“سأستمر حتى يتوقف الصراخ”.. رجل الإطفاء البريطاني الذي ينقذ اللاجئين من القبر المائي

“سأستمر حتى يتوقف الصراخ”.. رجل الإطفاء البريطاني الذي ينقذ اللاجئين من القبر المائي

 

نشرت صحيفة ميرور البريطانية مقالاً عن لقاء أجرته مع رجل شجاع، كرّس إجازاته السنوية لإنقاذ السوريين الغارقين في القبر المائي قبالة السواحل اليونانية، هو رجل الإطفاء البريطاني بريندان وودهاوس. وقد سرد عدداً من الحالات التي أنقذها وشعوره حيال منح الناجين فرصة جديدة في العيش.

وودهاوس أعلن عبر الصحيفة أنه لن يتوقف عن عمله هذا طالما هناك صرخات تسمع. وعن أكثر الصرخات رعباً التي سمعها وهرع إليها كان صراخ هستيري لأم عائمة على وجه الماء بعد أن انفجر القارب المطاطي الذي يقلها إثر الصخور ليغرق، متداخلاً مع صوت طفلة رضيعة تبلغ من العمر خمسة أشهر، ليتمكن من سحبها 60 ياردة إلى الشاطئ والضغط على رئتيها لإخراج المياه المالحة فتتمكن من التنفس من جديد.

ويذكر وودهاوس أنه في إحدى الليالي حالكة الظلام، وبينما كان يجلس على قمة جرف نائية في جزيرة ليسبوس اليونانية بينما يراقب قوارب اللاجئين السوريين المتجهين نحو المنارة كما تتجه الفراشة إلى النور، وإذ به يرى أحد القوارب يضرب الصخور الخشنة أدناه. صرخ ليطلب المساعدة من زملائه وسبح مباشرة نحو القارب لينقذ الأطفال إلى بر الأمان.

أنقذ في البداية أسرة كان ابنها البالغ من العمر عامين غير قادر على الاحتفاظ برأسه فوق مستوى الماء، ومن ثم اتجه نحو صراخ امرأة تشير إلى طفلتها التي تبعد عنها في المياه.

يقول وودهاوس البالغ من العمر 42 عاماً: كنت مدركاً أنني أعرض حياتي للخطر، فالطفلة كانت بعيدة جداً، وأني لست سباحاً عظيماً، لكن كان علي أن أحاول إنقاذها.

ويضيف: تجاوزت امرأة تبلغ من العمر 70 عاماً، فكانت ترتدي سترة نجاة. وتجاوزت كذلك عشرة أشخاص يتشبثون بالقارب المقلوب، نصفهم كانوا أطفال، لكن كان لديهم شيء يتشبثون به، فتركتهم.

يشير وودهاوس إلى أنه لن ينسى تلك اللحظة التي قلب تلك الفتاة الصغيرة ليجد شفتيها زرقاوين ووجهها رمادي وعيناها مقلوبتان إلى داخل رأسها، لم تكن تتنفس فاعتقد أنها ميتة. ويضيف: وضعتها فوقي وبدأت بالسباحة على ظهري مستخدماً يدي اليسرى، وباليمنى كنت أضغط على صدرها إلى أن وصلت الشاطئ بعضلات ملتهبة، توقفت لأبدأ بإعطائها خمسة أنفاس لإنقاذها. لقد بصقت المياه التي ابتلعتها وبدأت تصرخ، كان أجمل صوت سمعته على الإطلاق.

وعندما استنفذ طاقته أعطى الطفلة لصديقه الذي هرع بها إلى غرفة الإنقاذ المرتجلة. وعند وصوله إلى الغرفة كانت الطفلة الصغيرة “سيوان” ملفوفة في بطانية تبرعت بها ابنته، وكانت تتلقى الأكسجين الذي اشتراه بنقود تبرع بها مجتمعه المحلي.

وعندما وصلت الأم ووجدت الفريق يعمل على إنقاذ طفلتها، سقطت على ركبتيها وبدأت بتلاوة الصلاة. فطلب وودهاوس من الطبيب إزالة قناع الأوكسجين لتتمكن الأم من سماع بكاء طفلتها، عندها احتضنت أختها وأجهشت بالبكاء، كان أمراً لا يصدّق.

وبحسب المقال، رجل الإطفاء الذي يعمل في نوتينغهام، عمل كطبيب مساعد للجيش في معسكر في أفغانستان عام 2014، ويعتمد إجازاته السنوية للانضمام إلى فرق الإنقاذ. فعيونه كانت تشع فخراً وهو يفكر بالطفلة الصغيرة التي تحيا اليوم في مكان ما بفضله. فيقول: يتم استدعائي من وقت لآخر لإنقاذ أسرة من مبنى محترق بصفتي رجل إطفاء، لكن في منطقة البحر الأبيض المتوسط كنت أنقذ العشرات كل يوم، وأحياناً أكثر. لكنه بين الحين والآخر يفسح المجال لغضبه بالظهور تجاه الحكومات الأوربية، فاللاجئون الفارون من القتل والاغتصاب والفقر غرقوا.

ويشير المقال إلى أن 34361 شخصاً ماتوا أثناء أو بعد عبورهم البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2002. كما حوصرت سفينة الإنقاذ أكواريوس لعدة أيام إثر رفض إيطاليا ومالطا قبول 629 لاجئاً ومهاجراً كانوا على متنها، ذلك قبل قبول إسبانيا استقبالهم والسماح للسفينة بالرقود في شواطئها.

وفي هنغاريا، يشير المقال إلى أن مساعدة هؤلاء المهاجرين أصبح جريمة يعاقب عليها القانون.

ويوضح وودهاوس أن لديه خطط إنقاذ خلال الشهر المقبل، فقد أنقذ طفلاً بعد ثلاثة أشهر من غرق اللاجئ السوري إيلان الكردي، البالغ من العمر ثلاث سنوات، والذي هزّت صور جسده على الشاطئ ملايين الناس حول العالم.

في المقابل كان هناك عدد لا يحصى من الأطفال الذين لم تتصدر صورهم وأسمائهم عناوين الصحف. يقول وودهاوس: أعرف أصدقاء كانوا يعملون في المخيم ويجدون أطفالاً موتى على الشاطئ خلال عودتهم إلى الفندق نهاية اليوم، كان ذلك يحدث طوال الوقت. ويضيف: “بغض النظر عن موقفنا من الأشخاص الذين يخوضون هذه الرحلة عبر الأبيض المتوسط، فمن الخطأ أن نتركهم يغرقون”.

وعن تطوع وودهاوس، ذكر التقرير أنه شارك لأول مرة كمتطوع منذ ثلاثة سنوات بعد رؤيته لتقارير إخبارية تتحدث عن غرق قاربين يقلان ما مجموعه 1100 لاجئ في البحر الأبيض المتوسط ليقضي بعدها ثلاثة أشهر من البطولات على جزيرة ليسبوس.

وعن يومه الأول في عمله هذا قال: بينما كنا نجول في الساحل اليوناني كدوريات، رأينا قارباً يحمل 135 شخص من بينهم 50 طفلاً، اصطدم بصخرة وبدأ بالغرق. ويشير إلى أن طاقمهم اتصل للحصول على مساعدة لكن لم يأتِ احد.

ويضيف: كان الناس يرمون أطفالهم الرضع في وجهي وهم يصرخون لأنقذهم. كنت أضع الأطفال على بطونهم وأعود لإنقاذ آخرين. إلى أن أصبح خلفي كومة من الأطفال الرضع يبكون، كان علي أن أقوم بدور مرعب وهو إعادة ترتيب الأطفال حتى لا يختنق من هم أسفل الكومة.

ويشير المقال إلى أن وودهاوس انضم أيضاً إلى عمليات الإنقاذ في المياه الواقعة قبالة السواحل الليبية، حيث ساهم في إنقاذ 6000 شخص في أول مهمة له هناك عام 2016. ويعلق على العدد قائلاً: أنه ما كان لينقذ هذا العدد طوال حياته خلال عمله كرجل إطفاء.

ويضيف: “لقد أنقذنا طفلاً يبلغ من العمر 15 عاماً كان قد أجبر على ركوب القارب من قبل مهربي البشر، أطفؤوا السجائر على جلده وصبوا الزيت المغلي على ذراعه أمام والدته لإجبارها على دفع المال مقابل أجرة القارب. وبينما كنت أغطي حروقه جفل، لكنه لم يبكي. أعطيته لعبة على شكل خروف أحبها واستخدمها كوسادة، إنه بعمر ابني فكيف يمكننا أن ندير ظهورنا لأشخاص كهؤلاء؟”

وينهي وودهاوس اللقاء بعرضه صوراً من جهازه المحمول لعمليات الإنقاذ التي قام بها، حيث يظهر زورق يختفي خلف الأمواج في إحداها ليعلق قائلاً: “هذا ما يمكنهم رؤيته الآن، فالناس لم تتوقف بعد عن الموت في البحر المتوسط لذا لا يمكنني التوقف عن عملي كمنقذ متطوع. سوف أستمر طالما الوضع بحاجة لي حتى يتوقف الصراخ هناك”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.