صيدلية

بيروت ـ رامز أنطاكي

“الوصفة الطبية الموحدة”، عنوان كان محل أخذ ورد خلال الفترة الماضية في لبنان، خاصة بين جهات ثلاث هي: وزارة الصحة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ونقابة الأطباء، وطبعاً كان تجمع أصحاب شركات استيراد الأدوية حاضراً في الكواليس، وأيضاً من خلال الضغط الذي يمارسه لحماية مصالحه.

هي كما هو واضح من اسمها وصفة موحدة تصدر عن نقابة الأطباء، تتيح للطبيب الذي يصدرها أن يسمح للصيدلي بأن يستبدل الدواء الموصوف ببديل له يكون مناسباً لحالته وأقل سعراً، فالأدوية في لبنان تقسم إلى نوعين: أدوية “براند” وهي أدوية أصلية مصدرها الشركة الأجنبية المصنعة، وتتميز بجودتها وسعرها المرتفع، وأدوية “جينيريك” هي أدوية صنعت عن طريق امتياز تصنيع من قبل شركة غير الشركة الأصلية وتتميز بسعرها المنخفض مقارنة بأدوية الـ”براند”، لكن البعض يشككون في جودتها.

بدأ الأمر عندما قرر الوزير وائل أبو فاعور بصفته وزير الصحة في لبنان اعتماد وفرض هذه الوصفة، علماً أن أمرها كان محل بحث بين الحين والآخر خلال السنوات الماضية، لكن خلافاً برز مفاده أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يغطي كلفة طبابة واستشفاء عدد كبير من اللبنانيين يرفض أن يدفع للمشتركين فيه قيمة الأدوية التي يستبدلها الصيدلي بالأدوية الواردة في وصفة الطبيب من باب خفض الكلفة المالية، فالضمان يعتمد على وصفة الطبيب وعلب الدواء الفارغة بعد استهلاكها والتي يجلبها المستفيد من الضمان كي يدفع قيمتها للمستفيد.

بعد نقاشات وبيانات واجتماعات يبدو أن أمر الوصفة الطبية الموحدة متجه نحو التطبيق، رغم المعارضة الضمنية لأصحاب شركات استيراد الأدوية الـ”براند” الذين يشككون في نجاعة الأدوية الأخرى، لعلمهم أن تطبيق الإجراءات الجديدة سيشكل خسارة مادية لهم على حساب توفير ملموس يستفيد منه المواطن وصندوق الضمان الاجتماعي.

من المفيد ذكره هنا أن اجراءات ستتخذ لضبط نوعية أدوية الـ”جينيريك” التي ستباع في الصيدليات وأن من صلاحيات الطبيب الذي يصدر الوصفة أن يشير فيها إلى عدم جواز استبدال الدواء الموصوف بأخر شبيه له في حالات معينة يحددها هو، كما أن الوصفة الموحدة ستوفر تمويلاً إضافياً لصندوق تقاعد الأطباء.

وقد صرح رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاطف مجدلاني صاحب اقتراح قانون الوصفة الطبية الموحدة: “كي لا نسمح بأي تلاعب بالأدوية، وكي نتمكن من متابعة أي خلل في حال وروده، تتضمن الوصفة الطبية الموحدة ثلاث نسخ: واحدة للمريض، أخرى للصيدلي وثالثة للطبيب، ولها رقم متسلسل (باركود)، وتحمل رمز نقابة الأطباء منعاً لتزويرها”.

اللبنانيون إجمالاً مرتاحون لهذا القرار، فهو لا يلزم أحداً بنوع واحد من الأدوية، إذ يمكن لمن يشاء أن يشتري دواء “براند” إن كان يستطيع تحمل كلفته أو كان لا يثق بالأدوية الأخرى، كما يمكن لمحدودي الدخل أن يشتروا أدوية الـ”جينيريك”، بكلفة معقولة ومفعول جيد كما يفترض أن يحدث. الأمر نفسه ينطبق على أكثر من مليون سوري يعيش في لبنان اليوم، بل ربما شكل هذا القرار مصدر ارتياح لهم أكثر من اللبنانيين أنفسهم، فهم أتوا من بلد كانت الأدوية فيها منخفضة الثمن كما أنها بغالبيتها الساحقة أدوية “جينيريك”.

أم علي لاجئة سورية من ريف حمص تقيم في مخيم شاتيلا جنوب العاصمة اللبنانية بيروت، تقول أن القرار لا يعنيها كثيراً لأنها أصلاً لا تملك كلفة الذهاب إلى طبيب اختصاصي لمتابعة وضعها الصحي المتردي، لكنها بعد أن استفسرت عن مضمون القرار الجديد وفهمت فحواها تذكرت أن مسكن الألم العادي من نوع (سيتامول) “كنا نشتري ظرفين منه بعشرين ليرة سورية قبل الثورة وقد كان فعالاً، أما بديله هنا (بانادول) فسعره يقارب دولارين أي 100 ليرة سورية بسعر ذلك الزمان”.

من جهته يشير سمير مكي أنه سرَّ للقرار، لكنه لن يؤثر عليه كثيراً لأنه أصلاً يؤمن الأدوية التي تتناولها أمه دورياً بسبب أمراضها المزمنة من بلده الأم سورية، ومن دمشق تحديداً حيث لا تزال الأدوية متوفرة على نحو لا يختلف كثيراً عن السابق، وبسعر لم يتغير عليه كمقيم في لبنان لأنه يدفع ثمنه بالدولار، ولذا فإن ارتفاع سعره بالليرة السورية جراء تراجع قيمتها أما الدولار لم يؤثر عليه، ويعلق الشاب السوري على مخاوف بعض اللبنانيين من الأدوية الـ”جينيريك”: “عشنا في سورية لسنوات طويلة على هذه الأدوية في معظم الحالات، كل ما في الأمر أن على الحكومة اللبنانية أن تطبق رقابة فعالة لضبط نوعية هذه الأدوية”.

لكن هذا الرأي لا يقنع كثيرين من الاختصاصيين في لبنان، فالدكتور إميل مسعد يقول أنه من غير الممكن الوثوق بالرقابة على الأدوية في بلد ثبت مؤخراً أنه ظل لسنوات ربما يتناول طعاماً ملوثاً بشتى أنواع الملوثات، وأضاف “من النادر أن يسبب تلوث الطعام لدينا حالات وفاة، لكن الأدوية غير مضبوطة النوعية أخطر من ذلك بكثير، ولا أحبذ المخاطرة هنا”.

في جونيه الكسروانية يقول أبو سليم السوري المتزوج من لبنانية ويقيم في لبنان منذ ثلاثين عاماً أن القرار الجديد سيكون مفيداً له وسيخفف عن كاهله عبء تكاليف الأدوية الباهظة، وأنه يثق بالصيدلي الذي يتعامل معه منذ سنوات طويلة ولن يتردد في شراء دواء “جينيريك” يضمنه هذا الصيدلي، فالثقة هنا عامل رئيسي ولا بديل عنه، ويتحسر أبو سليم على الأيام التي كان يوصي فيها على الأدوية التي تحتاجها عائلته من بلده سورية.

يترقب إذن اللبنانيون والسوريون تطبيق القرار الأخير المتعلق بالوصفة الطبية الموحدة، متأملين أن يكون تطبيقه سبباً للتخفيف عنهم مادياً كما عن الدولة والضمان الاجتماعي، لكن دون المساس بنوعية العلاج المقدم أو بصحة وحياة المرضى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.