سامر.. ما هو إلا نموذج من أهالي #الرقة، تمكن من مغادرة المدينة مضطراً بعد صبر طويل وخسائر أكبر. اقتطفت #الغارديان بعضاً من مذكراته المترجمة وأوردتهم في مقال جاء فيه:

آذار 2013

“لن أنسى التوقيت الذي ظهرت #داعش فيه في شوارع مدينتنا أول مرة. في البداية تمكنت قوات المعارضة من محاصرة المقاتلين الذين احتلوا الأبنية الحكومية، تفاءلنا حينها، لكن تغييراً جذرياً حصل. بدأت قوات #الجيش_الحر تضعف حيث كانوا منشغلين بمواجهة النظام في مكان آخر، وعليه بدأت تتناقص قواته المحاصرة لمدينة الرقة بشكل تدريجي. فكانوا يتعرضون للغارات الجوية المتكررة من النظام، ظهر تنظيم داعش حينها مقاتلاً فتمكن من كسر حصار الجيش السوري الحر والسيطرة على مدينتنا بشكل سريع”.

ويقول “كانوا في البداية لطفاء يتحدثون بأسلوب لبق ويعدون السكان بالعيش الرغيد، ويدعونا للانضمام إلى صفوفهم. بالإمكان تقسيم أعضاء داعش إلى قسمين أساسيين: الأول هم أولئك الذين يعتقدون في الحقيقة أنهم جاؤوا لإنقاذنا وهم أوائل من دخلوا المدينة، والثاني هم الأكثر عنفاً وقسوة”.

“كانت المرة الأولى التي أرى فيها الحسبة  (شرطة داعش الدينية) وهم يجولون في الشوارع عندما كانوا يصرخون في وجه امرأة كانت تسحب ابنتها نحو الرصيف، عندما اتجهت الفتاة نحو الطريق. كانت المرأة ترتدي حجاباً وعباءة، لكنهم كانوا ينعتونها بألفاظ تمس شرفها لأنها لم تكن ترتدي النقاب.. تساءلت كيف يمكنهم ادعاء الدين وهم يتلفظون بكلمات يخجل الكثيرون من سماعها؟!”.

يكمل.. “كانت المرأة مرتبكة جداً وخائفة محاولة الابتعاد عنهم، قالت إنها فقط أرادت العودة بطفلتها إلى المنزل، لكنهم لم يتركوها وشأنها.  كنا في هذه الأثناء نقف مصدومين ولم نفقه بكلمة إلى أن قرر أبو سعيد التدخل: هل هذه هي الرسالة المقدسة التي تحاولون نشرها؟! أقسم أن لا علاقة لكم بالإسلام.. منحنا الإحساس بالشجاعة ونحن نقف خلفه بينما كان يضع حداً لهؤلاء الغرباء الذين ظهروا فجأة في مدينتنا. لكنه سرعان ما أصيب بسكتة قلبية من شدة انفعاله. سارع البعض لنقله إلى المستشفى بينما أحاط آخرون من الغاضبين بدورية داعش الذين سارعوا إلى الهرب خشيةً العواقب”.

“ما الذي جاء بهم إلى هنا؟ صرخ أحدهم. جميعنا اتفقنا على أننا لا نريدهم هنا، لكن رجلاً يقف بجانبي طلب منه التوقف عن قول مثل هذا الكلام محذراً بأن لدى داعش جواسيس في كل مكان فقال: ألم تسمع بما حدث في الأمس؟ لقد قطعوا رأس رجل في ساحة نعيم لأنه تحدث عنهم بالسوء، فعلّق آخر على كلامه قائلاً: سوف يعيدنا هؤلاء إلى عصور الظلام “.

ويرد في المذكرات: “سمعت عبر مكبرات أن هناك أشخاص سوف يُعدمون. مجموعة من الرجال معصوبي الأعين يقفون مكبلين، أمامهم يقف رجلٌ مقنع بدأ بقراءة بعض الجمل:

حسان قاتل إلى صفوف قوات النظام، عقوبته قطع الرأس. عيسى ناشط إعلامي، متهم بالتحدث إلى أطراف أجنبية، عقوبته قطع الرأس…”، ويعلق  نقف عاجزين عن فعل أي شيء أمام رجل يحمل سيفاً وينفذ أحكام الإعدام. حتى إنه من الصعب جداً إبراز مشاعرنا الحقيقية لأن داعش تراقب الحشد. أحدق في الوجوه حولي محاولاً قراءة أفكارهم من خلف العيون الحزينة. رأيت في عيون البعض غضباً محدقين في وجه المنفذ، بلا شك هم يخططون للانتقام عندما تتاح لهم الفرصة. الكثيرون هنا ينتظرون الشرارة التي ستوقد انتفاضة ضد هذا الرجل وكل القتلة من داعش. تراجع الناس الآن بدافع الخوف لكنهم بالتأكيد لن يتأخروا كثيراً”.

“سمعتهم ينادون عبر مكبرات الصوت باسم أحد جيراني. لم أستطع بأي طريقة منع نفسي من الذهاب، رأيت رأسه المقطوع على الأرض. سقطت أرضاً ولم أعد قادراً على النهوض. لا أستطيع محو هذه الصورة من ذاكرتي.. وبينما كنت أمشي في الطريق منفعلاً وأنا أشتم بصوت مسموع، أسرعت إلي مجموعة من شرطة داعش وألقت القبض علي. قادوني إلى مقرهم، حاولت التفاهم معهم لكن دون جدوى.. “كنت تشتم بصوت مسموع، عقابك 40 جلدة “، هذا كان جوابهم. بدون أي رحمة أو إنسانية، جلدني أحد رجالهم، كنت أرى في عينيه الفخر فيما يفعله”.

“عندما وصلت إلى باب منزلي انهرت. وبعد أن عرفت عائلتي بما حصل لي ومن شدة الصدمة فقدت أختي الحامل جنينها لأن الطبيب الذي كان يتابع حالتها وأسعفناها إليه كان رجلاً، وقد اعتقلته داعش وأغلقت عيادته لأنهم حرّموا على الأطباء الذكور معالجة المرضى من النساء”.

“بينما ينشغل البعض من أعضاء التنظيم في إعدام الناس، يقوم البعض الآخر منهم بالتحرش بالناس مثيرنهم بطريقة ما ليروا ردة فعلهم، فيقومون بعقاب من ينتقدهم”.

يقول “كان يوما بارداً من أيام آذار، حيث خططنا التحضير لحفلة صغيرة بمناسبة عيد الأم. سمعت صوت الطائرات الحربية تقصف فعدت فوراً إلى المنزل. كلما اقتربت السيارة أكثر كلما ازدادت غيوم الدخان التي تملأ المكان. قصفت الطائرات شارعنا فانهار سقف الجيران على منزلنا. سيارات الإسعاف كانت في كل مكان ويتراكض الناس حاملين القتلى والمصابين.. أخبرني أحد الجيران أن والديّ أصيبا وتم نقلهم إلى المستشفى العام. يصعب وصف شعوري حينها. عندما رأيت حال المنزل توقعت نتائج أسوأ، الطابق العلوي كان محطماً بالكامل كما كان حال معظم الطابق الأرضي. ومنزل جارنا في حالة مشابهة. .. عندما وصلنا إلى المستشفى، كانت رائحة الدماء تملأ المكان. طُلب منا إلقاء نظرة على الجثث لنرى إن كان آبائنا من بينهم. كان موقفاً سيِّئاً للغاية, وقفت بجانب جثمان أبي الذي ملأته الإصابات. كان معظم جسده مغطى بالأبيض لكن وجهه ما يزال مكشوفاً”.

يتابع.. “كانت من أقسى اللحظات في حياتي.. “والدتك هنا تتلقى العلاج لكن ممنوع الدخول لرؤيتها الآن”، أخبروني بهدوء. مضت ساعتان حتى خرج طبيب ليقول: “تمكنت من إنقاذ حياتها لكنها في حالة حرجة “. بعد جنازة والدي قام صديق العائلة أبو محمد بالمساعدة في إصلاح منزلنا المدمر. وأعطانا آخر بعض الإسمنت والقضبان الحديدية حتى تمكنا من إعادة إصلاح غرفتين والفناء بينهما. قسم منه كان مدمراً بشكل يستحيل إصلاحه، لكننا تمكنا من جعل القسم الآخر صالح للسكن مجدداً”.

أواخر أيار 2016

“تمسكت بمدينتي قدر المستطاع، فقد منحتني أجمل ذكرياتي وكنت أرغب في البقاء، كنت مستعداً لتحمل كل الضغوطات والأوقات الصعبة، كنت مستعداً للموت هناك أيضاً. لولا أن قلق أمي ازداد نحوي وكانت خائفة جداً، قالت إنني الآن في أذهانهم ولن يفكروا كثيراً قبل أن يطلقوا رصاصة نحوي. هكذا بدأت حياتي الجديدة في المنفى”.

يقول: “يتواجد الآلاف من السوريين الذين فرّوا من ديارهم هنا حيث أنا، سواء هربوا من داعش أو من نظام الأسد. معاناتهم ومعاناتي مستمرة، وليست حتى على وشك الانتهاء”.

وعن المخيم يروي: “لا يوجد طعام كافٍ ولا علاج في المخيم، تحلق طائرات النظام الحربية فوقنا. أخبرني الكثيرين هنا أنهم تمنوا لو كانوا قتلوا، يتمنى الكثيرين العبور إلى #تركيا لكن الحدود مغلقة بالكامل. حالة من اليأس تعم المكان، الكثيرون هنا أصبحوا معوقين بفعل حرب النظام، لتلك الإعاقات والإصابات تأثير على أصحابها وعلى مرافقيهم. عاش جميع الموجودين هنا حالة من الرعب، وبدلاً من ذرف الدموع ولعن الظروف يحاول جميعهم مساعدة بعضهم البعض”.

“أحمل الكثير من ذكرياتي في حقيبة صغيرة، صور للناس والأماكن، تفاصيل صغيرة من ماضيّ الذي قد لا أعود إليه، من ضمنهم صورة لصديق دراسة قديم أجهل إن كان على قيد الحياة أم قُتل، وأخرى لأحد جيراني الذي قتل بغارة جوية، وصورة لصديق آخر صلبه تنظيم داعش. هنا صورة لبيتنا المدمر وأخرى لشارعنا الذي أصبح الآن دماراً وخالياً من أهله.. لكن أغلى الصور لدي محتفظ بها في رأسي، الفتاة الجميلة التي قضيت معها أجمل لحظات حياتي حتى تدخّل القدر ليفرقنا، حيث أجبرت على الزواج من مقاتل من داعش. وزملاء دراستي.. ليس لدي أمل بلقائهم مجدداً”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.