تماثيل

الإكنومست، القاهرة، من النسخة المطبوعة. 7 آذار 2015.

ترجمة موقع الحل السوري.

 

قطع الرؤوس _ هذه المرة _ تم باستخدام المطرقة والمثقاب، وليس بالسيف أو السكين. أما بالنسبة للضحايا، فقد صنعوا من الحجارة، وليسوا من البشر.

إن تدمير التماثيل القديمة (البعض منها نسخ أصلية) الموجودة في متحف الموصل في العراق، والذي ظهر في تسجيل فيديو تم نشره في السادس والعشرين من شهر شباط، يعتبر من أكثر الجرائم التي ارتكبتها الدولة الإسلامية (داعش) شناعةً. لقد قتل الجهاديون آلاف الناس، ومعظمهم قُتِلوا بطرق مريعة. ولكن قيام الجماعة بسلب المواقع المقدسة والمكتبات العامة يُعتبر مكوّناً لهجوم موسع _ يرتكب باسم الإسلام _ على الثقافة الغنية للشرق الأوسط وعلى الإرث الديني.

تشكل داعش معضلة بالنسبة للمسلمين ذلك على الرغم من أفعلها البغيضة. فكما يدعي البعض: الكثير من معتقدات الجماعة ليست منفصلة عن الإسلام، وإنما جاءت نتيجة التفسير المتطرّف للدين. تُبرر أعمال داعش من قبل مؤيديهم باللجوء إلى آيات من القرآن أو بأمثلة من حياة النبي محمد. قال المسلحون في الموصل أنهم قاموا بتحطيم “الأصنام”، العبادة المحرّمة في الإسلام. النبي محمد بنفسه قام بتصفية التماثيل الوثنية من الكعبة، وهي محور المسجد الحرام في مكة المكرمة. وكان هذا تماشياً مع سُنّة إبراهيم، وهو نبي آخر (وهو مقدس لدى عدّة ديانات) وهو الذي حطّم الآلهة الخشبية التي كانت تُعبد من قبل أمته.

الوثنية _ عبادة الأصنام _ محرّمة لدى العديد من الأديان، وبالتالي فإن تاريخ هذه التماثيل هو متعدد الطوائف. وبحسب التاريخ القديم، فإن الملك Hezekiah قد طهّر الأصنام من معبد سليمان في القدس. ودمّر المصلحون البروتستانت تماثيل دينية في القرن السادس عشر. ولكن الثوار الأكثر حماساً مؤخراً كانوا مسلمين. ففي عام 2001 قامت طالبان، ومن بعدها حكّام أفغانستان بتفجير اثنين من تماثيل بوذا العملاقة في باميان والتي يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر. لقد قامت الحكومة السعودية بتدمير المواقع التاريخية في مكّة المكرمة زاعمين قيامهم بذلك من أجل التطوير، إنما أيضاً لمنع عبادة الأصنام بحسب قول البعض. كما اقترح عبد المنعم الشحات في مصر، وهو سلفيّ بارز، بتغطية رؤوس التماثيل القديمة بالشمع.

يجد معظم المسلمون في الدمار حماقة. فلم يذكر الإسلام أي شيء بخصوص التماثيل التي لا تؤذي أحداً، بحسب قول أحمد حسّان، وهو مصري من القاهرة، 33 عاماً. يشترك علماء المسلمين بهذا الرأي، وحتى البعض من الطالبان. وخلافاً للتماثيل التي حُطمت من قبل النبي محمد، فإن المصنوعات اليدوية التي دُمّرت من قبل داعش “هي لا شيء، لكنها مجرد حجارة ولا أحد يؤمن أنها آلهات”، قالها عباس شومان، وهو وكيل الوزارة في جامعة الأزهر ذات السلطة في مصر. أما القيادي في طالبان، الملا محمد عمر، فقد تحدث بذات الكلام إلى حد كبير عن تمثالي بوذا في باميان والذي، في إحدى المرات، كان يفضل الحفاظ عليه منذ أن لم يتبقّى هناك بوذيون في أفغانستان.

قال برنارد هايكل من جامعة برنستون أنه ينبغي النظر إلى الدمار في الموصل في سياقٍ سياسي. إن إظهار التدين المفرط “جزء من حملة دعائية” للاستيلاء على غطاء المسلمين الأصليين. بينما يرى آخرون الأمر على أنه محاولة لتحريض أمريكا على شن حرب قدسية. ولكن في بعض الأحيان الدافع لسلب المتاحف أبسط من ذلك حتى بالنسبة للأصوليين. لقد قام فدائيون من داعش والقاعدة في الماضي ببيع المصنوعات اليدوية المسلوبة لتأمين التمويل لنشاطاتهم. في أفغانستان، رأى الملا عمر في تمثال بوذا في باميان “مصدراً رئيسياً للدخل من الزوار الدوليين”. وقال ممثل المجموعة أنها دُمّرت في نوبة من الغضب بعد تقديم الغرب عرضاً مالياً للحفاظ على التماثيل، ولكن لم يكن هناك مساعدات أخرى.

لقد تركت الحروب وأعمال النهب والإهمال المنطقة القديمة في حالة مؤسفة. فالأنظمة الاستبدادية تميل إلى تعزيز نفسها، وليس التراث الوطني. لكن تهديد داعش يتسبب بقيام بعض الدول بالتصرف. فدخل جنود أتراك إلى سوريا في الشهر الماضي لنقل قبر سليمان شاه، وهو جد مؤسس الإمبراطورية العثمانية، إلى منطقة أخرى أكثر أمناً.

أما في بغداد، فقد أُعيد فتح المتحف الوطني للتو، بعد 12 عاماً من إغلاقه أثناء فترة الاحتلال الأمريكي. وجاءت مراسم افتتاحه رداً على دمار الموصل، حيث قد يتعذّر وصول المخربين إلى المتحف. واجه سكان المنطقة عناصر داعش العام الماضي، عندما توجهوا نحو استهداف مئذنة قديمة. إنها ما تزال صامدة وموجودة، لكن معظم ثقافات وتاريخ المدينة قد تم محوه الآن.

 

من النسخة المطبوعة: الشرق الأوسط وإفريقيا.

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.