رجا أمين – بيروت

 

خلال كل المسار الأمني والسياسي في #لبنان بعد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، ظهر أن الممثلين السياسيين شبه الوحيدين للشيعية السياسية، أي حركة أمل وحزب الله، ملتزمان في مسار واحد يجمعهما ولا يفرق بينهما، فعلى مدى سنوات طويلة شكل وزراء حركة أمل وحدهم الواجهة الحكومية للشيعية السياسية، وحتى بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان وصولاً إلى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني #رفيق_الحريري ساهمت حركة أمل بفاعلية في تغطية حزب الله المتهم بالوقوف وراء هذا الاغتيال محافظاً على وحدة صف الشيعة اللبنانيين وراء الحركة والحزب معاً اللذين دأبا على خوض غمار الانتخابات النيابية متحالفين سوية كل مرة.

رغم كل هذا، ترتفع أصوات هنا وهناك بين الحين والآخر لتكشف خلافاً جذرياً قديماً بين الحركة والحزب، فقبيل الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة، سُرّب تصريح لوزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل ينعت فيه رئيس حركة أمل ورئيس المجلس النيابي بـ “البلطجي”، فكانت تحركات احتجاجية في الشارع لأنصار حركة أمل عبر خلالها بعضهم عن نقمتهم على حزب الله المتحالف مع التيار الوطني الحر الذي يرأسه جبران باسيل، مستعيدين خلافات قديمة من عمر الحرب الأهلية مع حزب الله.

لا بد هنا من العودة إلى تأسيس كل من هذين الطرفين السياسيين الشيعيين والخلافات التي شابت علاقتهما:

أفواج المقاومة اللبنانية المعروفة اختصاراً بحركة أمل تأسست سنة 1974 قبيل الحرب الاهلية اللبنانية على يد الإمام موسى الصدر والنائب حسين الحسيني واتخذت اسم “حركة المحرومين” انطلاقاً من الظلم المديد الواقع على الشيعة في لبنان جراء إهمال الدولة اللبنانية وتجاوزات المنظمات والمقاومة الفلسطينية بحقهم.

موسى الصدر اللبناني الإيراني الذي يعتقد أنه خطف وقتل في ليبيا بأمر من معمر القذافي سنة 1978، أعلن عن ولادة حركة أمل سنة 1975 بعد حادثة انفجار في معسكر تدريبي تابع لها قرب مدينة بعلبك البقاعية، وكانت الحركة سرية غير معلنة الوجود حتى حصول الانفجار الذي كشف وجودها وسرّع في إعلانه، وكان أحد أعلى مسؤولي الحركة مصطفى شمران، الشخص الذي تولى مسؤوليات أول وزارة دفاع في إيران عقب انتصار الثورة الإسلامية هناك.

اعتبر الصدر حينها أن تأسيس الحركة يأتي على خلفية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي كان لبنان أحد ساحاته الرئيسية، والذي استجلب عدواناً إسرائيلياً متصاعداً، مما دفع إلى تأسيس الحركة لتتصدى لهذه الاعتداءات التي تنعكس مباشرة على أهل جنوب لبنان وبينهم الكثير من الشيعة.

وأيضاً رأى الصدر في الحرب الأهلية التي كانت بوادرها قد بدأت في الظهور منذ قبل 1975، حدثاً لن يوفر بتأثيراته السلبية أي من الفئات اللبنانية خصوصاً مع ضعف دور وسلطة الدولة اللبنانية، فكان لا بد برأيه من وجود حركة أمل لتلعب دوراً في حماية الشيعة.

أما حزب الله فقد جاء تأسيسه متأخراً عن حركة أمل بأكثر من ست سنوات، ففي مطلع الثمانينات قام الحرس الثوري الإيراني بموافقة من النظام السوري بتوجيه ودعم ممنهجين بتأسيس حزب الله في لبنان على يد محمد حسين فضل الله وعباس الموسوي وراغب حرب وصبحي الطفيلي الموالين للإمام الخميني، في سبيل مقاومة الإسرائيليين والعمل على تأسيس “دولة إسلامية”، ولو كانت الخطابات الموجهة للشعب اللبناني تتجنب الاعتراف بالمشروع الإسلامي للدولة.

منذ التأسيس وعبر الممارسة، أثبت حزب الله أنه أداة إيرانية في لبنان، بدعم من النظام السوري الذي استفاد بدوره من دور هذا الحزب رغم بعض محطات الخلاف والاقتتال العابرة خلال الحرب الأهلية.

أدى بروز حزب الله إلى تخلخل في صفوف حركة أمل التي انتقل بعض أكثر كوادرها تشدداً إلى صفوف الحزب الوليد، وانتشرت موجة من أعمال الخطف التي استهدفت مسيحيين لبنانيين من سكان بيروت الغربية، وبعض المقيمين والصحفيين من الأجانب، في عمليات بدت ممنهجة وكان حزب الله يقف خلفها. وفي مرحلة معينة شعر النظام السوري بأن تمدد النفوذ الإيراني في لبنان متمثلاً بحزب الله يهدد مصالحه، فهو استعان بهذا النفوذ الإيراني عندما احتاجه عقب الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982، ولكن بدا أن السحر قد انقلب على السحر.

اندلعت حرب المخيمات بين الفصائل الفلسطينية وحركة أمل التي تذرعت برغبة الفلسطينيين بالعودة إلى سابق عهدهم من السطوة في لبنان، وارتكبت الحركة خلال هذه المعارك انتهاكات هائلة تضمنت حصار المدنيين وقطع المياه والطعام والكهرباء عنهم، مع دعم سخي من قبل النظام السوري، وفي الوقت عينه انطلقت مناوشات بدأها حزب الله تجاه حركة أمل، وتكررت الصدامات بين القوات السورية ومقاتلي حزب الله على ما يبدو من خلفية الاشتباك مع حركة أمل حتى كانت حصيلة إحدى الصدامات بين القوات السورية وحزب الله 22 قتيلًا للحزب في مجزرة ثكنة فتح الله إذ قام الرائد في المخابرات السورية جامع جامع الذي اتهم لاحقاً بالتورط في عملية اغتيال رفيق الحريري، باعتقال مقاتلين لحزب الله في منطقة برج أبي حيدر ثم اعدمهم دون مقدمات رمياً بالرصاص.

اندلعت “حرب الأشقاء” بين حزب الله وحركة أمل وتحولت ضاحية بيروت الجنوبية إلى ساحة معارك دامية راح ضحيتها الكثيرون، وسيطر مقاتلو الحزب على مقر حركة أمل في الضاحية وانشق بعض مقاتلي أمل منضمين للحزب، وحتى مظاهرات المدنيين الشيعة بما فيهم النساء للاحتجاج على هذا القتال بين الجسمين الشيعيين قوبلت بالرصاص الذي طال حتى موكب غازي كنعان رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية العاملة في لبنان خلال عودته من اجتماع  لفض الاشتباك بين الطرفين، فكانت حادثة من الحوادث النادرة التي أطلق فيها حزب الله النار على مسؤول أمني سوري رفيع.

فسّر أغلب المتابعين والمعنيين الصراع بين حزب الله وحركة أمل بصراع إيراني سوري، وخلاف على المصالح ومساحات السيطرة، وامتد الصراع ليشمل أحياء من بيروت الغربية، ودامت المعارك أسابيع خرجت منها حركة أمل منتصرة بدعم كبير من النظام السوري الذي نشر قواته في الضاحية.

تختلف حركة أمل عن حزب الله في عدم التبعية المباشرة لإيران، وإن كانت الحركة اليوم على تنسيق عالٍ مع ولاية الفقيه في إيران، وتحافظ على خطاب إيجابي تجاه إيران، إلا أن هذا لا يأتي منسجماً كثيراً مع حقيقة الأمور، فبراغماتية قائد الحركة وفطنته السياسية تمنع من معاداة إيران وحزب الله علناً لانسجام المصالح كثيراً معهما، ومن باب الحكمة المتأتية من إدراك تفوق الحزب عسكرياً وأمنياً وتمويلياً على حركة أمل. وفي هذا السياق يعتقد كثيرون أنه ما كان لحركة أمل أن تنال هذا العدد من النواب في المجلس النيابي اللبناني والوزراء في الحكومة لولا ترك حزب الله حصة ما له، إذ إن شعبية الحزب المبنية على خطابه وتقديماته المادية تفوق شعبية الحركة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.