يصرّح بعض مسيحيي الشرق الأوسط بموقفهم المناهض لـ ” الحرب المقدسة ” في #سوريا

إيراسموس، الإكنومست، 21 تشرين الأول 2015

 

ترجمة موقع الحل السوري

عندما شرعت المقاتلات الروسية بعملياتها على أرض سوريا مطلع تشرين الأول الماضي، كان ذلك إعلاناً واسع النطاق من قبل روسيا وكنيستها الوطنية عن قيامهم بشن “الحرب المقدسة ” ضد الدولة الإسلامية، ونادى بعض الغربيين بأنه “ليس على حزبٍ آخر متحارب أن يدعي أن الله يقف إلى جانبه”، ويصدّق آخرون بكل هدوء أن العلاج الوحيد للجهاد على هذه الأرض يمكن أن يكون جهاداً مضادّاً.

في الحقيقة، حرّفت هذه التقارير _ بعض الشيء _ ما قالته الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، كان من الممكن أن يكون أمراً مدهشاً لو قدّم  بيان بطريرك روسيا _ نظراً لأنه يحافظ على علاقات ودية مع الزعماء المسلمين داخل وخارج #روسيا وبتشجيعٍ رسمي _ أي تضمين لنزاع معمّم بين المسيحية والإسلام، وما تحدث به البطريرك كيرل كقسيس إلى الأمة، كان أكثر من حذراً بقليل:

“لقد قدّم الاتحاد الروسي قراراً مسؤولاً لاستخدام القوة المسلحة للدفاع عن الشعب السوري من الأحزان الناجمة عن الإجراءات التعسفية التي يقوم بها الإرهابيون.. نحن نؤمن بأن هذا القرار سيجلب السلام والعدالة إلى هذه الأرض القديمة.. نتمنى أن يحل السلام لسوريا و #العراق والبلدان الأخرى، نُصلي من أجل هذا النزاع القاسي كي لا يتطور إلى حربٍ كبرى، ومن أجل أن لا يؤدي استخدام القوة إلى موت المدنيين، ومن أجل أن يعود كل أفراد الجيش الروسي إلى موطنهم أحياء “.

أطلقت نداءات “الحرب المقدسة ” من قبل أحد المتحدثين الأكثر فظاظة باسم البطريركية، وهو الأب فسيفولد شابلن. وهو لم يدعُ تماماً إلى حرب بين الأديان أو بين الثقافات. ما قاله رجل الدين حرفياً، وكلمة بكلمة هو التالي: “الكفاح ضد الإرهاب مبارك (بشكل حرفي، مقدّس )، واليوم بلادنا هي القوة الأكثر نشاطاً في العالم تشارك في النضال ضدّ (الإرهاب) . ليس لأنها تملك أية اهتمامات ذاتية وأنانية في هذا الصدد، إنما لأن الإرهاب هو قوة غير أخلاقية “.

وبغض النظر عن الكلمات المضبوطة لزعماء الدين الروسيين، فقد أثار الحديث عن “الحرب المقدسة” ردوداً قوية وواضحة من المسيحيين الأرثوذكس في #لبنان، الذين يعتبرون الدعاة الأكثر تأثيراً على مسيحيي الشرق الأوسط. وقد وقّع مئات الأشخاص على بيانٍ متداول باللغتين العربية والفرنسية عبر موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك عنوانه: “عريضة ضدّ الحروب الدينية ” والتي جاء فيها : “ندين وبدون تحفظ فكرة أن حماية المسيحيين  يمكن أن تشكّل ذريعة في خدمة الأهداف الأيديولوجية أو السياسية، حيث فعل البعض ذلك لدعم التدخّل العسكري الروسي في سوريا”. أخبرني طارق متري، وهو عالم مقتدر ووزير سابق للثقافة في #لبنان، أنه كان قد شارك في العريضة بسبب:  “نعتقد أن تراتيل صلاة مباركة الحروب، بغض النظر عن الأهداف التي تدعو لبلوغها، هي التي يجب أن تدان.. أردنا أن نثبت أن المسيحيين _ على حدٍّ سواء _ في سوريا لا يمكنهم أن يكونوا  محميين من قبل وسائل التدخل العسكري، ولا ينبغي أن يكونوا كذلك. كان هناك أصوات في روسيا والعالم العربي استخدمت حماية الأقليات  كحجّة، وهذا ما نعتقد أنه يناقض ما سانده معظم المسيحيين العرب في تاريخهم الحديث. (كل) المدنيين، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين يجب أن تتم حمايتهم”.

وفي هذه الأثناء، أصبح  كبار رجال الدين اللبنانيين مثل أسقف بيروت (إلياس عودة )، يعرضون بعض الحجج اللاهوتية والتاريخية ضدّ فكرة الحرب التي تتبناها الدولة. قضيتهم هي تقريباً كالتالي: المسيحية في جوهرها تدعو للسلام، وعلى خلاف الكاثوليكية الرومانية، فإن المسيحية الأرثوذكس لا يوجد لديها عقيدة الحرب العادلة، إنما بدلاً من ذلك فهي تنظر للحرب كشرّ جوهري، وبالرغم من أنه من المستحيل الفرار من خيار الحرب في بعض الأحيان، بعبارة أخرى يمكن القول أن الحرب شرّ لا بدّ منه في أحسن الأحوال. علاوة على ذلك، ليس لدى المسيحيين العرب الأرثوذكس _ وعلى النقيض من الإغريق أو الروس وأحلامهم بالبيزنطية أو القياصرة _ أي ذكرى جامعة لاستخدامهم قوة الدولة باسم الله.

كل هذه الأخبار مثيرة للجدل، ويمكن لعلماء الدين والمؤرخين أن يناقشوها لساعات. وككل البيانات العلنية، فإن قراءتها يجب أن تكون على خلفية سياسية وتاريخية مؤكدة. يحتل المسيحيون الأرثوذكس اللبنانيون مكانة محددة في نسيج البلاد الفسيفسائي المعقّد والمتقلب. وبنسبة أقل من 10%، يشكلون قِلّة أكثر ضعفاً، ونسبة عربية أكثر في هويتهم الجامعة مقارنة بالمسيحيين المارونيين الذين يبدون غربيين بشكلٍ لاهوتي وثقافي وتجاري.

في الأيام التي كانت فيها القومية العربية العلمانية تشكل قوّة متصاعدة، كان المسيحيون الأرثوذكس اللبنانيين مؤيدين بارزين لها. قد تكون تلك الأيام قد انتهت، ولكن ما يزال اللبنانيون الأرثوذكس حذرين من أي شيء قد يؤدي لجفاء حاد بينهم وبين جيرانهم العرب السنة، وقد قام الزعماء المسيحيين المارونيين مختلفي الأحلاف خلال العقود القليلة الماضية بإنشاء ميثاق بينهم وبين مماثليهم في المنطقة، من #إسرائيل إلى سوريا إلى #إيران (أو وكلاء إيران ). وبالتباين، شعر المسيحيون الأرثوذكس اللبنانيون أن أي شيء يرفع من حمى المنطقة سوف يهدد بقائهم .

بالنسبة للحديث فهو يطول، ولكن لا يجب أن نهمل المضمون. بعض الآراء الجيدة والمقنعة وغير الملحوظة بشكل معلن، كانت قد سمعت مؤخراً من المنابر وزوايا الصحف في لبنان، البلد الذي يعرف كل تفاصيل وويلات النزاع الطائفي. إنه مطمئن دائماً للتذكير بأن دور الدين العام لا يبدأ وينتهي مع الدعوة إلى الحرب المقدسة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة