بثينة
من المعلوم ان ما يطرح على طاولة التفاوض لا يستغرق خطة التفاوض، وانه محاولة لتمرير هدف الخطة التفاوضية عبر تحويلها الى اتفاقات. فما يطرح على الطاولة من مواقف ومطالب مرتبط بما تقوم به مؤسسات ودوائر وأشخاص خارج غرف التفاوض يعملون على تحضير المناخ وتوفير شروط اقناع الطرف الآخر او ارغامه على قبول بما يطرح عليه داخلها. ومن هنا لابد من معرفة طبيعة استراتيجية الخصم التفاوضية، محدداتها، عناصرها، ايقاعها الزمني، للتعامل معها والرد عليها بشكل شامل ومنسق.
ترتكز استراتيجية النظام التفاوضية الى عدد من المحددات اولها رفض مبدأ التغيير، واعتبار الحديث عن التغيير غير منطقي لأنه لا يمتلك لا المبررات ولا فرص النجاح، ولذا فهو غير مقبول. وثانيها اعطاء انطباع انه يتصرف من موقع المنتصر، وان قدرته على الحسم أكيدة. وثالثها اظهار الاستعداد لتقديم بعض التنازلات لإيجاد حل للصراع ليس بسبب جدارة الخصم وشرعية مطالبه بل حرصا على البلاد والعباد.
عمل النظام وحلفاؤه طوال السنوات الماضية لتأكيد هذه المحددات وتثبيتها وتحويلها الى حقائق راسخة. ومع الوصول الى تفاهمات امريكية روسية حول عقد مؤتمر جنيف2 للعمل على تنفيذ بيان جنيف1، سرّع في ايقاع تحركاته السياسية والإعلامية، وبخاصة العسكرية، في سعي محموم لفرض وقائع سياسية وميدانية تجنبه الخضوع للرغبة الدولية بتنفيذ بيان جنيف1 الذي يعني الدخول في شراكة سياسية مع المعارضة بشروط لا تتناسب مع محدداته السابقة لأنها تنطوي على خسارته السلطة.
تحرك النظام لتحقيق خياره على محاور متوازية ومتزامنة فعلى الصعيد السياسي كرر موقفه الرافض للتغيير وللتعامل مع معارضة خارجية لا تمثل الشعب وتنفذ خطط الأعداء، وبدأ بحملة اعلامية كرر فيها بقاء رئيس النظام في منصبه، ورفض أي حديث يتعلق بمستقبله السياسي، وزاد بافتتاح حملة “شعبية” للمطالبة بترشحه للانتخابات الرئاسية، والدعوة الى اجراء انتخابات رئاسية بإشراف دولي كوسيلة لتحديد شرعية النظام ورئيسه ومدى الشعبية التي يتمتع بها، وابرز ممارسات القوى المتشددة باعتبارها تجسيدا للمعارضة والبديل المرشح لنظامه وضرورة مكافحتها باعتبارها قوى ارهابية وتكفيرية (شاركت روسيا وإيران في هذه الحملة وكررت موسكو الدعوة لإعطاء اولوية لمحاربة الارهاب ولاتحاد النظام والمعارضة لمواجهة القوى المتشددة قبل ان تسقط الحملة بالضربة القاضية عندما شنت كتائب الجيش السوري الحر حربها على داعش ونشرت صور ضحايا التعذيب في اقبية مخابرات النظام، غيّر النظام تكتيكه بعد ان خسر ذريعة داعش وأخذ اعلامه يصم الجيش السوري الحر بالإرهاب) وصعد من عملياته العسكرية وزاد في وتيرة القتل والتدمير بالتوسع باستخدام الطائرات والبراميل المتفجرة شديدة التدمير وتشديد الحصار على المناطق المحررة ضمن سياسة القتل بالجوع والبرد، في سياق توجه لتحقيق سيطرة على 80% من الارض السورية قبيل عقد جنيف2، وحصر المعارضة، السياسية والعسكرية، في الزاوية. وقد كرر مواقفه في رده على نص رسالة الدعوة التي وجهها السيد بان كي مون لحضور المؤتمر وخاصة في بند مرجعية بيان جنيف1، ونثر، بالاتفاق مع الروس والإيرانيين، بعض البرسيم ( وقف اطلاق نار في حلب، فتح ممرات آمنة لإدخال المواد الغذائية والأدوية، اطلاق سراح معتقلين) كتعبير عن ايجابيته وعن نمط الملفات التي يقبل بحثها والتنازلات التي سيقدمها.
في مونترو عاد النظام الى الاسطوانة المشروخة: سوريا تتعرض لهجوم ارهابي تغذيه قوى ارهابية من 83 دولة، ومهاجمة دول عربية وإقليمية ودولية لدورها المزعوم فيه، والنظام يتصدى لإنقاذ البلد وحمايته. وعلى الطاولة في جنيف، بادر الى الحديث عن أولوية محاربة الارهاب، في سياق حديث عن أخذ بيان جنيف1 كرزمة واحدة، والى تكتيك تجزئة الملفات والمراحل بحيث يغرق عملية التفاوض في تفاصيل وتعقيدات ترهق الخصم وتدفعه الى الانهاك وتستخدم عجزه او فشله عن مجارات هذه الخطوات وتوفير مستدعيات تنفيذها( مثل التشكيك في قدرته على تأمين طريق آمن لإيصال المساعدات الى المناطق المحاصرة، وعدم قدرته على ضمان اطلاق الكتائب المسلحة للأسرى الذين تحتجزهم من الجنود والشبيحة وعناصر الميليشيات المقاتلة الى جانب النظام، وهذه تؤسس للتشكيك في صدقية تمثيله للمعارضة) الى كشف ضعفه وعدم اهليته وإحراجه امام جمهوره وداعميه. كما عاد الى تكتيك جر المفاوضات الى قضايا وإجراءات خارج مرجعيتها مثل تجديد المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية تعددية وتحت اشراف دولي خلال ثلاثة أشهر، او القبول بخروج النساء والأطفال ومن يرغب من الرجال من المناطق المحاصرة في مدينة حمص، كوسيلة لتشتيت الانتباه وكسب الوقت وتأجيل الدخول في جوهر المفاوضات: تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات.
يحتاج وفد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الى خطة مواجهة مدروسة لاحتواء تكتيكات وفد النظام والعمل من اجل انجاح عملية التفاوض وتنفيذ مضمون بيان جنيف1، وهذا يتطلب:
التمسك بمرجعية بيان جنيف1.
التركيز على الخطوات الرئيسة وأولها تشكيل هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات.
مخاطبة الشعب السوري بكل مكوناته ووضعه في صورة مواقف الائتلاف واهدافه: دولة ديمقراطية تساوي بين مواطنيها في الحقوق والواجبات على قاعدة المواطنة، والعمل من اجل اعادة السلم الاهلي وحماية جميع المواطنين بغض النظر عن الدين والمذهب والعرق والجنس.
التواصل مع المعارضة ودعوتها الى المشاركة في الوفد او مشاورتها في تطورات عملية التفاوض وأخذ رأيها. وذلك لترميم تمثيله للمعارضة وقطع الطريق على التشكيك فيها.
التواصل مع الكتائب المقاتلة ووضعها في صورة التفاوض وتطمينها بخصوص الهدف النهائي حتى يضمن تعاونها في تنفيذ أي اتفاق جزئي او شامل.
لن تكون مهمة الائتلاف سهلة ولا طريقه الى تحقيق اهداف الثورة معبدة فنحن امام نظام مراوغ ولديه خبرات في التملص والخداع واستنزاف الخصوم، وهو لن يألو جهدا لتحقيق هدفه في البقاء في السلطة، وتدعمه في الاستمرار في تعنته ورفضه التسليم بمطالب الشعب في الحرية والكرامة، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، قوى اقليمية ودولية تستخدم الملف السوري لتحقيق مشاريعها الخاصة، دون مبالاة لا بالدم السوري ولا بالوطن السوري، وهي مثله محتاجة الى مزيد من الوقت علها تحقق اهدافها قبل ترك الملف السوري والكف عن التدخل فيه.
علي العبدالله ـ المدن
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.