هشام سراج الدين

يميل كثير من السوريين للاعتقاد بأنّ ثورة تلوح بالأفق ضد تنظيم الدولة الإسلامية (#داعش)، كما أنّ التنظيم نفسه يحمل بذور فنائه رغم تمدده السريع وفق ما يرى نشطاء مناطق سيطرته، فيرون وينشرون عن كون تنظيم الدولة مولوداً شرعياً لحالة سياسية وعسكرية طارئة في المنطقة، عُززت بجملة من الأسباب الموضوعيّة، وبمجرد زوال هذه الحالة سيبدأ التنظيم بالتفتت.

 

يقول عبد الكريم وهو محامٍ  من ريف #حلب “التنظيم نتيجة طبيعية لمفرزات الاستبداد السياسي في #سوريا و #العراق، استبداد عُزز بممارسات طائفية وقهر ديني واقتصادي، وواهم من يظن زوال التنظيم قبل زوال الاستبداد فالاستبداد ولّد استبداداً، وكما قامت ثورة ضد الاستبداد الأول ستقوم ضد الثاني فهذه حركة التاريخ الطبيعية”.

ويضاف لممارسات التنظيم التي “تسارع في التمهيد للثورة ضده”.. انكشاف “زيف ادعاءاته على أرض الواقع ما جعله بديلاً غير مقبول، ووجهاً آخر للاستبداد السابق” يقول الجامعي عمران من مدينة #منبج.. ويضيف “يتلاقى التنظيم ونظام #البعث في خطوط عريضة كثيرة، أبرزها القبضة الأمنية وغلبتها على سلطة القانون، والتفرد بالرأي، وإقصاء الآخر”، ويذهب بعضهم للقول إنه نسخة عن “نظام البعث العراقي السابق”.

تعيش مناطق التنظيم حالة من الضغط والكبت الفكري والسياسي، وقد وعى التنظيم حقيقة ما يسمى بوادر الثورة، المدرس عبد الهادي من ريف حلب يرى معظم ما جرى في البلاد العربية يندرج في إطار “الحراك الشعبي المعارض أكثر منه ثورة لأن الدولة العميقة في معظم هذه الدول عادت ولكن بلبوس آخر”، لذا فتحتاج الثورة ضد التنظيم لشرارة تشعلها، وتشير الوقائع لتوفر مقومات الثورة، بل يذهب بعضهم للقول إنَّ التنظيم مهدد بثورتين ثورة داخل التنظيم نفسه، وثورة شعبية، واللافت أنَّ التنظيم يعمل على تجنب الثورتين، ويتخذ سلسلة من الإجراءات على خطين متوازيين لتحصين نفسه.

يحاول التنظيم منع الثورة الداخلية بإشغال عناصره بالقتال المستمر، وفتح جبهات جديدة، فشعار التنظيم “باقية وتتمدد”، لا يعطي فرصة للتمرد إلا ضمن نطاق ضيق ومحدود.. يرى زياد القريب من التنظيم في ريف حلب الشرقي “التنظيم ليس على سوية واحدة، فشريحة كبيرة من عناصره غير متطرفة انتسبت بحكم الأمر الواقع، وقسم متطرف، وقسم شديد التطرف، وتحدث كثير من المناقشات والخلافات ضمن التنظيم”.

تبرز صلاحيات ما يسمى الأمنيون كأسلوب ضغط وكبت كبير ضمن جسم التنظيم، (وهي صلاحيات مماثلة لتلك التي تحصل عليها أجهزة المخابرات في الأنظمة الشمولية)، ويثير هذا الجهاز الخوف في نفوس عناصر التنظيم بالقدر ذاته الذي يزرعه في نفوس المواطنين العاديين.

وقد يبدو مستغرباً أنَّ التنظيم يستخدم الدموية نفسها مع عناصره وأمرائه الذين تظهر منهم مؤشرات تمرد، ومن ذلك إعدام التنظيم لأبي عبد الرحمن المصري وخمسة قادة في التنظيم بداية إعلان دولة الخلافة في مدينة #الباب لأنهم صرحوا بأنَّ الوقت غير مناسب لهذا الإعلان، يقول أحد عناصر التنظيم “القيادة حريصة على عدم شق صف المسلمين، وخسارة عنصر أو قائد أفضل من شق الصفوف والخوض في أنهار من الدماء نتيجة الفتنة”، وكذلك تبرز قضية محاربة التكفيريين داخل التنظيم أو ما يسمى التكفير بالتسلسل، إذ يمثل هؤلاء جناح الصقور الجارحة في التنظيم، وقد أعدم التنظيم عدداً منهم.

يقول أبو محمد عنصر سابق في #حركة_أحرار_الشام_الإسلامية “هؤلاء هم المسؤولون عن تشويه سمعة التنظيم، وضرب الحاضنة الشعبية، لذلك كان لا بد من القسوة والشدة معهم”، ويلجأ التنظيم لسياسة التحفيز مع عناصره، فيغدق عليهم الأموال، ويؤمن لهم حياة اقتصادية مريحة عبر تأمين المسكن والرواتب والتعويضات الجيدة للعناصر، ولاسيما المتزوجين، ويقدم تشجيعاً ودعماً مالياً للشباب الراغب بالزواج رغم ظروف الحرب ومتطلباتها.

وتبقى الثورة الخارجية مصدر قلق يؤرق التنظيم، فمعظم المناطق التي وقعت تحت سيطرته في سوريا حصل عليها بعد سفك كثير من دماء أبناء المنطقة، ولاسيما في #دير_الزور وريفها، مما ولّد حالة من الحقد والاحتقان الشديدين.

يفرض التنظيم هيبته على المناطق التي يسيطر عليها عبر سلسلة الإعدامات في الساحات العامة، وتعليق الجثث لأيام في مداخل المدن والساحات العامة، مما يخلق حالة من الرعب، يقول غسان طالب جامعي: “مناظر الإعدامات تجعل المواطن يفكر كثيراً بنتائج فشل الثورة قبل نجاحها، فالتنظيم لا يرحم من يعاديه”، ولم يلاحق التنظيم الثوار ومن يحمل فكراً ثورياً بل لاحق وشدد الرقابة على كل من يحمل فكراً لا يتماشى معه ولا يؤيده، فمنع أي نشاط فكري ثقافي أو سياسي حيث منعت الأحزاب، وأغلقت الصحف ووصل الأمر لمحاربة أصحاب الفكر الديني الآخر من طرق صوفية ومدارس دينية لا تتماشى مع التنظيم كجماعة الدعوة والتبليغ، وحزب التحرير، والإخوان المسلمين وغيرهم.. يقول الناشط الحقوقي أبو حسن من ريف حلب “يدرك التنظيم أنَّ الثورة الحقيقية تبدأ بفكر وإرادة لذلك يعمل على شل الأمرين معاً”.

وأصدر التنظيم حزمة قرارات استباقية لإفشال أية محاولة ثورية مسلحة لأته يدرك استحالة الخلاص منه دون السلاح، فصادر الأسلحة ومنع تداولها بين المواطنين، وتعمد الضغط على المجتمع لإجبار الشريحة الرافضة للتنظيم على الهجرة، وفعلاً تتزايد الهجرة ولا سيما للشريحة الثورية والمثقفة من مناطق التنظيم.

يعمل التنظيم في السياق ذاته على أدلجة المجتمع على طريقة حزب البعث، فكل من يعمل في مؤسسات التنظيم من صحة وتعليم وخدمات عليه موالاة التنظيم والتبرؤ من سواه، وفَرض على كل شرائح المجتمع الخضوع لدورات شرعية..  المدرس عبد الرحمن من منبج يرى أن هذه الإجراءات حفزت أصحاب الفكر الضيق، وكثيراً من “أنصاف المثقفين والوصوليين” على تبني فكر التنظيم والدفاع عنه، ويُعتقد أنّ كل هذه التحصينات سواء الداخلية أو الخارجية “تبقى هشة”.

يضاف إلى الأسباب التي تقف في وجه الثورة ضد التنظيم، استمرار غياب الدعم عن الثوار المعتدلين، ووضعهم بسلة واحدة مع تنظيم الدولة، مما يدفع كثيراً من السوريين للاعتقاد بأنّ المجتمع الدولي يرغب بنظام الأسد، مما يجعله سلبيين محجمين عن أية ثورة ضد التنظيم.

يبقى احتمال الثورة قائماً ويتزايد يوماً بعد آخر، ولاسيما في المناطق “المصبوغة بلون الدم”  كدير الزور، مما ولد حقداً دفيناً لدى أبناء المحافظة، وجعلها الأكثر عرضة للإعدامات الميدانية وملاحقة النشطاء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.