دفاع مدني

رامز أنطاكي

لا يكاد يمضي شهر أو شهران إلا ويتردد اسم الدفاع المدني لدى متابعي الشأن السوري الداخلي ومشتركي وسائل التواصل الاجتماعي، تحت عنوان مطالبة أفراد هذه المؤسسة الناشئة برواتبهم المتأخرة من الحكومة السورية المؤقتة.

الدفاع المدني في حلب تأسس تدريجياً على شكل مراكز متفرقة انطلاقاً من الحاجة الماسة لإنقاذ المتضررين من قصف النظام للمناطق المسيطر عليها من قبل المعارضة، وإطفاء الحرائق الناجمة عن القصف أو تلك التي تحدث عرضاً، وخاصة بعد أن قام النظام بقطع الارتباط مع مراكز الإطفاء في المناطق التي خسرها لصالح المعارضة، إذ يعتبر الدفاع المدني تابعاً للجيش وينسحب بانسحابه.

مصدر مطلع في الدفاع المدني-حلب رفض الكشف عن هويته حدثنا عن المرحلة التي تلت قطع الارتباط هذه: “بدأت المراكز بالتكتل مع بعضها من أجل التنسيق والعمل وتشكيل مديرية موحدة على مستوى المحافظة”، لتغطي الأجزاء الخارجة عن سيطرة النظام في المدينة والريف، وقد عمل الكثيرون لفترات طويلة في هذا المجال دون أي بدل مادي.

يتم اختيار العناصر الميدانيين للدفاع المدني بحسب هذا المصدر بناء على الملائمة الجسدية للعمل، بالإضافة إلى القدرة على استخدام المعدات الخاصة بالدفاع المدني، دون أن ننسى العناصر التي “انشقت” عن الدفاع المدني والإطفاء المرتبطين بالنظام. هذه العناصر التي تشكل اليوم ملاك المؤسسة تفتقر إلى المعدات الثقيلة وسيارات الإطفاء والإسعاف الكافية، فعلى الرغم من الدعم الذي تلقته المؤسسة إلا أن متطلبات الحاجة على أرض الواقع تفوق العتاد الموجود، خاصة مع كثرة استخدام الآليات والمعدات، وتعرضها للتضرر جراء القصف، وعدم توفر قطع الغيار على نحو دائم، مما يخرجها عن الخدمة أحياناً، خاصة مع سوء أحوال الطرقات وتراجع نوعية الوقود المتوفر في الأسواق، وعدم توفر سيولة نقدية للمصاريف اليومية من وقود وصيانة ومصاريف طارئة، وتبقى مشكلة تأخر رواتب العاملين مشكلة متكررة ومؤثرة أيضاً.

جزء كبير من الكادر البشري الدفاع المدني البالغ 400 عنصر تقريباً، لم يكن يملك خبرة سابقة في مجال الأعمال التي تقوم المؤسسة بالتصدي لها، وهم حصلوا على تدريبات متخصصة في تركيا لدى مراكز AKUT الممولة من بريطانيا وأميركا لرفع كفاءتهم وجهوزيتهم، ضمن دورات متنوعة خفيفة ومتوسطة واحترافية موجهة نحو الإنقاذ والإطفاء وإجلاء الجرحى والتعامل مع ضربات الأسلحة الكيماوية، وتم أيضاً في الإطار عينه فتح مركز تدريب في منطقة الأتارب من أجل تأهيل الكوادر داخل الأراضي السورية تحت إشراف مدربين مؤهلين من أصحاب الخبرة.

رغم عمل الدفاع المدني في مناطق اشتباكات تتقاسم فيها النفوذ كتائب عديدة حيث الحساسيات كثيرة إلا أنه نجح بأن يحوز على احترام جميع الفصائل العسكرية بسبب “عملهم الإنساني وحيادهم وعدم انحيازهم لأحد”، كما لأنهم يتعرضون لمخاطر شديدة ويومية في عملهم الإنساني كبدتهم عدة شهداء وإصابات متكررة، فكثيراً ما يضرب النظام موقعاً واحداً مرتين على نحو متتالٍ، ويضطرون أحياناً للعمل في مناطق مكشوفة لقناصي النظام.

النشاط الملحوظ متعدد الأشكال للدفاع المدني أنقذ حياة الكثيرين، وهذا ما تثبته الإحصاءات التي زودنا بها المصدر، ففي شهري آب وأيلول الماضيين ساهم عمل الدفاع المدني في منطقة حلب بالحفاظ على أرواح 1918 شخصاً.

إحسان الرجل الثلاثيني الذي بقي في حلب لا يخفي فخره وسعادته بعمل هذه المؤسسة قائلاً: “أصبح لنا مؤسسة ينطلق رجالها لمساعدتنا دون منة من النظام، أو الحاجة لدفع رشوة أو تقديم هدية”، وهو يظل يروي كيف استخرجت طفلة رضيعة من قريباته على يد الدفاع المدني من تحت أنقاض بيت أهلها الذي قصف من قبل طائرات النظام، وكيف أن عمراً جديداً حسب لها ما كان ليكون لولا هذه المؤسسة، وهو مطمئن أيضاً إلى مهارة رجال الدفاع المدني والخبرة التي اكتسبوها والمعدات التي في متناول أيديهم قائلاً: “على الأقل صرنا لا نقف رجالاً بالغين نبكي كالأطفال لعجزنا عن إنقاذ من يصرخون من التحت الردم والأنقاض، أمسى هناك من يستطيع تنفيذ ما كنا نعجز وحدنا عن القيام به”.

أم حسن من جهتها تنظر إلى الأمر من جهة مختلفة، فهي سعيدة بأن ابنها المراهق حسن الذي حرم من الدراسة جراء الظروف التي تسود حيهم الواقع تحت سيطرة المعارضة، وهي تقول “سيكون لديه مثالاً جديداً يقتدي به بدلاً من المسلحين متعددي الأشكال والانتماءات، لا أريد أبداً أن يحلم بحمل السلاح ولو لمحاربة النظام، لكن يسعدني أن يحلم بالدفاع المدني وإنقاذ الأرواح رغم الأخطار”، وتختم بدعوة الله بأن يتحنن عليهم ويحسن ظروفهم ويعاقب من أوصلهم إلى هذه الحالة.

يبدو أن رجال الدفاع المدني في حلب يحافظون على سمعة جيدة بالإضافة إلى مهارة وتفان واضحين في سبيل إنقاذ حياة مواطنيهم من أخطار القصف الذي يصبه النظام عليهم على نحو يومي، ويتحملون الخطر الشديد في ظل عدم احترام النظام للعرف العالمي القاضي بتجنب استهداف أمثالهم من رجال الإنقاذ والإطفاء والإسعاف. هم يعانون من ضعف التمويل وتأخر الرواتب إلا أنها أمور لا تمنعهم من أداء ما يعتبرونه واجبهم على قدر استطاعتهم رغم كل الظروف والصعوبات.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.