في المناطق المحاصرة.. عمليات جراحية باستخدام أدوات تصليح السيارات وغياب التخدير

في المناطق المحاصرة.. عمليات جراحية باستخدام أدوات تصليح السيارات وغياب التخدير

سارة العمر

لم يتوقع محمد درويش من مدينة #مضايا في #ريف_دمشق، حينما كان يدرس في كلية طب الأسنان في #جامعة_دمشق، أن ظروف الثورة والحصار والحرب ستضطره أن يهجر اختصاصه، ويتحول لممارسة دور طبيب  جراح، بعد أن خلت مدينته من الأطباء المختصين وبات لزاماً على من يملك خبرة طبية بالحد الأدنى أن يساعد في إنقاذ الأرواح التي يفتك بها الحصار.

يقتصر الطاقم الطبيب الذي يقدم الخدمات الصحية  لـ 40 ألف نسمة في مضايا على كل محمد (طالب كب أسنان) وزميله (طبيب بيطري)، ويقول محمد: “حينما التحقنا بالطاقم الطبي منذ أربع سنوات، كان هناك طبيب مختص بالجراحة العامة وآخر بالجراحة العظمية، إضافة إلى طبيب تخدير، عملوا على تدريبنا في الوقت الذي لم نكن نعرف فيه كيف نخيط جرحاً، بات بإمكاننا اليوم القيام بالعمليات الإسعافية كالعمليات القيصرية والبتر وغيرها”.

منذ سنتين تولى محمد وزملاؤه الحاليين إجراء كافة الاجراءات الطبية في مضايا بعد أن رحل جميع المختصين منها، ومنذ ذلك الحين وهم يواجهون صعوبات لا تحصى، أبرزها غياب المعدات الطبية والضرورية والأدوية ومواد التخدير والأوكسجين، أما الأسوأ فكان اضطرارهم في ظل كل الظروف السابقة للقيام بعمليات جراحية خطرة بسبب منع  النظام المرضى والجرحى من الخروج وإجراء العمليات في مشافي العاصمة.

آخر عملية قام بها محمد كانت لشاب لم يتجاوز الـ 17 عاماً من عمره، أصيب برصاص قناص ولم يشفع له وضعه الحرج بالخروج من مضايا للعلاج، قام محمد بالعملية لهذا الشاب باستشارة طبيب مختص كان يتواصل معهم عبر الانترنت، وذلك بعد استنفاذ جميع الخيارات الأخرى وتدهور حالة الشاب  الصحية، ففي هذا النوع من العمليات تكون فرص الموت غالبة على فرص البقاء.

يقول  محمد “استمرت العملية 8 ساعات، نفذ الأوكسجين من أول ربع ساعة فقمنا بعملية أكسجة يدوية طول مدة العملية، قمنا أيضاً بإخراج المريض من غرفة العمليات عدة مرات لانقطاع تغطية الإنترنت التي كانت تمكننا من التواصل مع الطبيب المختص الذي كان يوجهنا خلال العملية. تعبنا كثيراً وحاولنا تقديم المساعدة قدر المستطاع  لكنها لم تنجح وتوفي مع الأسف في اليوم التالي”.

واقع طبي مشابه تعيشه العديد من المناطق السورية المحاصرة والمهملة، ففي مخيم الركبان على سبيل المثال يقتصر الطاقم الطبي  الذي يخدم نحو  50  ألف نازح على الممرض شكري الشهاب وزوجته القابلة القانونية.

على الرغم من الخبرة الطبية التي يمتلكها  الشهاب  والتي تنطوي على 15عاماً من العمل  كرئيس لقسم العناية المركزة في مشفى تدمر، إلا أنه لا يملك أي خبرة في العمل كطبيب،  لكن واقع انعدام الأطباء في المخيم لم يترك له الخيار، فواجب تقديم العون لمن حوله اضطره للعمل كطبيب معالج وجراح في الوقت ذاته، في الوقت الذي تتولى فيه زوجته علاج  كافة الحالات النسائية، ويتولى كلاهما  إجراء العمليات القيصرية.

يدرك الشهاب أنه ومهما طالت مدة الخبرة العملية فهي ليست كافية  للقيام بالعمل الجراحي، يقول “في كل يوم تراجعنا حالات مرضية تتطلب استشارة مختص، حاولنا الاتصال بأطباء واستشارتهم عبر الانترنت لإجراء تشخيص،  لكن الأمر  بدا معقداً وغير كاف. بسبب عدم توافر الأدوية والمعدات بتنا نعقم الأدوات بالنار، ونجريها دون تخدير”.

من أصعب العمليات التي اضطر الشهاب لإجرائها كانت لشاب يعاني من التهاب حاد، وكان يتوجب نزع السيخ المثبت في قدمه. بسبب عدم توفر الأدوات استعان بمفاتيح تصليح السيارات لنزع السيخ، يقول “استخدمت مفتاح شق  14 ومفتاح حلق 15 وبانسة”، ويضيف “صادفتنا حالة مشابهة لطفل عمره ست سنوات وتم نزع السيخ من يده بنفس الأدوات وللأسف بدون تخدير ولا شاش معقم، واضطررنا كذلك لمعالجة شخص انفجر فيه لغم، أتانا من خارج المخيم، وكانت حالته خطيرة وتحتاج لطبيب مختص وتدخل جراحي فوري”.

وعلى الرغم من التدخل الجراحي الذي قام به الشهاب في العديد من الحالات إلا أنه يرفض تحمل هذه المسؤولية في الحالات الحرجة، يقول: “آخر تفجير استهدف مقر فصيل للجيش الحر، كانت الإصابات خطيرة وتحتاج إلى تدخل جراحي وغرفة عمليات، لم نستطع أن نقدم لهم إلا الإسعافات الأولية، توفي اثنان واستطعنا تقديم المساعدة لاثنين آخرين كانت حالتهم متوسطة الخطورة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.