د.عبد الصمد اسماعيل:

– بات تأمين مسكن لائق للحياة ولو بشروطها البسيطة من قبل أولئك النازحين قضية صعبة المنال

– سعر طن الاسمنت يصل إلى 48500 ليرة رسمياً ويتجاوز 80000 ليرة في السوق السوداء

– ارتفع سعر الحديد المبروم الخاص بالبناء أكثر من 6.5 ضعفاً خلال سنوات الأزمة

– سعر شقة سكنية جاهزة مساحتها 100م2 يتجاوز 15 مليون ليرة وسطياً في معظم مناطق البلاد

– تدهور قيمة الليرة ورفع أسعار المحروقات تقف في مقدمة أسباب ارتفاع أسعار مواد البناء والأكساء

 

الأزمة تدفع بملايين السوريين نحو النزوحbina-1

باتت الأزمات التي يعاني منها السوريون نتيجة الصراع الدائر في البلاد، ككرة متدحرجة من النار تلهب كل ما يقع في طريقها وتحدث حرائقاً في حياة وبنية الإنسان السوري وتكوينه ومجتمعه ومنظومة القيم التي تحكمه فتحدث فيها تغيرات جوهرية بالاتجاه السالب دائماً لدرجة بات يشعر معها بأن لا الأرض أرضه ولا السماء سماؤه وان من يتبجحون بالدفاع عن حقوقه وعرضه ليسوا إلا من ينهشوها ويسبوها منه إذا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

وفي مثل هذه الظروف القاسية التي يعيشها السوريون الذين غادر الملايين منهم بيوتهم ومنازلهم وخاصة من تلك المناطق الساخنة التي تدور فيها المعارك والمواجهات المسلحة أو تقصف بالصواريخ أو البراميل المتفجرة إلى مناطق أكثر أماناً بحثاً عن ملاذات حياة معقدة لتبدأ رحلة معاناة من نوع آخر حيث تعتبر مسألة تأمين #مسكن لائق للحياة ولو بشروطها البسيطة من قبل أولئك #النازحين قضية صعبة المنال لأسباب باتت معروفة جداً لا تبدأ من قلة العرض أمام الطلب المتزايد على #بيوت_الأجار ولا تنتهي عند مستويات الأسعار الحارقة بل تتجاوزها لتبلغ الجشع الحاصل في سوق العقارات بشكل عام.

أسعار مواد البناء تشهد قفزات رهيبة

وإذا كانت مستويات الأسعار داخل #الاقتصاد_الوطني قد تجاوزت حدود تقبلها من قبل العقل الاستهلاكي السوري الذي لم يشهد تاريخياً هذه القفزات الرهيبة للأسعار تجاوزت حتى الآن عشرة أضعاف في أسواق معظم السلع والمنتجات مقارنة مع السنوات التي سبقت الأزمة، فإن سوق مواد البناء لم تكن بعيداً عن هذه التغيرات والارتفاعات في ظل اعتماد قسم كبير من هذه السوق على #الاستيراد من الخارج الذي يخضع بدوره لتطورات #سعر_الصرف من جهة ولارتفاع تكاليف الاستيراد بشكل عام من جهة ثانية.bina-2

حيث شهدت أسعار #مواد_البناء ارتفاعات متتالية وبشكل كبير خلال سنوات الأزمة التي تمر بها البلاد مما كان له الأثر الواضح على ارتفاع أسعار #العقارات نتيجة تكاليف البناء المتزايدة فقد وصل سعر طن #الإسمنت في آب من العام 2015 إلى مبلغ 24000 ليرة سورية لأول مرة، في حين وصل سعر طن #الحديد المبروم الخاص بالإنشاءات في نفس الفترة إلى 200ألف #ليرة_سورية أما سعر متر #الرمل فقد تجاوز 3000 ليرة سورية.

وحيث توجهت الكثير من الاستثمارات إلى #سوق_العقارات بعد أن بدأت الليرة السورية تفقد قوتها الشرائية بانحدار شديد فشكلت هذه السوق ملاذاً أمناً للاستثمار وللحفاظ على قيمته فضلاً عن الأرباح المباشرة والكبيرة التي باتت تتحقق فيها.

كل ذلك تسبب بارتفاع الطلب على مواد البناء بشكل كبير مما ساهم بارتفاعات جديدة في أسعارها لتصل اليوم إلى حدود 48500 ليرة لطن الاسمنت البورتلاندي بحسب الأسعار الحكومية الرسمية في حين يصل سعر الطن الواحد في السوق السوداء لأكثر من 80000 ليرة سورية خاصة في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من البلاد التي تعد طرق المواصلات إليها شبه مقطوعة وتخضع لسيطرة المعارضة مما يزيد من تكاليف النقل إلى تلك المحافظات و318000 ليرة لطن الحديد المبروم المعد للبناء في حين وصل سعر متر الرمل لأكثر من 5000 ليرة سورية مما دفع بأسعار المنازل إلى الارتفاع حيث وصل سعر المتر على الهيكل في #ريف_دمشق ما بين 60 إلى 80 ألف ليرة وفي دمشق وصل سعر المتر ما بين 150 إلى 175 ألف #ليرة سورية.bina-3

وهكذا بالنسبة لباقي المدن والبلدات السورية وبحسب الحالة الأمنية في كل منطقة. وأمام هذا الواقع الرهيب يلاحظ زيادة الطلب على الآجار بدلاً من الشراء كون الكثير من الناس لا يملكون مثل هذه المبالغ الضخمة وخاصة أولئك الذين اضطروا إلى مغادرة بيوتهم تحت ظروف القتال وانعدام الأمن فسعر شقة مساحتها 100م2 على الهيكل تجاوز 7.5 مليون #ليرة وسطياً ويصل إلى حدود 15 مليون ليرة وسطياً للشقة المكسية وذلك في معظم المناطق والمدن السورية ما عدا #دمشق التي باتت تلامس أسعار العقارات فيها أسعارها في كبرى المدن العالمية.

ارتفاع كلفة الأكساء ترهق السوريين

شهدت أسعار #مواد_الأكساء زيادات كبيرة حيث لم تكن حركتها باتجاه الأعلى بأقل مما كانت عليه أسعار مواد البناء فسعر متر سيراميك الأرضيات نخب رابع بلغ 1800 ليرة خلال منتصف عام 2015 في حين يتجاوز الآن 3600 ليرة أي بزيادة قدرها 100% خلال عام فقط .bina-4

كما ارتفع سعر متر السيراميك الحائطي نخب رابع أيضاً من 165 ليرة قبل الأزمة إلى حدود 2000 ليرة الآن أي أنها تجاوزت العشرة أضعاف كذلك ارتفعت أسعار مستلزمات كهرباء المنازل وما تسمى ببياضات الصحية كالمغاسل وخلاطات الحمامات والأبواب الخشبية وغالاتها والمطابخ الحديثة ونوافذ الألمنيوم وغيرها من مستلزمات الأكساء فارتفعت أسعارها بمعدل ما بين 400 إلى 500% الأمر الذي تسبب بارتفاع تكاليف أكساء المتر المربع الواحد إلى 35 ألف كحد أدنى وصولاً إلى 100 ألف ليرة سورية وذلك بحسب ما إذا كان الهدف من الأكساء هو البيع أو التأجير أو استخدامه للسكن الشخصي وذلك بحسب رغبة صاحب المنزل وقدرته المالية التي تعاني من ضعف عام لدى معظم السوريين الذين أصبحوا عاجزين مما أصاب هذه السوق بمنعكسات سلبية واضحة.

وإذا ما عدنا إلى سنوات قبل الأزمة نجد ان معدل ارتفاع أسعار مواد البناء قد تجاوز أرقاماً خيالية حيث كان سعر طن الاسمنت لا يتجاوز 3600 ليرة سورية في حين كان سعر طن حديد البناء 48 ألف ليرة أما سعر متر الرمل فلم يكن يتجاوز 400 ليرة سورية.

وهذا يعني أن الأسعار ارتفعت أكثر من ستة أضعاف ونصف مما سبب ارتفاعاً في تكاليف البناء وبالتالي ارتفاعاً في أسعار العقارات الأمر الذي كان له انعكاسات سلبية كبيرة على القطاعات الأخرى المرتبطة بقطاع البناء كتراجع النشاط في أسواق مواد الأكساء وتحول الكثير من العاملين في مجال أكساء المباني والمنازل إلى عاطلين عن العمل نتيجة تراجع حجم الطلب في هذا القطاع وذلك بسبب ارتفاع الأسعار الذي أصابه بتثبيط كبير لدرجة أن من ليس مضطراً للقيام بكسوة منزله فإنه لا يقدم على ذلك إما لارتفاع التكاليف أو بسبب الظروف الأمنية السيئة في البلاد وحالة عدم الاستقرار التي تعيشها معظم المناطق والبلدات السورية

 

وراء ارتفاع الأسعار عدة أسباب؟؟

وفي البحث عن أسباب هذا الارتفاع الكبير في أسعار مواد البناء نجد أن:bina-6

-ارتفاع سعر الصرف يقف في مقدمة تلك الأسباب مما تسبب بتزايد تكاليف الاستيراد حيث تعد معظم مواد البناء باستثناء الاسمنت سلعاً مستوردة إضافة إلى أن المواد المصنعة محلياً تحتاج إلى مواد أولية مستوردة من الخارج تدخل في صناعتها وبالتالي فإن ارتفاع سعر الصرف لا بد وأن يدفع بتكاليفها وأسعارها نحو التزايد.

-ارتفاع أسعار #المحروقات ولا سيما الفيول الذي يستخدم بشكل رئيسي في صناعة مواد البناء وخاصة الاسمنت مما زاد من تكاليف الإنتاج وارتفاعها.

-ارتفاع تكاليف نقل المواد سواء المواد الأولية اللازمة للإنتاج أو نقل تلك المصنعة إلى أسواق التصريف وإيصالها إلى المستهلك بسبب زيادة أسعار المحروقات وخاصة المازوت عدة أضعاف منذ بداية الأزمة وحتى الآن

-تزايد الطلب على مواد البناء نتيجة الأزمة التي تسببت بتدمير آلاف المنازل وفي مختلف مناطق البلاد وبقاء آلاف الأسر بدون مأوى.

-ارتفاع تكاليف #الأيدي_العاملة في قطاع البناء التشييد نتيجة تزايد تكاليف الحياة المعيشية في البلاد.

ولما كانت المناطق السورية تختلف عن بعضها البعض من حيث مستويات الأمان المتوفرة فيها فقد شهدت تلك المناطق الآمنة وشبه الآمنة إقبالاً شديداً على العقارات سواء لجهة شرائها أو لجهة استئجارها فأصبحت بؤرة لجشع التجار واستغلال ضعاف النفوس لأحوال وظروف الناس القاسية أصلاً وخاصة أولئك الذين نزحوا من بيوتهم ومنازلهم فأصبحوا تجارة بخسة يتداولها تجار العقارات فوصل آجار شقة خالية في ضواحي مدينة دمشق ما بين 30 إلى 40 ألف ليرة في حين وصل سعرها مع الفرش إلى أكثر من 60 الف وإذا ما انتقلنا إلى داخل دمشق فحدث ولا حرج عن أرقام لآجار الشقق والبيوت تحلق عالياً لأكثر من 75 ألف ليرة للشقة الخالية و100 ألف لتلك المفروشة.

إعادة الإعمار تحتاج لإجراءات جديةb

وفي هذا السياق تطرح مسألة #إعادة_الإعمار في البلاد والتكاليف العالية التي تتطلبها هذه العملية في ظل ارتفاع أسعار مواد البناء أو تلك التي تستخدم في الأكساء فضلاً عن ارتفاع تكاليف اليد العاملة في هذا القطاع ففي دراسة لمنظمة #الإسكوا التابعة للأمم المتحدة والخاصة بغرب #آسيا صدرت العام الماضي أشارت أن أعداد المنازل التي تضررت نتيجة العمليات العسكرية في البلاد تجاوزت 1.5 مليون منزل منها 317 ألف لحق بها دمار كلي و300 ألف تعرض للدمار الجزئي.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك تكاليف الدمار الذي أصاب البنية التحتية من شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء والهاتف التي تحتاجها المناطق السكنية لا محال فإنه يتبين حجم التكاليف الباهظة لأية عملية إعادة إعمار يمكن القيام بها لاحقاً إذا ما وضعت الحرب أوزارها.

وبحسب الأرقام الصادرة عن ” #الحكومة_السورية” فقد بلغ حجم الأضرار في هذا المجال ما يقارب 10 مليار #دولار لا تكفي أية مبالغ تخصصها الحكومة في هذا المجال للقيام بهذه العملية خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار قدراتها المالية الضعيفة في الوقت الحالي.

وهنا فإن أسعار مواد البناء ستلعب دوراً مركزياً في مجال إعادة إعمار ما دمرته #الحرب الدائرة حتى اليوم الأمر الذي يفرض ضرورة العمل على توفير الاعتمادات اللازمة لإقامة الصناعات المتوسطة في قطاع مواد البناء المختلفة كالسيراميك والبلاط والكابلات الكهربائية ومواد النجارة والأدوات الخشبية ومواد الدهان والطلاء وتقديم كل التسهيلات اللازمة والدعم الممكن لها بهدف جذب ما يمكن جذبه من الاستثمارات إلى هذا القطاع.

ولما كانت الطاقة الإنتاجية القصوى لمعامل الاسمنت الموجودة في سورية تصل إلى 9.8 مليون طن فإنه لا بد من العمل على التوسع في #صناعة_الاسمنت كمادة رئيسية إلى جانب الحديد المبروم يتم استخدامها في مجال البناء والذي كان حجم الطلب المحلي عليها قد وصل لـ 8.6 مليون طن عام 2010 والتي تنتج #سوريا منها اليوم بحدود 2.1 مليون طن فقط سنوياً.

في حين أن التقديرات الأولية تشير إلى أن حاجة البلاد ستصل إلى حدود 30 مليون طن في مرحلة إعادة الإعمار مما يفرض على الحكومة السورية المقبلة مهاماً جسام في هذا المجال تنطلق من تقديم كل الدعم اللازم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.