سارة العمر

حرمت الحرب وظروفها القاسية الكثير من الفتيات والشبان السوريين من أن يعيشوا حلم الزواج، ولأن الفتيات لا يزلن الحلقة الأضعف في الظروف الراهنة فيجبرن على تقديم تنازلات لا تنتهي، وغالباً ما تحمل معها نتائج كارثية وغير متوقعة.

 

حلم الثوب الأبيض

حرمت كثيرات من الفتيات اللواتي تزوجن خلال السنوات الماضية من ارتداء فستان الزفاف الأبيض، وتمت الكثير من مراسم الزواج بشكل شكلي ومحدود، هذا الأمر بقي “غصة” لدى رنا (21عاماً) التي تزوجت  ابن عمها قبل عام واقتصرت حفلة زفافها حينها على عائلتها وعائلة زوجها.

تقول رنا “صحيح أني رضيت بالأمر حينها لكني نادمة، كلما رأيت فستاناً في الصور أو في التلفاز أشعر بالغيرة وبأن فرحة العمر ضاعت مني. قالوا لي أنه ليس هناك ضرورة لإقامة حفل زفاف، في ظل الحرب، وحتى لا يدفع زوجي مصاريف الزفاف، واكتفوا  بالمهر الذي قدمه لهم. الحقيقة أن لا شيء يعوض هذه الخسارة بالنسبة لي”.

طفلة تربي طفل

تزويج القاصرات باتت ظاهرة رائجة خاصة في مخيمات اللجوء في #تركيا و #لبنان والأردن، ساهمت في انتشارها العادات الاجتماعية والفقر والبطالة والجهل، وتعد أخطر مظاهر الزواج التي ولدتها الحرب والأكثر إجحافاً بحق الطفلات السوريات.

بعد أن تسحب الفتيات من مدارسهن ومن ساحات اللعب، يزج بهن في منازل تتحول إلى ما يشبه السجون وتفرض عليهن مسؤوليات كبيرة باكراً، كمسؤولية الزوج والأطفال دون أن يكون لديهن القدرة والاستعداد الكافي لتحمل تلك المسؤولية.

تزوجت علياء ذات الـ13عاماً من عبد الحميد هزاع  (٤٢ عاماً) وهو عراقي الجنسية، مقابل مهر يبلغ 10 آلاف دولار أمريكي. يحكي عبد الحميد لموقع #الحل_السوري قائلاً “أعيش في #بريطانيا ويعيش والداي في تركيا، في إحدى الزيارات أخبرتني والدتي أنها تريد أن تزوجني وأن العروس جاهزة، طلبت منها أن تكون صغيرة ومن أسرة محافظة، أردتها مختلفة عن الفتيات اللواتي قابلتهن في بريطانيا، ذهبت معها وقابلنا علياء ووالديها، كانوا يعيشون وضعاً سيئاً”.

ويضيف “كان تجربة الزواج أسوأ مما تخيلت قضينا ٣ أشهر صعبة في تركيا، حملت علياء بطفل خلالها، كانت كل تصرفاتها طفولية وعديمة المسؤولية، كان الجميع يظنون أني والدها حتى أن هذا الشعور  لم يعد يفارقني، كلما تعاملت معها شعرت بأني والدها وليس زوجها. لم أستطع جلبها معي لبريطانيا بسبب القوانين هنا، تطلقنا، وهي تعيش اليوم مع أهلها حيث تربي طفلنا وهي لا تزال طفلة. اعتقد أني ظلمتها وظلمت نفسي وطفلي بهذا الزواج، ولا أشجع عليه أي أحد”.

يذكر أن منظمة الصحة العالمية حذّرت من مخاطر ومضاعفات الحمل والولادة  التي تعد السبب الرئيسي للوفاة بين الفتيات في الفئة العمرية 15-19 سنة. بعكس الفتيات اللاتي يتزوجن في وقت لاحق ويؤخرن الحمل إلى ما بعد سن المراهقة فتتاح لهن فرصة أكبر للتمتع بصحة أوفر، وتحصيل تعليم أعلى، وبناء حياة أفضل لأنفسهن ولأسرهن. كما لفت تقرير للمنظمة  إلى أن وفيات الأطفال حديثي الولادة، أعلى بمعدَّل 50 في المئة بين الأمهات تحت سن الـ 20، مقارنة بالنساء اللواتي حملن وهن في عمر العشرين وما فوق.

وتؤكد الناشطة سيرين برهان التي تعمل في منظمة حقوقية أن كثير من القاصرات اللواتي زوجن في سن مبكرة، عانين من ضغوط نفسية نتيجة لحرمانهم من عيش مرحلة الطفولة، وأن هذه الضغوط قد تتفاقم لتصل إلى مرحلة الإصابة بأمراض نفسية مثل الفصام والاكتئاب والقلق والخوف من عدم قدرة الفتاة على تحمل المسؤولية.

قصور القانون

يؤكد الأستاذ غزوان قرنفل رئيس رابطة تجمع المحامين الأحرار للحل السوري أن “غياب القوانين الصارمة التي تمنع تزويج الفتيات القاصرات ساهم في تفاقم هذه الظاهرة” ويضيف “في سوريا لا يوجد نص يجرّم أو يمنع زواج الفتاة إن اكتمل نضوجها الجنسي والجسماني، ولو كانت لم تتم الثامنة عشرة من عمرها، اذ  يملك القاضي الحق في إبرام عقود الزواج بالنظر لشكلها الخارجي وبنيتها الجسمانية التي تشي ببلوغها، هذا على مستوى محاكم النظام، أما على مستوى المحاكم في مناطق المعارضة، فالأمر أدهى وأمر لأن هذه الحالات تلقى تشجيعا من تلك الهيئات والمحاكم الشرعية باعتبارها تسد الذرائع التي تودي إلى الفتنة والرذيلة “.

ويضيف “لا شرعية قانونية للمحاكم الشرعية في مناطق المعارضة، ولا قيمة قانونية لأحكامها أو قراراتها. وحالات الزواج التي تسجل في تلك المحاكم هي من الناحية الدينية صحيحة لكن من الناحية القانونية هي والعدم سواء، وبالتالي فإن هذا الزواج لا ينتج آثاره القانونية سواء لجهة النسب أو الارث أو غيره مالم يتم تسجيله أو تثبيته أمام المحاكم التي تطبق القانون السوري المعتمد والقائم في مناطق سيطرة النظام”.

الفرق عشر سنين وأكثر

مع  قلة عدد الشبان المتواجدين في الداخل السوري، يضغط المجتمع على الفتيات العازبات للقبول بمن يتقدم لخطبتهن، حتى لو كان المتقدم يكبر الفتاة بعشر سنين أو أكثر، بحجة أن قطار الزواج سيفوتهن وقد ينتهي بهن المطاف دون زوج أو ولد.

رشا صيدلانية تبلغ من العمر27سنة يكبرها زوجها 16 عاماً، تقول: “لم يعد فارق العمر بالأمر الهام لي، فأغلب الشبان السوريين هاجروا خارج سوريا، ولم يبق هنا إلا قلة قليلة. أريد أن أتزوج وأن أنجب طفلاً. لا أتخيل أن أكمل حياتي دون أولاد. أريد رجلاً يحميني في ظل هذه الظروف الصعبة”.

أما هبة وهي طالبة جامعية فتقول “أدرس الأدب الانكليزي في السنة الرابعة، لم أصدق أن جميع الشبان هاجروا حتى رأيت مدرج كليتي مليئاً بالفتيات فقط، هناك مشكلة حقيقية، كل من خطب وتزوج من صديقاتي تزوجوا لمن يكبروهن بنحو عشر سنين أو أكثر، حتى أن بعض الرجال وجدو في الظروف الحالية فرصة لصفق رابحة بأن يتزوجوا من فتاة صغيرة”.

الزوجة الثانية أو الثالثة لا فرق

العديد من الفتيات لم يعدن يعارضن الزواج من رجل متزوج أو أرمل، تقول سمر  (نازحة ومنقطعة عن متابعة دراستها الجامعية بسبب الظروف المادية السيئة) إنها مستعدة لأن تقبل أن تكون الزوجة الثانية أو الثالثة، طالما أن الزوج قادر على تأمين حياة كريمة لها، والانتشال من مركز الإيواء”. وتضيف “أختاي تزوجتا لرجال متزوجين، ووضعهن أفضل مني بكثير”.

وكان  القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود معراوي أكد لإحدى الصحف المحلية مؤخراً أن “نسبة عقود تثبيت الزواج في المحكمة لأزواج يتزوجون مرة ثانية أو ثالثة بلغت أكثر من 40 بالمئة، فيما لم تكن  تتجاوز 10 بالمئة قبل الأزمة”.

في المقابل تصطدم  السوريات في دول اللجوء و اللواتي أقدمن على الزواج من رجل أجنبي (تركي – مصري – تونسي …) متزوج من امرأة أخرى بالقانون الذي يحرم المرأة من جميع حقوقها كزوجة، بل ويعتبرها مذنبة وتستحق العقاب.

زينب زوجة ثانية لرجل تركي يعيش في مدينة أورفا، تقول: “أعلم أن القانون التركي لا يعترف بي كزوجة لرجل تركي متزوج، أعمل على تثبيت زواجي في محكمة شرعية تابعة للائتلاف السوري، قد يساعدني ذلك في الحفاظ على حقوقي وعلى حقوق طفلي”.

وفي هذا السياق يوضح الأستاذ غزوان قرنفل أن “السورية التي تتزوج من رجل تركي خارج الإطار القانوني التركي لا يتم تسجيل هذا الزواج رسمياً في مكتب الزواج بالبلدية بكل ما يتطلبه ذلك من مترتبات، لا يعتبر في نظر القانون زواجاً، بل تعتبر المرأة في تلك الحالة خليلة وبالتالي أيضاً لا قيمة للعقد العرفي الذي تبرمه الزوجة وهو غير منتج لأي أثر قانوني ولا حقوق للمرأة الثانية على الإطلاق، بل تترتب عقوبات جزائية على الزوجين الذين يبرمان عقداً شرعياً خارج البلدية بالحبس حتى ستة أشهر، وكذلك يعاقب منظم العقد بالحبس حتى ثلاثة أشهر . كما لا ينسب الأطفال ثمرة هذا الزواج لأمهم، أما لجهة تسجيل هذا الزواج في محاكم المناطق المعارضة فهو كمن يستغيث من الرمضاء بالنار لا أكثر” .

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.