اسطنبول- سارة العمر

مع تفاقم الأزمة السورية تستمر هجرة السوريين إلى الأراضي التركية وتتوسع معها استثماراتهم ومشاريعهم فيها، وتشير التقارير الاقتصادية التركية إلى نمو مضطرد في حجم هذه الاستثمارات ونجاحها خلال السنوات الثلاث الماضية.

 

تنقسم المشاريع السورية إلى مشاريع صغيرة تتوجه بشكل أساسي لخدمة التجمعات السورية في عدد المدن التركية كالمطاعم والأفران  وورشات الخياطة المحلية التي تسوق بضائعها للسوريين، فيما توجه أصحاب العديد من رؤوس الأموال الكبيرة إلى افتتاح شركات تجارية العمل بإنتاج النسيج  وتصديره لدول الجوار.  يعتبر معظم أصحاب المشاريع أن البيئة القانونية والاستثمارية في #تركيا مريحة نسبياً وأن الحكومة التركية قدمت تسهيلات خاصة لهم، لكن الأمر لا يخلو من المصاعب.

 أرقام

تشير إحصائيات صادرة عن الحكومة التركية أن العدد الإجمالي لشركات السوريين المسجلة في تركيا بلغ حتى من أيلول/ سبتمبر الماضي 2827 شركة، فيما توقع خبراء أن العدد يتجاوز 10 آلاف شركة عند أخذ  الشركات غير المسجلة وتلك التي يشترك فيها أتراك بعين الاعتبار.

وتحتضن  اسطنبول 60% من الشركات السورية الجديدة تليها غازي عنتاب وهاتاي وكيليس وأورفا. معظم الشركات وعددها 978 رُخصت للعمل في تجارة الجملة، فيما رُخص 606 منها لأعمال الصيانة، و288 شركة في قطاع العقارات.

في الإطار، توقع خبراء اقتصاديون  أتراك  أن الحجم الكبير والمتنامي لاستثمارات السوريين في تركيا من شأنها أن تشكل ضغطاً سياسياً على الحكومة التركية مستقبلاً بشأن أي قرار يخصهم، وأن تحول وضعهم القانوني والاجتماعي العام من “ضيف” إلى “مستقر”.

التسجيل القانوني .. تكاليف وميزات

تعمل كثير من الورشات والمصانع السورية في تركيا دون ترخيص، نظراً للعراقيل القانونية والإدارية والمادية التي يتطلبها الترخيص، منها حيازة صاحب المشروع على  إقامة عمل في تركيا، ولهذه الإقامة تكاليف وتعقيدات، كما يتطلب  وجود شريك تركي في ملكية المشروع لاستصدار ترخيص لمنشأة صناعية، يشترط أيضاً توظيف حد أدنى من اليد العاملة التركية وإعطاء العامل الحد الأدنى للراتب هو 1200 ليرة تركية إضافة للضرائب والضمان الصحي.

يمتلك أحمد ورشة صغيرة للأقمشة في #اسطنبول لكنه لم يقم بتسجيلها  في غرفة الصناعة والتجارة التركية، يقول “تكاليف التسجيل مرتفعة مقارنة مع الأرباح التي أجنيها، ربما سأقوم بذلك حين يتطور عملي لأستطيع الحصول على الجنسية التركية بعد فترة بالتالي استطيع الاستقرار والتملك كمواطن وليس كلاجئ”. حال أحمد هو حال الكثير من الصناعيين السوريين يجدون في تركيا المكان الأنسب لهم للاستقرار والعمل على المدى البعيد في ظل صعوبات الحصول على هذه الميزات في سائر الدول العربية والأوربية.

نجاح وفشل

توجه الكثير من السوريين إلى افتتاح مطاعم سورية خاصة في #غازي_عنتاب واسطنبول و #أنطاكيا وغيرها، معتمدين بشكل أساسي على تجمعات السوريين في هذه المدن، افتتح عمر صطيف مطعماً للمأكولات السورية في غازي عنتاب منذ سنة ونصف واستطاع اجتذاب أعداد جيدة من الزبائن بعد عدة أشهر من افتتاحه، يتحدث عمر لموقع #الحل_السوري عن سبب نجاح مطعمه قائلاً “أولاً لأن السوري لا يستطيع أن يعيش دون المأكولات السورية التي اعتاد عليها، ولم يستطع المطعم التركي أن يحل بديلاً عن طعامنا، ثانياً درست المشروع جيداً قبل أن أبدأ به، واخترت حياً يسكن فيه الكثير من السوريين. في البداية كان عدد زبائني قليل، والمردود لا يسد  تكاليف الإيجار ومصاريف المطعم ، تحملت الخسارة واستمريت ولم استسلم. والآن أجني أرباحاً جيدة جداً”.

ومن جانبه، يرى شادي وهو أحد المساهمين في مخبز سوري في مدينة #أورفا التركية بأن “التنظيم والتمويل الجيد ومتابعة المشروع والحسابات وإحصاء الخسائر إضافة للدراسة المستقبلية للمشروع ضرورية لنجاحه، خاصة مع  وجود الكثير من الشركاء والمنافسين والمترصدين في السوق.. بعد افتتاح المخبز كانت الأرباح جيدة، ولكن مع كثرة المخابز السورية والمنافسة في أسعار المنتجات، واختلاف الشركاء في اتخاذ قرارات البيع والشراء، أدى هذا لفشل المشروع وخسارة مخبزنا وإغلاقه”.

 مصانع نسيج وورشات خياطة

ازدهار انتاج النسيج في تركيا دفع عدداً من أصحاب رؤوس الأموال القادمين من #دمشق و #حلب للاستثمار فيه، إلا أن المنافسة الكبيرة في السوق التركي جعلتهم يتوجهون للتصدير إلى الأسواق السورية والعربية، يقول أحمد حميدي المشرف على إحدى الورشات السورية في اسطنبول “مهما كانت الآلات التي يشتريها صاحب المشروع متطورة إلا أن الخبرات التركية في هذا المجال لاتزال أكبر، لذا تعتبر منافسة النسيج التركي مخاطرة في ظل الكميات الهائلة التي ينتجونها. لم نتجه لخوض هذه الأسواق، نصدّر اليوم إلى #سوريا و #العراق و #مصر وعدد من الدول الأخرى”

أما صافي البكور وهو صاحب مصنع نسيج في اسطنبول يقول “كنا نملك مصنع البكور للنسيج في الشيخ نجار في حلب، لدينا خبرة طويلة في هذا المجال،  نحن نملك الخبرة في العمل في قطاع النسيج فهذه المهنة متوارثة في العائلة. أقمنا المصنع في اسطنبول كونها الأرخص تكلفة في البناء والنفقات،  وحتى نتمكن من تصدير منتجاتنا إلى العراق والأردن ولبنان والإمارات .اخترنا التصدير لأننا نملك خبرة  في نمط البضائع المفضل في هذه الدول .عملنا هنا يزدهر ويتوسع”.

 خسارة اليد العاملة

خسارة اليد العاملة السورية أبرز ما يعاني منه أصحاب المشاريع المتوسطة والصغيرة من السوريين، إذ يفضل العامل السوري العمل في المصانع والورشات التركية المرخصة  لما تقدمه لهم من رواتب وتعويضات تفوق ما يقدمه له صاحب العمل السوري. يقول محمد كمشة وهو شاب يعمل في إحدى مطابع القماش التركية “صاحب العمل تركي ويقدم لي راتباً جيداً وبدلاً للمواصلات ووجبة طعام. أصدقائي يعملون في مصانع نسيج سورية ويتقاضون أجوراً أقل ب 300 ليرة تركية. لذا أفضل البقاء والعمل مع الأتراك”.

 العقارات ..غلاء وابتزاز

يعد ارتفاع إيجارات العقارات والمحال التجارية في تركيا أحد أبرز العوائق التي تعترض افتتاح المشاريع المتوسطة والصغيرة في تركيا يقول خالد صفدي وهو صاحب ورشة لخياطة البيجامات في مدينة غازي عنتاب “يشكل غلاء إيجارات العقارات التجارية ضغطاً على صاحب المشروع في البداية، إذ يتوجب عليه الصمود وتحمل الخسارات المبدئية للمشروع حتى يستطيع توسيع سوق تصريف منتجاته أو ترويجها، العديد من الورشات والمحلات أغلقت لهذا السبب ويضيف “يلعب أصحاب هذه العقارات دوراً سلبياً، الكثيرون لا يرتضون إيجار العقار لسوري إلا مقابل مبلغ أكبر من الذي يدفعه الأتراك”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.