هشام سراج الدين

يرى معارضو تنظيم الدولة الإسلامية (#داعش) أنَّ التنظيمَ “وريث شرعي لنظام البعث العراقي”، مستدلين على ذلك بمنظومة الأمنيين داخل التنظيم، حيث يمثل الأمنيون القوة الضاربة، والنواة الصلبة الفاعلة والمحركة للتنظيم، يقول الناشط الحقوقي عمر من ريف حلب : “لا تختلف المنظومة الأمنية لدى التنظيم عن منظومة #البعث العراقي أو السوري من حيث الدموية والقسوة، وقبل ذلك الآلية في الإدارة واتخاذ القرارات وتنفيذها على أرض الواقع دون ضوابط شرعية أو قانونية، فالناظم لها المصلحة الأمنية، ولا سيما لرأس الهرم”.

 

ويبرز للواجهة أنَّ التنظيم ذو طبيعة دينية تحتكم للشرع الإسلامي الذي يضبط أفعال تنظيم الدولة، لكنّ الحقيقة خلاف ذلك باعتراف مبطن من منتسبي التنظيم أنفسهم، يقول أحمد (عنصر سابق في التنظيم): “الأمنيون يمثلون السلطة الأعلى، ثمّ تأتي سلطة الشرعيين، وللأمنيين الصلاحية باعتقال الشرعيين، والأمراء العسكريين على حد سواء إذا رأوا هناك ما يهدد أمن التنظيم”.

ودفعت هذه السلطة شبه المطلقة عناصر التنظيم أنفسهم للخوف من الأمنيين الذين يكتنف الغموض جهازهم الأمني من حيث التراتبية وآلية العمل، لكن الملموس من أفعاله يظهر أنه لا يختلف عن الأجهزة الأمنية في الأنظمة الشموليّة، فمعتقلاتهم الأمنية غالباً سرية، ووسائل التعذيب وحشية، وكثيراً ما تنتهي بعاهة دائمة أو بالموت، يقول الأربعيني عبد الستار من ريف #حلب: “سجن لي صديق بسبب وشاية كاذبة، وأمور كيدية، فطلبت من أحد معارفي بالدولة متابعة أمره والسؤال عنه إذ ليس لصديقي أي نشاط معاد للتنظيم، وتفاجأت بجوابه عندما قال: أستطيع السؤال عنه في الحسبة والسجن العادي، أما إذا كان مسجوناً عند الأمنيين فاعذرني”، فعناصر التنظيم أنفسهم يخشون منهم، ولا يستطيعون السؤال عن معتقل لديهم خشية أن يحسبوا على هذا المتهم.

وكانت هذه الإجراءات والممارسات سبباً رئيساً في بث الرعب بين صفوف المواطنين في مناطق سيطرة التنظيم، إذ لا يجرؤ أحد على مجرد انتقاد التنظيم، وفي هذا مخالفة صريحة للشرع الإسلامي وفق الشيخ عدنان من ريف حلب: “نصح الحاكم ونقده وتصويبه معلم أساسي في الحكم الإسلامي الرشيد، فقد انتقد عوام المسلمون تصرفات الخلفاء والولاة ولا سيما في العهد الراشدي على الرغم من تمثيل هذا العهد الفترة الذهبية للحكم الإسلامي العادل”.

ويلحظ تعمد التنظيم اللجوء إلى هذه الطريقة لإرهاب الشعب نتيجة المساحات الواسعة التي يسيطر عليها وقلة عدد المقاتلين على الأرض، يتابع الشيخ عدنان: “كانت سياسة بث الرعب والخوف الطريقة المثلى للسيطرة على المجتمع، ومنع أية محاولة للتمرد على سلطة التنظيم حيث العقاب الدموي الذي لا يرحم”.

وبدا الملمح لسيطرة الأمنيين واضحاً من خلال قمع الحريات على كافة الأصعدة، والتنكر لما هو أصيل في الحكم الإسلامي، فمنع التنظيم في المناطق التي يسيطر عليها أي نشاط سياسي أو ثقافي أو فكري بل وديني، فأغلق المنتديات والملتقيات على اختلاف أنواعها ناهيك عن ملاحقة الأحزاب، حتى لو كانت إسلامية تدعو لخلافة إسلامية على غرار حزب التحرير، يقول الناشط الحقوقي عمر: “لم يوفر التنظيم أحداً فكان مثالاً للحزب الواحد في الأنظمة الديكتاتورية، وكأنك أمام الحزب الشيوعي في #كوريا الشمالية، فكتم كل الأفواه التي لا تمجد الخليفة #البغدادي ودولته الظلامية”، يضاف لما سبق إغلاق كافة الصحف بل ومنع دخولها لمناطق التنظيم.

وتعطي مشاريع الاستتابة الشرعية لأفراد المجتمع صورة واضحة لسيطرة العقلية الأمنية لا الشرعية على التنظيم، إذ أخذت الدورات طابع الإلزام والإجبار، يتابع المصدر:  “لا تختلف هذه الدورات الشرعية عن دورات الإعداد العقائدي التي يقيمها حزب البعث بالإكراه للموظفين”، ولا يحاول التنظيم إخضاع المدنيين وحسب، بل يخضع المقاتلين الذين انضموا إليه وتركوا فصائلهم حيث لا يثق التنظيم بأحد، وكان آخرها الدورات التي عقدت للمعلمين، وأي معلم لا يخضع لها يعتبر مرتداً.. يتابع الحقوقي “كل رافض للدورة يعده التنظيم بذرة للتمرد قد تشكل خطراً فيجب القضاء عليها بالمهد”، ومن المفارقات أنّ كل المعلمين بمن فيهم معلمو التربية الإسلامية والمواد العلمية “مرتدون إذا لم يخضعوا لهذه الدورة”، يقول الشيخ عبدالرحمن من مناطق سيطرة التنظيم  “الأصل في المسلمين الإسلام لا الكفر، فقلب التنظيم القاعدة بطريقة معكوسة، ومبعث ذلك فقدان الثقة بالمجتمع”.

وتبدو مأساة سيطرة الأمنيين بالإعدامات الدموية وما يرافقها من طقوس قطع الرؤوس وصلب الجثث، وقسم كبير ممن نفذت فيهم هذه الأحكام كان خلافهم مع التنظيم سياسياً لا فكرياً، وليس أدل على ذلك من إعدام مقاتلي جبهة النصرة وأحرار الشام.

وفي حادثة واضحة وقريبة قام التنظيم بقتل أربعة شبان من قرية الرمانة في ريف #منبج الشرقي رداً على مقتل عنصر من التنظيم، ويقول المدرس محمد (أحد سكان المنطقة) عن هذه الحادثة: “قُتل الشاب أنس وهو من عناصر التنظيم في طريق إلى منبج، حيث أقدم شابان على قتله وهم يستقلان دراجة نارية، فقام التنظيم باعتقال معظم شبان القرية وبعدها أعدم أربعة شبان”، ويتابع “أعرف اثنين منهم، أحدهم كان متواجداً بالمشفى عند أمه المريضة، والآخر يرعي الغنم، لم يعرفا عن الحادثة شيئاً، بالإضافة إلى ذلك قام القاتل بالاتصال مع عناصر من التنظيم من تركيا، وأعطاهم دلالات بأنه هو القاتل، ولكن التنظيم نفذ حكم الإعدام رغم معرفته أن الشبان أبرياء .. كي يمنع الاغتيالات”.

وتبقى الاغتيالات القائمة على نظرية قتل المصلحة، واستباق الأمور أوضح الأدلة على سيطرة الجهاز الأمني العميق على بنية التنظيم، إذ يجيز التنظيم قتل أي شخصية يتوقع منها أن تشكل في المستقبل تهديداً ولو بسيطاً على التنظيم، ونهجه الفكري، وقد فعل التنظيم ذلك مع شيخ منبج  أبو سعيد الديبو والشيخ أبو خالد السوري، وغيرهم كثيرون.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.