حمزة فراتي

عرفت ظاهرة إطلاق النار في الأفراح بالانتشار في الأرياف السورية عبر سنوات طويلة، إلا أنها حالياً تزداد من أسبوع لآخر. تلك الظاهرة الخطيرة التي قد يتحوّل بسببها الفرح إلى حزن، وقد تؤدي ذلك إلى قتل أرواح بريئة أو إصابتهم بعاهات جسدية مدى الحياة، وقد خلقت هذه الظاهرة مشاكل عديدة وكثيرة بين العائلات، وراح ضحيتها أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم جاؤوا للمشاركة في الفرح وتقديم واجب اجتماعي أو جلسوا في شرفات بيوتهم.

عن هذه العادة الخطيرة وأسباب استمرارها أكد أغلبية الموطنون ممن تحدث إليهم موقع الحل، أن الانسياق وراء بعض العادات والتقاليد ينسي البعض أشياء مهمة تتعلق بأمنهم وسلامتهم، والتي قد تكون سبباً في إزهاق أرواح بريئة وتحويل المناسبات السعيدة إلى مآتم حزن، وإن هذه العادة “تأتي من باب التفاخر والتباهي في يوم الفرح، وتعد تعبيراً خاطئاً عن الشجاعة والرجولة والكرم”، لهذا دعا متحدثونا إلى ضرورة الإقلاع عنها، وتوعية الناس عن طريق وسائل الإعلام لأنه لطالما راح ضحية هذه الطلقات أشخاص من العائلة أو المعازيم أو صاحب العرس نفسه.

الرصاص سيد الموقف الآن

يروي محمد الجاسم (من سكان ريف دير الزور) لموقع الحل، عن مقتل طفلين بالخطأ عندما أطلق شاب الرصاص بأحد الأعراس في بلدة #الشحيل تعبيراً عن فرحه، فتحول العرس إلى مأتم، وحلَّ النواح والعويل محل الزغاريد وأغاني الفرح.

ويضيف قائلا “كان الله في عون أهالي الأطفال، ومئات الأسر التي فُجعت بفقد أحبائها في ظروف مشابهة، ذهبوا جميعاً ضحية لرصاصات مجنونة تنطلق في لحظة طيش ورعونة، يغيب فيها العقل، وتسود فيها لغة الرصاص، ولا شيء غير الرصاص، وكأن زغاريد النسوة ما عادت تزيِّن أفراحنا وتُشنف آذاننا، وكأن الأهازيج والأغاني والرقصات الجميلة التي طالما أضاءت ليالي أفراحنا لم تعد تفرحنا كما يُفرحنا جنون الرصاص” على حد تعبيره.

وأشار المصدر إلى أن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، فقد “ذرفنا الدموع مدراراً بعد كل حبيب قدم حياته قربانا على مذبح الرصاص، وما إن نستفيق من فاجعة، حتى تحل بنا فاجعة أخرى، والحبل على الجرار، ولا ندري متى وكيف سينتهي هذا المسلسل التراجيدي الطويل الذي أدمى قلوبنا”.

وضرب مثالاً آخر عن فوضى الرصاص وطيشه في أحد الأعراس ببلدة الحصان بريف دير الزور الغربي، حيث وقع تجاذب على سلاح ناري بين أخ العريس وابن عمه، بسبب رغبة كل منهما في إطلاق الأعيرة النارية، ما أدى لانطلاق رصاصة من فوهة البندقية التي أردت أخ العريس قتيلاً.

ومن مدينة الرقة أيضاً تحدث يوسف الجابر (من أهالي الرقة) لموقع الحل عن ضحايا مدنيين بإطلاق الرصاص في الأعراس، حيث ذكر حادثة مقتل ثلاثة أشخاص في حي الرميلة في الشهر الفائت، جراء قيام عنصر من قوات سوريا الديمقراطية (#قسد) بإطلاق النار ابتهاجاً بعرس أحد أقاربه، وفق قوله.

وتحدث الجابر أيضاً عن قيام أب بقتل ابنه البالغ من العمر 8 أعوام بالخطأ في مدينة #تل_أبيض نتيجة إطلاقة النار بعرس لأقاربهم بوسط المدينة.

ومن درعا روى خليل الجاسر (من سكان بلدة طفس) لموقع الحل، عن قيام شاب بإطلاق الرصاص في عرس بالبلدة، حيث انزلق السلاح منه بالخطأ باتجاه الضيوف، ما أدى لمقتل شخصين وإصابة ستة آخرين بجروح خطيرة.

إطلاق الرصاص: اعتقاد خاطئ أم إثبات للرجولة ؟

يعتقد مطلقو الرصاص في الهواء أن قيامهم بهذه الأعمال يُدخل البهجة والسرور إلى نفوسهم ونفوس أهل العرس، حيث اعتادوا على القيام بهذه الأعمال التي اعتبروها تراثاً من تراثهم الشعبي، وقال أحد مطلقي النار (من ريف دير الزور رفض الكشف عن اسمه) لموقع الحل إنه “يجد سعادة في إطلاق النار في الفرح، رغم أن ذلك كلفه الكثير من النقود كثمن للرصاص الذي يطلقه، واعتبر أن ما أنفقه من نقود على شراء الرصاص نوع من الهدية للعريس”.

وبسؤالنا حول ما قد ينجم عن ذلك من آثار قد لا تحمد عقباها قال “إنه واثق من قدراته على إطلاق الرصاص دون أن يتسبب في إصابة أي أحد، وأنه يصوب سلاحه باتجاه السماء والمناطق المكشوفة، بمعنى أنه يأخذ احتياطاته الجيدة قبل إطلاق النار” على حد قوله.

الإعلام أولاً ..توعية و إرشاد

في هذا الصدد يقول الأستاذ في علم الاجتماع أحمد الخاطر (من ديرالزور) لموقع الحل إنه “يمكن القضاء على هذه الظاهرة السلبية في حياتنا من خلال نشر التوعية بين الناس، والمقصود بهذا هو الإعلام بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى إظهار مخاطرها على المجتمع من جوانب عدة لعلّ المجتمع يتعظ، كما أن للمثقفين دور كبيراً في نقل الفكر النيّر للعامة، وتوضيح المخاطر التي تنتج عن هذه الآفة”.

بين مؤيد ومعارض لإطلاق الرصاص

من جهة أخرى، اعترض رمضان العلو (من سكان ريف #حلب الشمالي) على الفكرة السابقة موضحاً بأن “ظاهرة إطلاق النار خلال الأعراس لا تعتبر عادة مذمومة وسلبية ، بل إن هذا الطقس هو من ضرورات إعلان النكاح المطلوب شرعاً.. ورثنا هذه الظاهرة عن أجدادنا، وأنا شخصيا أعتز بها”.

هذا ما أكّده أيضا غانم المحسن من مدينة #الباب (شمال حلب) لموقع الحل، موضحاً أن “إطلاق النار في المناسبات والأعراس يعبر عن شيء من البهجة والفرح”، مضيفاً “غير أنني أعلم تماماً بأنها وبقدر ما تمنح المحتفلين بالعرس فرحاً وإثارة، فإنها من الممكن أن تُبكِي عائلةً ما بسبب فقدانها أحد أفرادها نتيجة رصاصة طائشة من عرس قريب”، وفق تعبيره

بين العشوائية وحب الظهور .. ضحايا و مخاطر

يخالفهم الرأي المحامي نواف العبس (من ريف الرقة) قائلاً إن “ظاهرة انتشار السلاح واستخدامه في الأفراح والمناسبات بات ظاهرة مقلقة وسلبية جداً”، وهو يرجع أسباب ذلك إلى عدم التقدير الصحيح من قبل بعض الأشخاص للمخاطر، التي يمكن أن تلحق بهم وبمن حولهم، عند قيامهم بإطلاق النار، بداعي الفرح والابتهاج، معتبراً أن اللجوء إلى هذا الفعل يتم في العديد من الحالات بدافع التباهي والتفاخر، وحب الظهور بحمل السلاح .. ويحذر من أن إطلاق الأسلحة النارية في المناسبات يشكل خطورة بالغة على المجتمع والناس، بل قد يعكر صفو المناسبة، وربما يحولها إلى مأساة، ليذهب جراء هذه العشوائية أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم جاؤوا ليحتفلوا بمناسبة عزيزة عليهم .

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.