سارة العمر – اسطنبول

اصطدم الأطباء السوريون الذين نزحوا إلى #تركيا، خلال السنوات الماضية، بقوانين تمنعهم من ممارسة مهنتهم التي قضوا سنوات طويلة في دراستها والعمل بها.. حاجتهم إلى العمل وتأمين متطلبات الحياة دفعت بهم للبحث عن بدائل، فافتتح بعضهم عيادات ومستوصفات خاصة لتخديم السوريين دون تراخيص رسمية، واستطاع آخرون الحصول على فرص عمل في إحدى المنظمات الإنسانية والطبية الناشطة في إغاثة اللاجئين، فيما اضطر آخرون للعمل بمهن أخرى بعيداً تماماً عن تخصصهم.

 

قانونياً

توجب القوانين التركية السارية حاليًا على السوريين المتخصصين في المجال الطبي معادلة شهاداتهم الجامعية، ويطبق هذا على جميع الأجانب. كما توجب عليهم إتقان اللغة التركية وإثبات ذلك بالحصول شهادة لغة التركية بالمستوى (ب). ويشترط على الراغب بممارسة المهنة في تركيا أن يحصل أيضاً على إذن عمل من وزارة الصحة التركية.

خلال البحث لم نجد أي طبيب أو طبيب أسنان أو صيدلاني سلك هذا الطريق، يبرر الطبيب محمد السليمان المقيم في #غازي_عنتاب الأمر بالقول إن “تعديل الشهادة الجامعية يتطلب تواصلًا بين الخارجية التركية والسورية، وهو أمر مستحيل في الوقت الحاضر بسبب القطيعة شبه التامة للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين”، ويعتبر السليمان أن “وضع الأطباء والصيادلة السوريين في تركيا هو الأسوأ مقارنة بأي دولة أخرى إذا استبعدنا وضعهم المأساوي داخل سوريا أيضاً”. ويضيف “الوضع القانوني المعقد هو ما يدفعنا للعمل ضمن عيادات ومستوصفات دون تراخيص  نظامية، بطبيعة الحال لسنا سعيدين بهذا”.

 دون ترخيص

بعيداً عن أعين السلطات التركية افتتح بعض الأطباء عياداتهم الخاصة، اعتمد هؤلاء في جذب مرضاهم على الحلقة الاجتماعية السورية الموجودة في كل مدينة تركية، هذا يقول لصديقه وصديقه يقول لأخيه، هكذا استطاع طبيب الأسنان السوري محمد عاشور جذب المرضى لعيادته في غازي عنتاب، التي افتتحها في إحدى البيوت السكنية، يقول عاشور إن “مرضاي سوريون حكماً، اعتذر عند استقبال الاتراك خوفاً أن يشي بي أحدهم، فأتعرض للسجن وأدفع غرامة مالية”.

ويضيف عاشور “دخلي اليوم جيد، لا يزال السوريون هنا بحاجة إلى أطباء سوريين، معظم مرضاي لم يشعروا بالراحة في التعامل مع أطباء أتراك، عدا عن عائق اللغة، المشكلة أننا نعمل تحت ضغط نفسي طوال الوقت، نعمل اليوم ولا نعلم إن كنا سنعمل غداً”.

في السياق، أكد جميع الأطباء الذين تحدثنا معهم أن السلطات التركية تغض النظر في الوقت الراهن عن مخالفة العيادات السورية للقانون، لكنها لا تتهاون في تطبيق القانون في حال تلقت شكوى، ويبدو أن لهذا الأمر تبعاته السلبية أيضاً على الأطباء. طبيب الأسنان عبد الله الحزم افتتح عيادة مؤخراً في غازي عنتاب، وبعد مرور شهرين سُرق حاسوبه وبعض المال من عيادته أثناء خروجه لأداء صلاة الظهر، من خلال كاميرا المراقبة استطاع الطبيب معرفة الفاعل وهو جاره فتوجه إليه وطلب منه أن يعيد ما سرق، لكن السارق هدد الطبيب أنه سيشتكي عليه وسينهي حياته المهنية في تركيا تماماً، وهو ما دفع الطبيب إلى فتح عيادة جديدة في مدينة أخرى.

نور ترمانيني هي أيضاً طبيبة نسائية تعمل في عيادتها الخاصة في غازي عنتاب  وتجري عملياتها في مشافي تركية، تشير إلى أنه “يتم استغلال الأطباء السوريين من قبل المشافي التركية، يأخذ المشفى  60% من أتعاب العملية مقابل أن يؤمن لي الغطاء القانوني”. وتضيف  “أنا راضية بذلك لأني أحب عملي، أنا بحاجة أيضاً لإجراء العمليات بشكل متواصل حتى لا أخسر مهاراتي مع مرور الوقت” . وتأمل ترمانيني أن تصدر قوانين تنصف أصحاب المهن الطبية السورية وتعيد لهم حقوقهم في العمل ضمن مهنهم على الأراضي التركية.

تاجر أو سائق أو معلم

“الشغل مو عيب” هي القناعة التي اعتمد عليها عدد من الصيادلة  في البحث عن عمل آخر بعد أن سدت في وجههم جميع الفرص في ممارسة مهنتهم.

أمضى الصيدلاني عبد الرحمن آغا أربعة أشهر في البحث عن عمل في مهنته، لكنه لم يحصل عليه، افتتح محلاً لبيع البيجامات في السوق القديمة في غازي عنتاب ورمى خلف ظهره سنوات الدراسة و10 سنوات عمل في إحدى الشركات الدوائية السورية، لكنه وبعد فترة قصيرة اضطر لإغلاقه إثر خسارته مبلغاً من المال. تحول بعدها للعمل كسائق سيارة أجرة. يقول “من الظلم أن يدرس الصيدلي ويتعب خمس سنوات ليحصل على شهادة الصيدلة ويعمل بعدها في شركات ومصانع دوائية كبيرة، ثم يحرم من حقه في ممارسة مهنته، ويضطر  للعمل في مجالات بعيدة كل البعد عن مهنته”.

يعد الوضع المادي والنفسي لهذه الفئة من الكوادر الطبية السورية في تركيا، هو الأسوأ كونهم لا يستطيعون ممارسة مهنتهم، ولا الاستفادة من سنوات الدراسة والعمل، تقول الصيدلانية نجوى الهاشمي: “بحثت عن عمل في صيدليات كثيرة أغلبها رفضت تشغيلي. و الذين قبلوا منهم كان شرطهم أن أعمل بأجر زهيد جداً، بعدها بدأت أبحث عن عمل يناسبني إلا أن وجدت عملاً براتب جيد في إحدى المدارس السورية، أعمل الآن في التدريس بعيداً عن مهنتي التي أحبها” . وتضيف “دخلت كلية الصيدلة ولم أتوقع يوماً أن أعمل في مكان غير صيدليتي، أو أن أعمل بعيداً عن مهنتي. ولكن الظروف فرضت علي ذلك”.

منظمات

يجد عدد من الأطباء والصيادلة أن ظروف العمل في المنظمات الطبية والإنسانية الموجودة في تركيا والمعنية باللاجئين السوريين هو الأفضل حالاً، نظراً للقوانين التركية التي صدرت مؤخراً والتي سمحت للشركات التركية والأجنبية بالحصول على إذن عمل خاص بالسوريين دون النظر إلى الشروط المطلوبة للحصول على إذن العمل للأجنبي، الشرط الوحيد في هذه الحالة أن يحمل السوري إقامة لا تقل عن 6 أشهر.

يتحدث الطبيب مالك الأعرج عن تجربته في العمل مع إحدى المنظمات “مستوى الأجور التي تقدمها تعتبر جيدة بالنسبة إلى تركيا، إلا أن الموظفين الأجانب الذين يشغلون نفس الوظيفة وفي نفس المنظمة يتقاضون أجوراً مضاعفة عن السوريين والأتراك، المعادلة التي لم نفهمها جيداً هي (إن كنت من جنسية مختلفة باكستانية مثلاً، فستحصل على أجر مضاعف، ولمجرد كونك سوري سوف تحصل على الراتب الأقل. العمل في هذه المنظمات يتطلب أيضاً جهداً جسدياً ونفسياً كبيراً”.

إحباط وأمل

فشلت المحاولات التي سعت إليها منظمة (ت ت ب) التركية مؤخراً لتمكين الأطباء السوريين من ممارسة مهنتهم ضمن الأراضي التركية، بعد أن رفضت المحكمة الإدارية العليا منذ أيام طلبًا رفعته المنظمة سابقاً لإلغاء بعض الأحكام وتعديل أخرى باتجاه  السماح لعمل السوريين في القطاع الصحي، شريطة إلمامهم باللغة التركية بمستوى محدد.

وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التركية أصدرت بدورها قرارات حددت فيها نسب توظيف السوريين في كل مؤسسة والحد الأدنى من سقف الرواتب المسموح بها للعامل السوري بمبلغ 864 ليرة تركية، وهو ما اعتبره الكثيرون خطوة إيجابية لتنظيم وضع السوريين والحفاظ على حقوقهم . ويتطلع  أصحاب المهن الطبية السوريين  إلى أن تكون هذه القرارات بداية لقرارات أخرى تسمح لهم بمزاولة عملهم بشكل قانوني .

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة