هشام سراج الدين

تعيش المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) موتاً بطيئاً نتيجة تردي الوضع الصحي، ويرجع ذلك لسياسة التنظيم في إدارته للمناطق الخاضعة لسيطرته عموماً، وللوضع الصحي خصوصاً، خاصة في ظل تدخل التنظيم “بشكل سلبي في عمل الأطباء والمستشفيات والصيادلة”، وفق نشطاء، ناهيك عن المعارك الطاحنة التي يخوضها التنظيم، ومراوحتها بين الكر والفر.

شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة #داعش حالياً، استقراراً حين سيطرة #الجيش_الحر عليها، وربما تحسناً في الوضع الصحي، ولا سيما في ريف #حلب الشرقي، إذ جذبت هذه المناطق كثيراً من الكوادر الطبية من أطباء وممرضين وصيادلة، نتيجة وضعها الأمني الجيد مقارنة مع بقية المناطق السورية.

يقول الطبيب أحمد من مدينة #منبج “لم تتعرض مدن منبج و #جرابلس و #الخفسة وغيرها من المناطق للقصف و #البراميل كما تعرضت بقية المناطق، كما إنَّ توفر الخدمات من ماء وكهرباء، وهامش الحرية جعلها مقصداً لنزوح السوريين”، فتوافد عدد جيد من أطباء القلبية والجراحة وغيرها من التخصصات، وتشكلت حالة من الاكتفاء الذاتي تقريباً، ومما ساعد أيضاً على تحسن الوضع، دخول المنظمات الصحية الإنسانية.

ولم يطرأ بدايةً أي تغيير يذكر في مناطق التنظيم عقب سيطرته العسكريّة، لكنَّ الحال تبدلت مع إعلان التنظيم قيام #دولة_الخلافة صيف 2014م، إذ باشر بسلسلة من الإجراءات الأمنية، ولاسيما بعد اشتعال معارك #كوباني (عين العرب)، حيث بدأ ببناء مؤسسات دولة الخلافة التي أعلنها، ولم يكن القطاع الصحي بمنأى عن هذه الإجراءات.

يقول محمود من #ريف_حلب_الشرقي: “بدأت التدخلات الحقيقية عقب إعلان #البغدادي خليفة، فنشط ديوان الصحة بالتضييق على الأطباء، وأجبرهم على الدوام في المستشفيات العامة ساعات معينة بدعوى خدمة المسلمين، واستحوذ على عدد من أسرّة المستشفيات ، كما وصل الأمر لفرضه ارتداء الحجاب والقفازات على الطبيبات والممرضات في أقسام النسائية رغم عدم وجود رجال”.

لم يتدخل التنظيم شكلياً عبر تغيير أسماء المستشفيات كإطلاق اسم “عائشة أم المؤمنين” على المستشفى الوطني بمنبج،  و”الفاروق” على المستشفى الوطني في الباب فحسب، فقد سيطر على  المستشفيات لعامة في المدن الكبرى، وحولها لمستشفيات تابعة للتنظيم تقوم بمعالجة عناصره.. يقول الممرض (س ج) في مستشفى منبج الوطني: “قسّم التنظيم المستشفى إلى قسمين؛ قسم لعناصره حيث يقدم الدواء وما يستطيع من خبرات، وقسم لعموم المسلمين لا تتوفر في بعض أجنحته أدنى مقومات الطبابة، تصور أنه لا يوجد في قسم النسائية إلا جهاز إيكوغرافي قديم لا يرضى الأطباء اليوم وضعه في عياداتهم، وكثيراً ما يتعطل، مما يعني أنّ مستشفى عاماً من دون جهاز إيكو”. ويضيف الممرض:”مازال في المستشفى الوطني في منبج أجهزة تعمل، فيوجد لدينا 5 أجهزة غسيل كلى، ويوجد قسم خاص للتبرع بالدم، وهو ما يوفر العلاج اللازم لمرضى #التلاسيميا الذين يحتاجون لتبديل دمهم على الدوام”، وعيّن التنظيم من قبله أميراً لديوان الصحة مهمته الإشراف على القطاع الصحي وهو أبو الحسن المصري، كما عين أميراً للمستشفى الوطني ويدعى أبو محمد الشافعي، وآخر للصيادلة وهو خالد أبو الوليد وهكذا.

هجرة الأطباء

انتقلت تدخلات التنظيم إلى العيادات الخاصة، واللافت أنَّ هذه التدخلات غلبت عليها الأمور الشرعية دون الطبيّة، فدوريات الحسبة تكثف دورياتها على العيادات لمراقبة الالتزام بالحجاب، ومنع الاختلاط، كما ضايق بعض أصحاب التخصصات كأطباء النسائية، يقول المدرس عبد القادر من مدينة منبج: “يتعرض أطباء النسائية لمضايقات كثيرة أجبرت عدداً منهم على الهجرة كما حصل مع الطبيب الأرمني فاسكين آكوب، الذي تعرض لمحاولة للخطف زمن سيطرة الثوار، لكنه لم يتحمل مضايقات داعش، فهاجر إلى الإمارات”.

ولم يسلم الأطباء والصيادلة من تدخلات دواوين أخرى، كديوان الزكاة، وديوان الدعوة.. يقول الطبيب حسن من ريف حلب الشرقي: “تلاحقك مؤسسات التنظيم داخل عيادتك، فعناصر ديوان الزكاة يقدرونها وفق مزاجهم، ودوريات الحسبة تنتظرك على أية زلة أو خطأ، ناهيك عن تدخل ديوان الصحة”.

دفعت هذه الممارسات والمضايقات إلى إغلاق العيادات، مثلما حصل  في المدارس وبعض المحال التجارية والكثير من الخدمات الأخرى، كون التنظيم تدخل في الحريات الشخصية للمواطنين سواء في اللباس أو العادات، حتى وصل الأمر لمنع النساء من قيادة السيارات، ومنعهن أيضاً من السفر دون “محرم”.

يبين الطبيب (ع م ) أن كثير من زملائه فضلوا الهجرة، و”من لم يهاجر يحزم الحقائب بانتظار الفرصة المناسبة”، فنمط وأسلوب الحياة الذي يحاول التنظيم فرضه أزعج الجميع، “فبعد أن كانت زوجتي تذهب لعيادتها بسيارتها الخاصة، أصبحت مكلفاً بتوصيلها ذهاباً وإياباً، وكأنها طفل في الروضة أو الحضانة، لذلك كان السفر خيارنا”.

تشير بعض الإحصائيات في ريف حلب الشرقي إلى أن ثلثي أطباء المناطق الخاضعة لمناطق التنظيم هاجروا، بالتالي تعاني هذه المناطق من النقص الحاد في الأطباء المهرة،  فيما يرى أبو أحمد الأنصاري وهو عنصر من تنظيم الدولة الأمر بشكل مختلف “نحن أجبرنا الأطباء على الدوام في المستشفيات العامة لخدمة عموم المسلمين، وليس عناصر الدولة فقط، والأطباء الذين يفضلون مصلحتهم الشخصية على علاج أهلهم وقت الشدة هؤلاء خدم للمال وليسوا أطباء، ونحن نطبق قوانيننا على الجميع،  ومن بقي منهم هو من يستحق أن ينال شرف المهنة الإنسانية”.

وما فاقم تدهور الوضع الصحي هو ترافق هجرة الأطباء مع منع داعش لأي نشاطات للمنظمات الصحيّة الإنسانية، حيث وصل الأمر إلى اعتقال عدد من المشرفين والقائمين على هذه المنظمات، وتم إطلاق سراحهم مؤخراً بعد اعتقال دام أكثر من ستة أشهر، كما أوقفت منظمة الصحة العالمية توزيع المساعدات لقرابة 700 ألف مواطن من سكان مناطق سيطرة داعش.

يقول محمود أحد العاملين في الجمعيات الخيرية في ريف حلب الشرقي: “فاجأ تنظيم الدولة الصيف الماضي الجميع بتعليق عمل كافة المنظمات الإنسانية والإغاثية، ومنها منظمات الصحة مثل منظمة  World Vision التي كانت تقوم بمعاينة قرابة 300 مريض يومياً مع تأمين الدواء لهم”، ولم يكتف التنظيم بذلك بل سجن عدداً منهم قبل أن يطلق سراحهم مؤخراً.

وسمح تنظيم الدولة باستمرار #حملات_التلقيح في مناطق سيطرته، رغم رفض أبو الحسن المصري المسؤول في ديوان الصحة  بمنبج بداية ههذ الحملات، حيث تم اعتقال الكثيرين من القائمين عليها.. ويقول أحد المشاركين فيها “اشتعال المعارك في #عين_العرب وريفها، إضافة لموجات النزوح والهجرة أدت لحرمان الأطفال من اللقاحات”، مشيراً إلى أن القائمين على حملات التلقيح يقيمون في مناطق خاضعة “لسيطرة الثوار”، وهذا ما سبب لهم المضايقات في عملهم.

وتكشف الفوضى التي يشهدها القطاع الصيدلي مقدار تدهور المراقبة الصحية، حيث حرص التنظيم على الشكل دون المضمون، ويقول أحمد وهو عامل في صيدلية في ريف حلب الشرقي: “بأوامر من تنظيم الدولة أزالت كل الصيدليات شعار الأفعى والكأس بذريعة أنه من رموز #الماسونية ، وأجبرتهم على وضع شعار الدولة الإسلامية”.

تضخم في أعداد الصيدليات

وفي الوقت الذي تشهد فيه مناطق التنظيم تناقُصاً في عدد الأطباء، تشهد تضخماً سرطانياً في عدد الصيدليات، ومما يلفت الانتباه أنَّ عدد الصيدليات المفتوحة  فاق عدد البقاليات، فافتتح في العام الماضي في شارع طريق حلب بمنبج عدد من الصيدليات دون أن “ترى صيدلياً واحداً يداوم فيها”، يقول أحد الصيادلة في مدينة منبج “أصبحت الصيدلة مهنة من لا مهنة له، فبمجرد امتلاكك رأس مال، وقدرتك على قراءة أسماء الأدوية، فأنت قادر على فتح صيدلية، رغم أن الأمور تحسنت بعدما استلم أمر الصيدليات خالد أبو الوليد، إلا أنه لا يوجد طريقة لكشف الشهادات إذا كانت مزورة مثلاً، في السابق كانت الشهادة معترف عليها من قبل وزارة التعليم العالي، ولدى صاحبها اسم في النقابة “.

يذكر أنَّ التنظيم يميز بين عناصره وبقية المواطنين في الرعاية الصحية، فعناصره وعائلاتهم يحصلون على الرعاية الطبية المجانية والضمان الصحي، بينما يعاني المواطن البسيط  الآلام دون رعاية، كحال أم محمود (60 عاماً) فهي المريضة بالقلب التي نصحها الأطباء بإجراء عملية شبكة للقلب، لكن التكاليف الباهظة جداً للنازحة الفقيرة منعتها من إجرائها، ولم تنفع محاولات طرق باب

مكتب الإغاثة والطبية عند التنظيم، حتى أنهم لم يعطوها الدواء، غير أنها حصلت من ديوان الزكاة على مبلغ 30 ألف ليرة سوريه، ولمرة واحدة كونها نازحة.

مع احتفالات العالم بيوم الصحة العالمي مؤخراً تستمر الخدمات الصحية في #سوريا عموماً، ومناطق التنظيم خصوصاً، بالتدهور السريع، وربما الانهيار، فهجرة الأطباء تتزايد، وواقع المشافي يتراجع، وأمراض جديدة تعود للواجهة مثل #الجرب في كثير من مناطق #دير_الزور، و#الليشمانيا في مناطق متفرقة في ريف حلب الشرقي و #الرقة ودير الزور، فيما يحاول تنظيم الدولة “تغطية الشمس بغربال”، فتارة يعلن عن معهد صحي مهمته تخريج ممرضين، ثم يفتح باب التسجيل في كلية الطب التي تستغرق الدراسة فيها ثلاث سنوات دون النظر إلى وجود الشهادة العامة لدى من يريد الانتساب إليها، ويبدو أنه غيّر مؤخراً توجّهها لتكون معهداً صحياً لمعالجة الكسور وغيرها، بما يناسب التنظيم لا الناس.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.