأطفال إلا أن هذه الظاهرة مازالت منتشرة خاصة لدى بعض الفصائل الإسلامية التي لا تلتزم بالسن القانوني للتجنيد”.

تتعدد الأعمال التي يمارسها الأطفال، ولكنها تبقى محدودة في ظل محدودية فرص العمل المتاحة في المناطق “المحررة” في محافظة درعا، يقول مصطفى خروب (صاحب ورشة لقطاف الزيتون في ريف درعا) أن عددا كبيرا من العاملين في قطاف الزيتون من الأطفال، السبب في ذلك أن الأطفال يبذلون مجهودا أكبر ويقدمون إنتاج أفضل من البالغين وفي ذات الوقت يتقاضون مبالغ أقل، ويبرر مصطفى أن دفع مبالغ أقل للأطفال ليس استغلالًا لهم، ولكن أعداد الأطفال المتاحين للعمل في هذا المجال كبيرة ويقبلون بالمبالغ المنخفضة مقارنة بالشخص البالغ الذي يشترط مبلغ أكبر”.

وتنتشر #عمالة_الأطفال في أكثر من مجال، كبيع المحروقات والباعة الجوالين وفي المحال التجارية، بالإضافة لعمل بعض الأطفال في مهن تعتبر غير ملائمة لسنهم، كأعمال الميكانيك في صيانة السيارات أو أعمال الحفر والبناء، ويتقاضى معظم الأطفال مبالغ زهيدة مقابل عملهم في هكذا نوع من الأعمال، حيث استغل الكثير من أرباب العمل حاجة هؤلاء الأطفال لكسب العيش، متذرعين بأنهم يوفرون الفرصة أمامهم للتعلم على الرغم من أنهم يبذلون مجهوداً كبيراً لتأدية عملهم”.

الطفل راتب المسالمة “يقضي معظم النهار جالساً على جانب الشارع لبيع البنزين للسيارات المارة في مدينة درعا، راتب غادر المدرسة وهو في الصف السابع لمساعدة والده الذي أصبح عاجزاً بعد بتر أحد أطرافه نتيجة إصابته بقصف قوات النظام على أحياء درعا البلد، ويقول، لن أستطيع العودة للمدرسة وإكمال دراستي، وأنا حالياً مسؤول عن مساعدة والدي وتأمين مستلزمات العائلة”.

وإن كان راتب غادر المدرسة وهو في المرحلة الإعدادية، فالكثير من الأطفال يغادروها لسوق العمل في سن أبكر، حيث تشير بعض الإحصائيات المحلية أن معظم الأطفال العاملين تتراوح أعمارهم “بين السابعة والرابعة عشر، وهي السن الأساسية للتعليم المدرسي، ما سوف ينعكس سلباً على بناء المجتمع المحلي في المستقبل”.

ونفى راتب أن يكون والده قد أجبره على مغادرة المدرسة للعمل، وقال، “أنا قررت تحمل المسؤولية بعد أن أصبحت ظروفنا المادية والمعيشية صعبة بعد إصابة والدي وعدم وجود أي دعم ومساعدة كافية، على الرغم أن بعض العائلات تجد نفسها مضطرة تحت ضغط الفقر لإجبار الأطفال على العمل”.

على الجانب الآخر، لا تبدو ظاهرة عمالة الأطفال منتشرة في مناطق سيطرة النظام في محافظة درعا، فقوات النظام تسيطر على المراكز الإدارية في المحافظة حيث يعمل معظم أهالي هذه المناطق في الوظائف الحكومية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.