استقطبت #تركيا الكثير من النازحين السوريين الذين أجبروا على ترك كل ما لديهم من ممتلكات وماديات وذكريات مقابل النجاة والبقاء على قيد الحياة. لكن يبدو أن قلوب أطفالها أشجع من قلوب آبائهم، فبعض الأطفال لم يقبلوا التخلي عن كل شيء إنما اصطحبوا أغلى ما لديهم سراً أو علناً إلى بر الأمان التركي.

عن بعضاً من هؤلاء الأطفال أعدت إيزابيل هنتر تقريراً نشرته الدايلي ميل بتاريخ 9 كانون الأول 2016 بدأته بالقول: “بينما يستعد جميع الأطفال حول العالم للاندفاع وتمزيق ورق تغليف الهدايا القابعة تحت شجرة #عيد_الميلاد، يتشبث #أطفال_سوريا بأشياء ثمينة تذكرهم بطفولتهم الضائعة.. أجبروا على ترك ألعابهم الغالية على قلوبهم كما أصدقائهم وأحيائهم للفرار من الحرب التي مزقت البلاد. لم يكن لديهم سوى ساعة واحدة لتقرير أي لعبة أحب إلى قلوبهم ليصطحبوها في رحلة المخاطرة إلى بر الأمان”.

عند مقابلتها لـ إبراهيم البالغ من العمر ثماني سنوات، أوضح لها أن الخيار كان سهلاً بالنسبة له. فعندما فرّ مع عائلته من #حمص كان يبلغ الخامسة، كان من السهل عليه التخلي عن جميع أشيائه وملابسه التي يحتاجها في هذه الرحلة، لكن كان من الصعب عليه ترك مضرب التنس، هدية والده في عيد ميلاده السابق. فأخبر الصحيفة بذلك قائلاً: “هرّبتهم معي إلى تركيا بدون علم والدتي، فقد أخفيتهم في حقيبة أخي الصغير”.

استذكر إبراهيم مبتسماً اللعب مع أصدقائه في قريته التي قصفت في حمص فقال: “كانوا يخبرونني دائماً أنني جيد جداً لأنني كنت أضربهم جميعاً طوال الوقت.. ذكرياتي تلك مع أصدقائي ومضربي هذا هي أغلى ما أملك”.

بحسب التقرير “كان إبراهيم يلعب مع أصدقائه عندما جاءت والدته لتخبره أنهم سيرحلون في اليوم التالي، كانوا سنّة يسكنون قرية ذات أغلبية علوية، وخشي والده أن يتم استهدافهم.. بعد عامين من التنقل داخل سوريا عبروا الحدود إلى تركيا بمساعدة حرس الحدود لما وجدوه من حالة مؤسفة للعائلة”.

والد إبراهيم لا يستطيع المشي بدون مساعدة، مما يضطر زوجته على قضاء ساعات طويلة في قطف الزيتون من الحقول لتقدم المساعدة للعائلة، يقول والد إبراهيم “لم أكن أعلم أنه أخذ مضربه معه، لكنه كان مهتماً به بالحقيقة، ويخشى عليها من الضياع، هو الآن يحلم بأن يصبح لاعب تنس يظهر على التلفزيون ويعدني كل الوقت أنه عندما يكبر سوف يعوضني عما فقدت”.

أما بالنسبة لنزار ذي الخمسة أعوام، فلم يحتج التفكير كثيراً عندما طلبت منه والدته اختيار لعبة واحدة يأخذها معه أثناء مغادرة قريتهم في حمص التي كانت تمطر قذائف، الخيار كان بذة سبايدر مان الجديد. فتقول والدته أنه أصر ألا يترك المنزل بدونها.. وعنها يقول نزار “عندما أرتديها أشعر أنني قوي”، وراح يقفز في أرجاء الشقة التي يتقاسمها مع والديه وأشقائه جنوبي تركيا. وأضاف الطفل “جاء القصف وجاء الجيش وحطموا بيتنا. أضرموا النار فيه وأحرقوا جميع ألعابي، لم يتركوا أي قطعة منها”.

وبحسب مروان (والد نزار) فقد تفادت العائلة بدقة أن يتم ضربها بالقذائف المرعبة أثناء محاولتهم الهرب، لكن نزار نبه والديه وأشقائه إلى البذة وبعض الفستق مصراً على أخذها قبل المغادرة.

وأضاف مروان أن القرية “كانت تقصف بشكل يومي من كلا الجانبين لفرض سيطرة أحدهما عليها”، لكنهم لم يستطيعوا البقاء عندما بدأت الطائرات بالقصف. أما صفاء ذات العشرة أعوام، فما كان القصف هو السبب في هروبها مع عائلتها، إنما الحصار. وظناً منها أنها لن تجد الكتب العربية في تركيا، اصطحبت مجلاتها الغالية في طريق رحلتها من مدينة دير الزور المحاصرة.. ثم إنها ما تزال صغيرة جداً على القراءة، فكان والداها يقران لها عبر الرحلة لتشعر بالراحة والطمأنينة بينما يعبرون نقاط تفتيش #داعش والثوار على الطريق الشمالي الطويل.

الآن، تقلّب صفاء بيدها المقطبة بهدوء الصفحات، ولا شيء أحب إليها من نسيان نفسها مع قراءة القصص وحل الألغاز لأوقات طويلة.

أما مصطفى فلا تفارق البسمة شفاهه بينما يلف ذراعه حول ابنه نهاد ذي الثماني سنوات معلماً إياه كيفية استخدام المضرب والريشة.. أثمن شيء لدى مصطفى هو اللعب مع ابنه بعد وصولهما سالمين إلى تركيا، ابنه الذي عانى مرضاً خطيراً إثر شربه مياهاً ملوثة، حيث بقي ستة أشهر متنقلاً بين المستشفيات بينما يحاول الأطباء جاهدين تشخيص حالته.

اضطر نهاد لترك مضرب الريشة في #دمشق عندما غادرها، وبقي قلبه معلقاً به، وباءت كل محاولات والده تعويضه بمثيله بالفشل مصراً على شرائها من سوريا حصراً. إلا أن الفتى سُرّ أخيراً عندما تلقى هديةً في مدرسته الجديدة الخاصة بالأطفال النازحين إثر أعمال العنف.

“بعد اندلاع أعمال العنف في سوريا، عادت حياة نهاد إلى شيء من الاستقرار استمر عاماً تقريباً، إلا أن الحرب عادت لتدمر حياتهم مرة أخرى. فقد استهدفت الطائرات مدرسته بالقذاف التي هدمتها في يوم عطلة بينما كانت فارغة. التهديد أصبح واضحاً وما كان على العائلة سوى الانتقال إلى تركيا.. وبعد أن عاد نهاد إلى عافيته، اهتم بشأن مساعدة والده وحاول إيجاد عمل له، الأمر لذي تحدث عنه مصطفى بكل فخر فقال.. أشعر أنه إذا حصل أي مكروه لنا فإن نهاد سوف يعتني بنا ويحاول إيجاد حل للأمر، لا تستطيع أن تتخيل أنه كان يحاول إيجاد عمل من أجلي”.

عندما يتعلق الأمر بالتعليم أو الصحة، فإن اعتماد 2.7 مليون لاجئ سوري مسجل في تركيا يكون على المجموعة من الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية والحكومة التركية في الحصول عليها، حيث أوضح التقرير أن المساعدات الإنسانية تتوفر من قبل الهيئة الطبية الدولية والتي تحظى بدعم من هيئة الإغاثة الإنسانية الأوربية وهيئة حماية المدنيين ( ECGO )، مع الجمعية الخيرية التي تدير أربعة مراكز مختصة في إعادة التأهيل منتشرة في الجنوب التركي.

ولكن يقف عائق اللغة أمام السوريين عند محاولتهم الاستفادة من إمكانية مراجعة المستشفيات التركية مجاناً، فيحرمون من الرعاية الصحية الأساسية بالإضافة إلى الخدمات المتخصصة الأساسية، كما تقدم المنظمة غير الحكومية NGO خدمات متخصصة في الصحة النفسية المتعلقة بالقلق والاكتئاب واضطرابات الصرع والمشاكل الشائعة بين اللاجئين. لكن المنظمة بحاجة إلى الدعم المادي بشكل كبير، ذلك بحسب جوناثا كونليف (مدير فيلق الهيئة الطبية الدولية) فبالرغم من الـ 3 بليون يورو التي وعدت بها تركيا من قبل الإتحاد الأوربي، فإن الحاجة تفوق ذلك بكثير.

بحسب كونليف “الحياة غالية جداً على السوريين هنا، إضافةً إلى الصعوبات التي يواجهونه. لذا، وبالإضافة إلى خدماتنا الاختصاصية، نعتقد أنه من الضروري المساعدة في حصولهم على الحاجات الأساسية..  إن ترك آلاف اللاجئين لمنازلهم أمرٌ مؤلم بما فيه الكفاية، لكن بالمقابل هناك من تعرض للإصابة إثر أعمال العنف، وهم يكافحون من أجل معاودة التقدم خطوات إلى الأمام، أو حتى مجرد الوقوف في الدرجة الأولى”.

محمد عطيه ذي الخمسة أعوام، والذي يعاني من شلل دماغي، استطاع أخيراً الانتصاب للمرة الأولى من خلال المساعدة والمعالجة في مركز التأهيل الطبيعي. فقد اضطرت عائلته إلى السفر إثر القتال المندلع عندما وجدوا أنفسهم في الخط الأمامي للمعركة. وبحسب نهاد (والدة محمد) “لم يكن هناك وقت لاصطحاب أي شيء سوى القليل من الملابس للفرار بها إلى بلدة قريبة، والتي بدورها سرعان ما أصبحت غير آمنة أيضاً . وكانت رحلة الوصول إلى تركيا صعبة جداً. كانت السيارة مليئة بالأشخاص وبدأ محمد يتقيأ ويبكي حيث أصيب بالدوار”.

وعند وصولهم إلى تركيا، انتهزت نهاد الفرصة عندما سمعت عن مركز يقدم الرعاية الصحية مجاناً للسوريين، حيث كانت غير قادرة على تحمل تكاليف العلاج الفيزيائي والدوائي لمحمد، وأضافت نهاد “اعتاد محمد الاستلقاء على ظهره فقط، لكنه الآن يستطيع أن يجلس ويشاهد التلفاز، ونحن بانتظار وصول كرسيه المتحرك الأسبوع القادم”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.