المقاتلون الأجانب في سوريا الأعداد – الولاءات والأهداف – الآثار على الثورة السورية (الجزء الثاني)

المقاتلون الأجانب في سوريا الأعداد – الولاءات والأهداف – الآثار على الثورة السورية (الجزء الثاني)
(ملف أعدّه موقع الحل السوري لينشر على مرحلتين: الأولى تضم “عدد المقاتلين الأجانب في سوريا، أبرز الفصائل المسلحة التي ينتمي إليها المقاتلون الأجانب، العقيدة والأهداف، ظهور الفصائل والميليشيات والجهات الداعمة له، مناطق النفوذ” والثانية تضم “تأثيرات دخول المقاتلين الأجانب على الثورة السورية،حجم الأجانب في الصراع السوري،السوريون في صفوف الفصائل المتطرفة، الصراع باقٍ ويتمدد”)

(الجزء الأول): https://7al.me/?p=7745

داعش تعدم

الحل السوري ـ بشار يوسف

تأثيرات دخول المقاتلين الأجانب على الثورة السورية

في الوقت الذي كان فيه الجيش السوري الحر يحرز انتصارات كبيرة على حساب قوات النظام خلال عام 2012 وبدأ يسيطر فيها على مناطق واسعة من سوريا، استعان النظام السوري بمقاتلين أجانب من إيران ولبنان والعراق ودول أخرى لمساندته في التخطيط للمعارك غير النظامية وتعويض النقص الحاصل في قواته، وهو ما أعطى دفعاً كبيراً لقوات النظام لاحقاً مما مكنه من استعادة السيطرة على عدة مناطق كمدينة حمص ومنطقة القلمون، أو على الأقل الوصول إلى اتفاقات هدنة في مناطق أخرى.

على الجانب الآخر تعرض الجيش الحر لضربات موجعة نتيجة تعرضه للهجوم من قبل تنظيم داعش، مما أضعف من قوته نتيجة تشتته بين عدة جبهات في حرب طويلة مع قوات النظام من جهة وتنظيم داعش من جهة أخرى، فضلاً عن قيام التنظيم ومجموعات متشددة أخرى بقتل واعتقال وملاحقة عشرات الناشطين في مجالات الإعلام والإغاثة والأمور المدنية الأخرى بالإضافة إلى تنفيذ عدة اغتيالات طالت قادة بارزين في الجيش الحر.

يرى الناشط الإعلامي من الرقة، سرمد الجيلاني، أن الفصائل المتشددة من قبيل داعش قد عملت على “تحويل ثورة الحرية لما أسموه خلافة إسلامية والتي هي أبعد ما يكون عن الإسلام” واعتبر أن داعش كانت السبب الأساس لتدخل طيران قوات التحالف الدولي، كما أشار إلى أن وجود مثل هذه الفصائل أثر بشكل مباشر على سير الثورة السورية “حيث باتت شمّاعة من أجل تعليق كافة الأخطاء والتخاذلات عليها سواءً كانت محلية أو دولية.”

الناشط الإعلامي من درعا، عمار الخطيب، يقول إن المقاتلين الأجانب تحولوا إلى “فزّاعة أخرى” بلسان أنظمة إقليمية ودولية اتخذت من سوريا ميداناً لأجنداتهم في غيابٍ واضح للمصلحة السورية، وأضاف: “هناك عوامل كثيرة ساعدت على استقطاب المقاتلين الأجانب وفّرتها بعض الدول المجاورة باتفاقات سرية بين أجهزة المخابرات لتكون سوريا التجمع الأكبر للإرهاب وعلى ذلك تُبنى معادلات الحرب على الإرهاب لينعكس ذلك سلباً على متطلبات الشعب السوري التي خرج لأجلها في احتجاجات آذار 2011.” وكذلك أوضح الخطيب أن دولة “الخلافة الإسلامية” جعلت من نفسها جزءاً من المشكلة لا سبيلاً للخلاص “فإذا ما نظرنا إلى الساحة السورية وما يجري فيها من حرب بين أطراف عدة، نلاحظ أن الدولة الإسلامية أصبحت القاعدة التي يجب اقتلاعها بدلاً من نظام الأسد، وبناءً على ذلك جاء المبعوث الأميركي حاملاً معه بعض الحلول التي مفادها توجيه جهود جميع الأطراف بما فيها المعارضة ونظام الأسد إلى الحرب على الإرهاب في سوريا، والمقصود الدولة الإسلامية!”

من جهته اتّهم الناطق الرسمي باسم لواء ثوار الرقة التابع للجيش السوري الحر، الملقب بأبو محمد، تنظيم داعش بالعمل على زرع الفتنة بين الجيش الحر ومقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية، توضيحاً منه لمشاركة اللواء مع كل من حركة أحرار الشام وجبهة النصرة إلى جانب تنيظم داعش في المعارك التي شنوها على المناطق ذات الأغلبية الكردية في ريف الرقة وبشكل خاص مدينة تل أبيض خلال العام الماضي، وأضاف أن التنظيم “دخل عليهم باسم الدين وعمل على زرع الفتنة بين كافة الأطراف بهدف وضعهم في صراع دائم تخسر فيه كل الأطراف قوتها مما يسهل على التنظيم السيطرة عليهم وهو ما حصل لاحقاً.”

حجم الأجانب في الصراع السوري

إن العدد الكبير نسبياً للمقاتلين الأجانب لا يعني أن القتال ضد نظام الأسد تقوده قوات أجنبية كما يدعي النظام السوري، فعدد المقاتلين الأجانب لا يمثل أكثر مما نسبته 10% من عدد المقاتلين في فصائل المعارضة المسلحة، الذين تشير التقديرات إلى أن عددهم يتجاوز 100 ألف مقاتل، دون أن نغفل أن معظم هؤلاء الأجانب يقاتلون في صفوف تنظيم داعش من أجل “دولة الخلافة”، وليس ضد نظام الأسد، بل على العكس من ذلك، فالمعارك التي خاضها هؤلاء ضد المعارضة السورية تبلغ أضعاف ما خاضوه ضد قوات النظام، ويتركز وجودهم في مناطق باتت معروفة، هي الرقة ودير الزور وريفي إدلب وحلب.

في هذا السياق لا بد من التنويه إلى أن محافظة درعا تعتبر من أكثر المحافظات التي استطاع مقاتلو المعارضة فيها الحفاظ على هويتهم السورية، إذ أشار عمار الخطيب إلى أن جغرافية المحافظة كانت سبباً رئيساً في عدم توفر المناخ الملائم لتجمع أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب، فدرعا التي تقع في أقصى الجنوب السوري و”تجاورها الأردن وإسرائيل”، لا تزال الغلبة الأكثر فيها لأبناء المحافظة، وذلك من خلال الإجراءات الأمنية المشددة التي التي عملت عليها كل من الأردن وإسرائيل، على العكس مما يجري في الشمال السوري وانفتحاح المنطقة جغرافياً على دول مجاورة ساعدت على دخول المقاتلين الأجانب، وأوضح أن توافد أعداد كبيرة من مقاتلي جبهة النصرة من شمال سوريا إلى جنوبها كان سبباً رئيساً في تواجد عشرات المقاتلين الأجانب في الجنوب واستلامهم لبعض المواقع الحساسة في جبهة النصرة، إلا أنهم حتى الآن لا يشكلون مصدر خطر على أبناء المحافظة كون الطابع العشائري يغلب في معظم المناطق .

السوريون في صفوف الفصائل المتطرفة

يشارك السوريون في القتال ضمن صفوف تنظيم داعش وجبهة النصرة، فضلاً عن وجود تحالفات كثيرة بين فصائل المعارضة وبعض الفصائل ذات الطابع الإسلامي المتشدد، وفي الغالب يكون الدافع وراء انضمام السوريين إلى تنظيم مثل داعش واحداً أو أكثر من ثلاثة أسباب، المال، السلطة، والدين.

إلا أن اللافت للنظر هو ارتفاع عدد السوريين المنضمين إلى تنظيم داعش خلال العام الحالي دون وجود أية تقديرات لأعدادهم، وبشكل خاص في مرحلتين أساسيتين، أولهما السيطرة على الرقة ودير الزور وإعلان دولة الخلافة، وثانيهما بدء قوات التحالف الدولي بشن غارات جوية ضد بعض مواقع التنظيم ومواقع تابعة لفصائل إسلامية أخرى، في كل من الرقة ودير الزور وإدلب.

في المرحلة الأولى ارتفع عدد الذين “بايعوا” التنظيم في مناطق نفوذه، وبشكل خاص في المناطق الشرقية من سوريا، وفسر سرمد الجيلاني أن التنظيم اعتمد على عدد من العوامل أهمها “الترهيب بقطع الرؤوس والأحكام الجائرة في المناطق التي تحت سيطرته لترضخ له المناطق الأخرى، بالإضافة إلى النفط والدعم القوي الذي يملكونه، فضلاً عن اعتمادهم على استجرار الأهالي عبر الخيم الدعوية باسم الدين.”

أما في المرحلة الثانية، تسببت السياسة الأميركية في استهداف التنظيم والتغاضي عن “الجرائم” التي ارتكبتها قوات النظام في توليد إحساس عكسي حتى لدى المناهضين لفكرة دولة الخلافة، فاعتبروا أن هذه الضربات تهدف إما إلى “استهداف المسلمين” أو “إضعاف المعارضة وتقوية الأسد” إذ تفاجأ كثيرون باستهداف قوات التحالف لمواقع تابعة لجبهة النصرة وغيرها من الفصائل الإسلامية دون استهداف قوات النظام السوري، حيث بات الوضع وفقاً لوصف بعض الناشطين من إدلب يبدو وكأنه “يتم تقاسم نقاط القصف بين النظام السوري الذي أخذ يمعن في قصفه لتجمعات المدنيين والجيش السوري الحر خلال النهار، وقوات التحالف تستهدف الفصائل الإسلامية خلال الليل.” هذا الواقع دفع كثيرين من المدنيين والناشطين والفصائل المسلحة إلى مساندة داعش، وفي بعض المناطق في ريف إدلب خرجت مظاهرات “تضامناً مع تنظيم الدولة الإسلامية” كما أصدرت العديد من الفصائل بيانات تفيد برفضها لهذه الهجمات.

أفاد مقاتل في فصيل إسلامي، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن السبب الذي دفعه للانضمام إلى تنظيم داعش هو أنه على الرغم من محاربة فصيله لداعش مسبقاً فقد تم استهدافهم من قبل قوات التحالف مثلهم مثل داعش، لذا قرر الانضمام إلى التنظيم بسبب توافر “الرواتب والأمان” هناك، مؤكداً أنه بات واضحاً بالنسبة له أن هدف هذه الضربات هو إضعاف الثوار وليس القضاء على داعش.

الصراع باقٍ ويتمدد

بات من الواضح أن غياب أي أفق لحل سياسي للأزمة السورية، وتداخلها مع الصراعات الإقليمية والدولية، وتأجج الصراع المذهبي على حساب مبادئ الثورة وأهدافها، سيطيل من أمد الحروب القائمة على الأراضي السورية، وذلك في ظل ارتفاع عدد القتلى إلى أكثر من 200 ألف شخص والنازحين إلى أكثر من 6 ملايين شخص داخل سوريا وخارجها.

كما أن هذه الحروب تنذر بانتقالها إلى دول أخرى، وقد وصلت بالفعل إلى كل من العراق ولبنان، فضلاً عن تنامي التحذيرات من ظاهرة “العائدون من سوريا” وتهديدهم للدول التي تستهدفها عادة التنظيمات الجهادية أو الميليشيات الشيعية التي تقودها إيران.

هذه الحروب أصبحت تشكل عامل جذب للشبان المقاتلين بشكل فاق ما حصل في أفغانستان والعراق والصومال سابقاً، على الرغم من قصر مدة الصراع في سوريا مقارنة بطول فترات تلك الصراعات، ويعود ذلك إلى أن الوصول إلى سوريا سهل ورخيص وجذاب، فالحدود التركية واللبنانية مفتوحة على مصراعيها لهم. لذلك، وإن لم تتغير المعادلات في سياسات الدول المعنية، فإن عداد المقاتلين الأجانب في سوريا سيستمر في اتجاهه التصاعدي بكل تأكيد في واحدة من أكبر عمليات حشد المقاتلين الأجانب في التاريخ الحديث.

 

[wp_ad_camp_1]

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.