الصراع السوري يضاعف عدد الفقراء “قراءة في الأسباب والآثار والحلول الممكنة”

الصراع السوري يضاعف عدد الفقراء “قراءة في الأسباب والآثار والحلول الممكنة”

إعداد: د. عبد الصمد اسماعيل

لم تسدل الستارة بعد على مسرحية العنف والدمار التي ما تزال تعرض على خشبة مسرح #سوريا. حيث ما تزال القوى المتصارعة على الأرض يتغنى كل منها بانتصاراته لتتسع بذلك مساحات الخراب على امتداد الخشبة وليزداد معها معاناة #السوريين أمنياً واجتماعياً واقتصادياً أكثر فأكثر، وليبقى المواطن #السوري الشخص الوحيد الذي يدفع ضربية كل ذلك مع ما يعانيه من تشرد ونزوح وفقر وتراجع في كل مقومات الحياة، وخاصة في تلك المناطق التي ما تزال تحت الحصار أو تحت القصف أو تدور فيها رحى المعارك المدمرة.

وحيث لا تعتبر #سوريا من الدول الفقيرة اقتصادياً، إلا أن مشهد #الفقر كحالة اقتصادية واجتماعية كان وما زال الكثير من المواطنين السوريين يعيشونه وازدادت ضراوته خلال مسرحية الخراب والدمار المذكورة آنفاً.

الفقر في سوريا بالأرقام

لم تفلح الخطط الخمسية للحكومات السورية المتعاقبة للقضاء أو الحد من ظاهرة الفقر. أو وقف التراجع في المستوى المعيشي للمواطنين في سورية بالرغم من وضعها على رأس قائمة الأهداف العامة لتلك الخطط وذلك لقصر السياسات والاستراتيجيات الاقتصادية التي كانت تتبعها تلك الحكومات من جهة، ومن جهة أخرى تبديد موارد ومقدرات الدولة نتيجة فشل السياسات المتبعة وإظهار المؤشرات الاقتصادية المضللة التي كانت تصدر عن مؤسسات القطاع العام التي كانت تهدف إلى تلميع واقع هذه المؤسسات وانشطتها الاقتصادية ولتعكس كفاءة المدراء القائمين عليها. دون البحث في جدية تلك السياسات الاقتصادية وجدواها ونتائجها وإمكانية تعديلها أو تغييرها بهدف تحسين الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين.

وقبل الخوض في لغة الأرقام لا بد من إيضاح مفهوم الفقر حيث يعد الشخص فقيراً إذاقل دخله عن مستوى معين يسمى بخط الفقر الذي حدده #البنك المركزي مؤخراً بـ 1.9 دولار في اليوم بعد ان كان 1.25 في عام 2011.

كما يمكن الاعتماد على بيانات الاستهلاك لتحديد نسبة الفقراء فالأفراد الذين يخصصون اكثر من 60% من دخلهم لتأمين الحاجات الأساسية الاستهلاكية يعتبرون من الفقراء. أما الأفراد الذين لا يستطيعون تأمين احتياجاتهم من المواد #الغذائية فإنهم يعيشون حالة الفقر المدقع أي أولئك الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى (1.9 $).

وكانت الأرقام التي تصدر بشأن معدلات الفقر عن الحكومة السورية في معظم الأحيان غير صحيحة، ففي تشرين الأول من 2004 ووفق تقرير عن نتائج مسح دخل ونفقات الأسر السورية أصدره المكتب المركزي للإحصاء بين فيه أن نسبة الفقر في سورية تبلغ 7.7% فقط.

وفي تقرير آخر صدر عن هيئة تخطيط الدولة في شباط من عام 2012 بلغت هذه النسبة 11.4%. في حين ذكر تقرير صادر عن منظمة (الإسكوا) أن هذه النسبة تجاوزت 23% عام 2010. ثم تضاعفت أعداد #الفقراء بحسب التقرير المذكور خلال فترة الأزمة والإقتتال التي تعيشها البلاد.

فبعد أن كان عدد الأفراد الذين يعيشون عند مستوى الفقر في سوريا 5.1 مليون في عام 2010، وأن 1% منهم كان يعيش تحت خط الفقر. إزداد هذا الرقم ليصبح أكثر من 9.7 مليون شخص يعانون من الفقر منهم 4.4 مليون يعيشون في #فقر مدقع وذلك بحسب تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، أفادت به مسؤولة البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة في سوريا.

الأمر الذي دفع بالمنظمة الأممية التركيز على تنمية سبل العيش ومساعدة #النازحين للحيلولة دون وقوعهم تحت خط الفقر. بعد أن كانت برامجهم تعمل في مجال السياسات التنظيمية والتنمية الإدارية والدعم التقني.

هذا وكانت نسب البطالة قد شهدت إرتفاعات كبيرة خلال سنوات الأزمة فبعد أن كانت عام 2010 بحدود 8.6% بحسب الإحصاءات الرسمية للحكومة السورية فقد وصلت إلى 57.7% أي أكثر من نصف أعداد القادرين على العمل في نهاية عام 2014 بحسب دراسة صادرة عن مركز البحوث والأمانة العامة لإتحاد المصارف العربية).

لتبلغ أعداد العاطلين عن #العمل 3.72 مليون شخص الأمر الذي أثر على المستوى المعيشي لأكثر من 12.2 مليون شخص باحتساب معدل الإعالة وجعلهم قريبين من خط الفقر. وتتوقع منظمة الإسكوا أن تصل نسبة الفقراء هذا العام مع استمرار #النزاع الدائر إلى 90% من مجموع السكان بعد ان كانت 18% في عام 2010.

قراءة في أسباب وآثار الفقر السوري

تأتي الأسباب الاقتصادية على رأس قائمة العوامل المؤدية إلى تزايد نسبة الفقراء في أي مجتمع كان. ولكن جاءت الأزمة في سورية لتدفع بأعداد كبيرة من المواطنين نحو مستوى الفقر نتيجة تردي الوضع الأمني وانعدام الاستقرار في الكثير من المناطق السورية دفعت بنحو سدس السكان للهجرة خارج البلد (فحوالي 86% من اللاجئين في الأردن البالغ عددهم 630 ألف لاجئ يعيشون عند مستوى الفقر) ودفعت بـ 7.6 مليون للنزوح ومغادرة مناطق سكناهم باتجاه المناطق الآمنة داخل البلاد بحسب رئيس المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة.

هذا وقد أدى تضعضع المؤشرات الاقتصادية الرئيسية كتراجع الناتج المحلي إلى ما دون 30 مليار دولار نتيجة توقف الكثير من المعامل والمصانع عن الإنتاج بسبب المعارك الدائرة والتراجع في حجم الاستثمارات نتيجة خروج رؤوس الأموال الخارجية المستثمرة في سوريا وهروب رؤوس الأموال المحلية لتخسر سوق العمل بذلك 2.6 مليون فرصة عمل إلى جانب انخفاض القوة الشرائية لليرة بأكثر من 88% مقابل الإرتفاعات الجنونية في مستويات الأسعارمما أدى إلى اتساع الفجوة بين الدخول والأسعار لتساهم في تضاعف أعداد الفقراء في سورية.

فإذا علمنا أن متوسط الاستهلاك الشهري للأسرة السورية قبل الأزمة كان 30 ألف #ليرة (600 دولار) بحسب الرقم القياسي لأسعار المستهلك الصادر عن المكتب المركزي للإحصاء عام 2009 هذا يعني أن الأسرة السورية اليوم تحتاج إلى أكثر من 210 آلاف ليرة شهرية لتعيش بمستوى عام 2009، وهذا غير ممكن في ظل تراوح متوسط الرواتب والأجور عند حدود 30 ألف ليرة (80 دولار) وهذا ما يعكس مباشرة اتساع الهوة بين الدخل والأسعار التي ارتفعت عدة أضعاف منذ بداية الأزمة الأمر الذي تسبب بارتفاع تكاليف الحياة، وبالتالي انحدار أعداد كبيرة من السكان باتجاه مستوى الفقر.

وأمام تراجع معدلات النمو الاقتصادي وازدياد العجز في الموازنة العامة للدولة وفي الميزان التجاري السوري قامت الحكومة برفع أسعار الوقود والمحروقات المستعمل في المنشآت الصناعية من 60 إلى 150 ليرة سورية للتر الواحد، وللمستهلكين من 60 إلى 80 ليرة بسبب استيرادها من الخارج وعدم قدرتها على تحمل فرق الأسعار مما ادى إلى ارتفاع تكاليف #الإنتاج والنقل للكثير من السلع والمواد الأساسية التي يحتاجها المواطن. كما سحبت #الحكومة أيضاً الدعم عن بعض المواد الرئيسية الأخرى وبالتالي رفع أسعارها كالخبز وبعض المواد التموينية كالسكر والرز متا تسبب بارتفاع نفقات الحياة عند الأسر #السورية وبالتالي انجرارها باتجاه مستوى #الفقر.

وحيث ان التسرب من #التعليم وإنتشار الأمية (18% من الفقراء أميون) من أهم أسباب تفشي ظاهرة الفقر؛ وفي ظل ظروف القتال والعنف السائدة والحرب التي تستنزف معظم المقدرات المالية للحكومة السورية فقد تراجعت مستويات الخدمات العامة وخاصة التعليم فضلاً عن أن استمرار العمليات العسكرية التي تسببت بالنزوح المستمر ونتيجة الخوف فإن الكثير من الأطفال يتركون مدارسهم وبحسب منظمة #اليونيسيف هناك 2.7 مليون طفل سوري منقطعون عن المدرسة وان نسبة الالتحاق بالتعليم الأساسي قد انخفضت من 98% عام 2011 إلى 70% عام 2014 ولحق الدمار بآلافالمدارس كما استخدمت الكثير منها لإيواء النازحين أو في العمليات العسكرية.

كما أشار التقرير الصادر عن منظمة اليونيسيف أن أكثر من 50% من #المستشفيات خرجت من الخدمة وأن حوالي نصف الأطباء السوريون غادروا البلاد وإذا أضفنا إلى ذلك القرار الحكومي بشأن رفع أسعار الدواء بنسبة 56% ثم تقليص كمية إمدادات المشافي العامة من الأدوية والمستلزمات الطبية فقد تسبب ذلك بتدهور نظام الدعم الصحي (خدمات المشافي العامة) الذي كان يستهدف الفقراء أكثر من غيرهم وبالتالي تزايد اعدادهم.

ونتيجة لضعف الإمكانات المالية لدى الحكومة وإنشغالها بالأوضاع الأمنية فقد تراجعت عن لعب دورها الاقتصادي كأكبر مستثمر داخل الاقتصاد الوطني فضلاً عن سياسة الانفتاح الاقتصادي المتبعة دون ضوابط حقيقية ومدروسة واعتمادها على الاستيراد في تأمين حاجة السوق المحلية.

ولا يفوتنا هنا أن عملية الإفقار هذه وتزايد أعداد الفقراء تترافق مع تزايد المنافع المادية والاقتصادية لشريحة من الطفيليين وأمراء الحرب المستفيدين من الأوضاع الراهنة والذين أصبحوا يحوزون على جل مقدرات وثروات الشعب السوري ويسخرونها لمصالحهم، وبحسب تقارير دولية فإن نسبة 20% من السكان يحوزون على أكثر من 85% من #الدخل القومي، وأن نسبة 20% من السكان الفقراء يستهلكون فقط 7% من الإنفاق في سورية وهذا يعكس سوءاً واضحاً في توزيع الدخل القومي ويساهم باتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء وظهور مظاهر غريبة داخل المجتمع كالالتحاق بالجماعات المسلحة سعياً وراء المعاش والسطوة وانتشار #السرقة والنهب العشوائي وغير العشوائي، وتجارة المواد غير المشروعة والتهريب… الخ.

المعالجة والحلول

عجزت الحكومات المتعاقبة في #سوريا قبل الأزمة التي عصفت بالبلاد منذ آذار 2011 عن معالجة مشكلة الفقر نتيجة غياب السياسات والإجراءات الحقيقة للقيام بذلك وعدم وضع أية استراتيجيات للتنمية المستدامة تخفف من نسبة #الفقراء بين الأجيال المتعاقبة مستقبلاً. لتأتي الأزمة وتعصف بأعداد كبيرة من السكان دافعة بهم نحو ظروف معيشية وأمنية صعبة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها ظروف فقر تنعدم فيها القدرة على العيش الآمن والكريم.

لذلك وأمام ضياع الخطط والاستراتيجيات وفي ظل الظروف الأمنية المستمرة في البلاد نرى ضرورة القيام وبالسرعة القصوى باتخاذ بعض الإجراءات السريعة التي من شأنها أن توقف التدهور في الواقع المعيشي للمواطنين وتمنع من انجرار أعداد متزايدة منهم نحو الفقر أو الفقر المدقع والتي برأينا تتلخص بما يلي:

– البحث بكل السبل والوسائل لإيجاد حل سريع يوقف نزيف الدم #السوري ويعمل على إعادة الأمن والاستقرار للبلاد مما سيوفر مناخاً ملائماً لإعادة دوران عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

– زيادة حجم #الاستثمارات الحكومية في المشاريع الإنتاجية وخاصة في المناطق التي تحوي ثروات اقتصادية كمنطقة الجزيرة التي تعتبر خزان سوريا الاقتصادي وتعيش حالة من شبه الاستقرار الأمني في المرحلة الحالية ولأنها تحتضن عشرات الآلاف من #النازحين من المناطق الأخرى. الأمر الذي يمكن أن يخلق فرصاً للعمل من جهة ويوفر العديد من السلع والمستلزمات الحياتية من جهة اخرى.

– تبني سياسات مالية وضريبية تستهدف شريحة كبار المكلفين والأغنياء وعدم الاكتفاء بجمع #الضرائب من ذوي الدخل المحدود الذي لم يعد يغن عن جوع في ظل تآكل قوته الشرائية والارتفاعات المستمرة للأسعار.

– تبني سياسات نقدية مركزة وناجعة من شأنها وقف التدهور في قيمة #العملة السورية والحد من إرتفاع الأسعار وتخفيض نسب التضخم تساهم في تشجيع منح القروض التشغيلية وخاصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لخلق فرص عمل داخل #الاقتصاد الوطني ورفد السوق المحلية بالعديد من السلع والمواد اللازمة. كما أنها ستؤمن دخولاً للقائمين عليها تمنع عنهم العوز والفقر والانجرار نحو الأعمال غير المشروعة.

– السماح للمنظمات الدولية والأممية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق الساخنة وتلك التي تقع تحت #الحصار منذ فترات طويلة تمكن السكان المحاصرين من الحصول على السلع الغذائية وغير الغذائية بهدف التحسين النسبي في الواقع المعيشي لديهم.

– تقديم الدعم اللازم للعاملين في القطاع الزراعي بهدف زيادة إنتاجية العمل فيه الأمر الذي يؤمن للاقتصاد الوطني معظم حاجته من السلع والمواد الغذائية والاستراتيجية مما يحد من الاستيراد ويخفف بالتالي من العجز التجاري ويساهم بتحقيق نوع من الاستقرار النسبي في الأسعار ورفع جزء من الأعباء المادية المتثاقلة عن كاهل المواطنين.

– زيادة الاهتمام بقطاع التعليم ووقف النزيف من #المدارس ورفع سوية التعليم المتجهة نحو الانحدار نتيجة الظروف القائمة وترك الكثير من الطلاب مدارسهم وجامعاتهم الأمر الذي يعد من أهم الوسائل التي تساعد من الحد من ظاهر الفقر.

– منح إعانات عينية فورية (حصة تموينية كاملة)لجميع العاملين بأجر في القطاعين العام والخاص وللنازحين والمهجرين من مناطق سكناهم تمنع عنهم العوز وتسد حاجاتهم من السلع الرئيسية، ما يساهم في تحسين مستواهم المعيشي وظروف حياتهم بدلاً من الزيادات غير المجدية في #الرواتب والأجور التي لا تغن عن شيء بل تساهم في ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية.

– تحسين الواقع الصحي وتزويد المشافي الوطنية بحاجتها من الأدوية والمستلزمات الطبية ومنح الحوافز اللازمة للأطباء المقيمين فيها لضمان استمرارهم في العمل والحد من هجرتهم خارج سوريا والتوقف عن رفع أسعار #الأدوية في السوق المحلية ما سيساهم بتخفيف الأعباء المادية ويحسن من الواقع الصحي للمواطنين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.