رامز أنطاكي – بيروت

لطالما كان موضوع تحويل الأموال من وإلى #سوريا أمراً خاضعاً للرقابة والقيود منذ عقود، ومع تطور الأحداث خلال أكثر من أربع سنوات، بات أمر تحويل الأموال، أكثر ضرورة لأولئك الذين يودون تحويل أموالهم إلى خارج البلاد تمهيداً لمغادرتهم بلدهم المشتعل، إلى مكان أكثر أماناً، أو في حالة الذين يودون مد ذويهم أو أقاربهم أو أصدقائهم بالمال اللازم لتأمين ضرورات الحياة، في بلد باتت فرص العمل وتحصيل الرزق فيه أمراً شديد الصعوبة يوماً بعد يوم.

 

في هذا السياق يقول نائب مدير مصرف لبناني رفض الكشف عن هويته، إنه “من البديهي” اعتبار هذه التحويلات بأنواعها الشرعية وغير الشرعية إلى سوريا والتي عادة ما تتم بالعملات الأجنبية، وبغض النظر عن الجهة المرسلة إليها تساهم مساهمة فعالة في دعم اقتصاد النظام السوري الذي عانى من مصاعب شديدة خلال السنوات الماضية، متوقعاً أن عدم وجود هذه التحويلات كان سيجعل تراجع سعر صرف الليرة السورية أما الدولار الأميركي “أكثر دراماتيكيةً وتسارعاً”.

تتعدد الطرق التي يلجأ إليها السوريون لتحويل الأموال إلى الداخل السوري، سواء إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، أو إلى تلك التي تسيطر عليها المعارضة، وصولاً حتى إلى المناطق المحاصرة، ومن الوسائل الأعم استخداماً كانت شركة #ويسترن_يونيون العالمية لتحويل الأموال، ومكاتب الصرافة والتحويل بنوعيها الشرعي وغير الشرعي، والعلاقات الشخصية، وأيضاً ارسال الأموال مع المسافرين الذين يتنقلون بين سوريا وخارجها.

مشاكل عديدة تعترض طرق التحويل هذه التي يصفها أحمد زيداني اللاجئ السوري المقيم في #لبنان بأنها “استنزاف دوري لأموال تجنى بشق النفس”، بدءاً من كلفة التحويل المرتفعة، وصولاً إلى سعر صرف الدولار في سورية والذي يتم تسليم الحوالة على أساسه، فشركة #الهرم لتحويل الأموال تتقاضى عادةً مبلغ 5000 ليرة لبنانية (3.3 دولار أميركي) عن كل 100 دولار أميركي، أما شركة ويسترن يونيون فتتقاضى 10 دولارات أميركية عن ذات المبلغ، بينما يتم تسليم المبلغ في سوريا بالليرة السورية، أي بقيمة أقل من القيمة الحقيقية، على أساس أسعار صرف مصرف سورية المركزي.

أحمد الذي يعمل بجد في لبنان، لا يوفر جهداً لجمع المال اللازم ليعيل أسرته الصغيرة، وليرسل ما يستطيع توفيره لدعم والديه المقيمين في القسم الغربي من مدينة #حلب حيث يسيطر النظام السوري، بات يرسل ما يريد من أموال بواسطة من يعرفهم من المسافرين إلى حلب، ولكن مع التضييق المتزايد من قبل الأمن العام اللبناني على دخول السوريين إلى لبنان، تراجع عدد السوريين الذين يسافرون إلى سوريا، نظراً لصعوبة عودتهم إلى لبنان، فتحول أحمد إلى إرسال المال بواسطة سائقي السيارات والحافلات العمومية الذين يعملون على خط بيروت-حلب مستفيداً بذلك من أمرين، أولهما الكلفة المعقولة التي لا تزيد عادة بازدياد المبلغ المرسل، والثاني أن والده يستلم المبلغ المرسل كما هو، أي بالدولار الأميركي، مما يمكنه من صرفه بالسعر الحقيقي له بعيداً عن أسعار مصرف سورية المركزي.

الأمر نفسه الذي يتم مع بعض التعقيدات، أي تحويل الأموال في حالة مناطق سيطرة النظام، يصبح عادة مهمة أصعب بكثير في حالات التحويل إلى الأماكن التي تقع سيطرة المعارضة، حيث تنعدم الطرق المباشرة والشرعية، فالأمر يحتاج إلى السرية والحذر كما إلى دفع كلفة تحويل على أساس نسبة من المبلغ المحول تتراوح في أغلب الاحوال بين 2 و7% تبعاً للمنطقة التي يتم التحويل إليها، وقيمة المبلغ المحول، في بعض الحالات تعتمد المكاتب التي توفر خدمات مماثلة على شركاء لها في تلك المناطق، أو على تهريب المبالغ نفسها عبر طرق محفوفة بالأخطار.

إحدى الطرق المبتكرة في التحويل يرويها شاهر اللاجئ السوري في لبنان نقلاً عما خبره أثناء إقامته في بلدته الواقعة تحت سيطرة النظام والمتاخمة لمناطق تقع تحت سيطرة المعارضة، وهي تقضي بأن يقوم من يريد تحويل مبلغ معين من المال بشراء وحدات الهاتف الخليوي بقيمة معادلة للمبلغ المنوي تحويله، ثم يقوم بتحويل هذه الوحدات بواسطة هواتف خليوية متعددة إلى هواتف خليوية يحملها أشخاص مقيمون في منطقة المعارضة والذين يقومون بدورهم ببيع هذه الوحدات لبعض التجار ليقبضوا بدلاً عنها الأموال المنشودة، ويشير شاهر إلى خطورة هذه الطريقة وارتفاع كلفتها، لافتاً في الوقت عينه إلى أن مناطق المعارضة التي قطع عنها النظام شبكة الهاتف الخليوي أو تم تدميرها لا تتاح لها بطبيعة الحال هذه الطريقة لتحويل الأموال.

بين كل هذه الطرق التي صار كثيرون من السوريين خبراء بها يصر لبيب أن الطريقة الأسلم والأصح هي التحويل عبر العلاقات الشخصية، كأن يطلب من صديقه الميسور المقيم في مدينته السورية تسليم مبلغ ما إلى أخيه هناك، ليقوم هو لاحقاً بدفع المبلغ إلى صديقه عندما يلتقيه في لبنان، أو إلى أحد معارف صديقه من التجار السوريين المقيمين في #بيروت، موفراً بذلك على نفسه كلفة التحويل وفرق أسعار الصرف، وعلى أخيه “ذل الانتظار الطويل أمام كوات مكاتب التحويل المعروفة”.

إلى ذلك تعترض صعوبات أخرى رغبة السوريين في تحويل الأموال إلى بلدهم، فوضعهم كلاجئين وافتقاد كثيرين منهم إلى الأوراق الثبوتية الصالحة وبطاقات الإقامة الشرعية يضاف إلى النزعة المتزايدة نحو التدقيق المصرفي والأمني أحياناً في حال تكرار التحويلات أو ارتفاع قيمتها خوفاً من عمليات تمويل إرهاب أو غسيل أموال، لتتكاتف الظروف والشروط على تقييد مساعدات السوريين في الخارج لأهلهم في الداخل، الذي باتوا في قسم متزايد منهم يعتمدون على هذه التحويلات لمواجهة حاجات الحياة اليومية، بعد أن فقدوا مصادر رزقهم التقليدية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.